هي أيام معدودات ولحظات فارقات تنظر فيها الأمة الوسط إلى واسطة عقدها مصر-وكم نظرت وانتظرت- لترى إلى أي شأن تصير وهل أريد بها شر -لا قدر الله- أم أراد بها ربها رشدا .. هي برهة قصيرة في عمر الأمة وذاكرة التاريخ ولكن القرارات التي ستتخذ قد تغير وجه التاريخ .. هذا قدرنا وقدر جيلنا فإما أن نكون بمستوى الموقف أو لنتحمل مرارة الألم الذي سنتجرعه حين يسألنا أحفادنا متعجبين كيف فرطتم في هذه اللحظة.. هذا الكلام موجه لنا جميعا لينظر كل منا إلي الدور الذي يمكن أن يقوم به من أجل مستقبل أفضل لمصر- التي تنتظر فارس أحلامها- و للأمة الإسلامية كلها التي تنتظر مصر وهو موجه أيضا بالتحديد لجماعة الإخوان المسلمين والدعوة السلفية والمرشحين الإصلاحيين للرئاسة لا أريد أن أسهب في ما للفترة الرئاسية القادمة من تأثير على الوعي الجماهيري وصياغته بطريقة سوف تعتمد كثيرا على فكر و شخصية الرئيس - كما صبغ عبد الناصر الوعي العربي -وليس المصري فقط بصبغة قومية - ولأهميتها في إرساء قواعد السياسة الخارجية والداخلية لمصر وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بما سيظل تأثيره ممتدا ربما لعدة عقود قادمة - كل هذا معروف لذا كان من الواجب علينا جميعا - أفرادا وجماعات - أن نقيم حساباتنا في اختيار مرشح الرئاسة الذي ندعمه بدقة بالغة ونغلب المصلحة العامة بقدر الإمكان على أهوائنا في سبيل تحقيق دولة العدل المنشودة ...أكتب هذا وفي بالي وبال كل مهتم بالشأن الإسلامي مسألة الترجيح بين المرشحين الإصلاحيين الرئيسيين في الساحة وما نخشاه من تفتت الأصوات بينهم فترجح كفة أحد المحسوبين على النظام السابق ..وقانا الله السوء ! وفي المقابل فالسيناريو الأكثر تفاؤلا هو أن يكون هناك مرشح إصلاحي واحد فقط يجتمع عليه كل من يؤمن بمرجعية الشريعة وحاكميتها وحينئذ فالناظر إلى نتيجة انتخابات مجلسي الشعب والشورى وغيرها يعرف بداهة أن نتيجة الانتخابات ستكون محسومة إن شاء الله لصالح هذا المرشح - ولن نعدم خيرا من مرشح يصلي خمس صلوات في المسجد كل يوم وليلة - وستكون من ثمرات المرشح الإسلامي الواحد المتفق عليه هو أن أي محاولة للتلاعب بنتيجة الانتخابات سوف تكون مفضوحة وبالتالي ستقل احتمالات التزوير في انتخابات المنصب الأكثر حساسية في الدولة.. لذا فهذا المقال لبحث الطرق التي تقربنا بقدر الإمكان من هذا السيناريو المثالي على مستوى المرشحين والجماعات والأفراد أما على مستوى المرشحين فبافتراض التجرد والإخلاص عند كل منهم فاستمرار كل منهم في حملته مع وجود آخرين يحملون فكرا مشابها أو قريبا يعني أنه يرى في نفسه الأصلح من غيره حتما لتولي هذا المنصب وأن لديه ما ليس لدى الآخرين جزما وإلا فإن النصوص في النهي عن السعي لهذ المنصب معروفة عندهم كلهم .. لذا كانت مخاطبة المرشحين الإصلاحيين للوصول للحالة المثالية السابقة ليست من باب تنازل المفضول للفاضل ولكن من باب تنازل الأقل فرصة للأوفر حظا - ولو كان الأقل فرصة يرى نفسه الأفضل والأكفأ ولكن نخاطبه من باب مقاصد الشريعة التي يعرفها الجميع بأن مقصد الاجتماع على مرشح واحد في هذه المرحلة الحساسة خير من التفرق على على عدة مرشحين أفاضل -- نعرف أن الوصول لهذه المرحلة من الفهم والتطبيق لمقاصد الشريعة يحتاج لدرجة عالية من التجرد وإنكار الذات إلا أنها ليست ببعيدة عن مرشحينا الأفاضل إن شاء الله ..ما أجدر مرشحينا هنا بأن يستحضروا موقف الحسن بن علي رضي الله عنه حين تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان من أجل جمع كلمة المسلمين وحقن دمائهم .. بالطبع الانسحاب التام ليس هو الصورة الوحيدة هنا للتنازل ولكن هناك صور مختلفة من الاتفاق مثل الفترة الرئاسية الواحدة ومنصب نائب الرئيس أو رئاسة الحكومة والفريق الرئاسي (رئيس ومستشاريه ) أو أي حلول إبداعية قد تؤدي في النهاية لاتفاق المرشحين على مرشح إسلامي واحد .. فيا أيها المرشحون الإسلاميون: أجمعوا أمركم ثم أتوا صفا واحدا فسوف يأتي وراءكم جموع المصريين .. قد يقول قائل ولكن هذه المشكلة - أي تعدد المرشحين الأكفاء- لن تنتهي وستعود كل انتخابات رئاسية فهل نطالب كل مرة بالاتفاق على مرشح إسلامي واحد منعا لتفتيت الأصوات؟ والجواب ربما لا ولكننا الآن في مرحلة الناس فيها عطشى للعدل والكرامة واحترام القوانين وتفعيل مبدأ الشورى بعد عقود الظلم وستكون أكبر مهمة للرئيس القادم هي بناء مؤسسات وقواعد ترسي هذه القيم في المجتمع بما يضمن استمرارها بعد انتهاء مدة رئاسته .. والأمر الثاني أننا في هذه الفترة الرئاسية الأولى بصدد انتزاع السلطة كاملة ممن لا يستحق لتكون بيد الأمة ..والخطر إذا ما تفتت الأصوات بين عدة مرشحين وفاز أحد الزملاء السابقين للمشير في مجلس الوزراء أن قضية تسليم السلطة كاملة لن تكون مضمونة أو قد تصبح موضوعا شخصيا بين الرئيس والمجلس العسكري! بالمناسبة - حين نقول كاملة فهذا يشمل القوات المسلحة والمخابرات ... وقضية العلاقة بين هذه الجهات والسلطة المدنية ومن يكون صاحب القرار في اختيار وزير الدفاع و رئيس الأركان والمخابرات كان ينبغي أن تكون أول القضايا المثارة إعلاميا وشعبيا بين هتيفة الدولة المدنية بعد تنحي مبارك ولكنهم سامحهم الله شغلوا الناس بقضايا أخرى .. ثمة كلمة أخيرة في مسألة المرشحين وهي أن الاتفاق بينهم على مرشح واحد لا يلزم منه أن ينسحب الباقون رسميا من السباق ولكن الأفضل قطعا هو أن يبقوا ولكن يعلنوا لأتباعهم ألا يرشحوهم ويرشحوا فلانا - وذلك تحسبا لأي طارئ... وأما على مستوى الجماعات فبالطبع الحالة المثالية هي اتفاق الحزبين الكبيرين النور والحرية والعدالة على مرشح واحد فقط من ضمن المرشحين الإصلاحيين الحاليين وحشد الكتلة التصويتية الكبيرة لهما باتجاه هذا المرشح وحينئذ فمن المستبعد أن من حصلوا على نسبة سبعين في المائة من البرلمان ألا يستطيعون الحصول على نسبة الخمسين بالمائة لمرشحهم الرئاسي .. الواقع أن الجماعة قد اتخذت بالفعل قرار الدفع بمرشح رئاسي -ونحن نقدر أن تكون هناك أسباب قد دفعت الجماعة للتراجع عن موقفها الأول لا يمكنها الإفصاح عنها حاليا ولكن قد تقرؤها في كتب التاريخ مستقبلا إن شاء الله - فزاد بذلك عدد المرشحين ..فهل ما زال ثمة أمل؟ نعم .. فقد رأينا خلال الأحداث الماضية المكر الكُبّار الذي يحاك لهذا الوطن ونحن نرجو أن يكون إدراك الجماعات والمرشحين الإصلاحيين على قدر هذا الكيد والمكر فتقدم مصلحة التجمع على مرشح واحد وضمان عدم التزوير أو فضحه إن حدث على مصلحة الفوز الشخصي أو فوز مرشح الجماعة .. وأقول تحديدا على جماعة الإخوان المسلمين ألا تعد قرار الدفع بمرشح للانتخابات قرارا نهائيا لا يمكن التراجع عنه ولكن عليها أن تدرس احتمالات سحبه في سبيل الاتفاق على مرشح توافقي إسلامي تغليبا للمصلحة العامة لا مصلحة الجماعة -والمصلحة العامة بالمناسبة ستكون هي عين مصلحة الجماعة - وعلي قيادات الإخوان وحزب النور أو مرجعياتهما الاجتماع وبحث هذه القضية بكل شفافية وطرح كل فريق مخاوفه أو تحفظاته عن كل مرشح من أجل الخروج بقرار واحد يجتمع عليه الإخوان والسلفيون ليكون هذا العام هو "عام الجماعة" ؟ فيا جماعة الإخوان .. نحن ندرك أن التزام أفراد الجماعة بقراراتها أحد أسباب قوتكم كما أن التزام الجندي في الجيش بأوامر قادته هو أحد أسباب قوة الجيش .. ولكن لا ينبغي أن يحملكم صرامتكم في هذا الباب على الاستمرار في هذا الموقف الحاد من الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح إذا رأيتم أنه المرشح الذي يمكن أن تجتمع عليه كلمة جميع التيارات الوطنية .. الآن عندما يتعلق الأمر بمصير وطن فمن الحكمة أن تكون المواقف أكثر مرونة للعبور بسفينة الوطن بأمان خلال هذه الفترة بأقل قدر من الخسائر .. والخسائر لو وصل لسدة الحكم من لا يتقي الله في وطنه ستكون كبيرة كبيرة ! ويا أيتها المرجعيات التي علمتنا أهمية مراعاة مقاصد الشريعة وتقديم أخف الضررين آن لكم أن تعترفوا أن مصلحة الاجتماع في هذا الوقت تفوق مصالح أخرى كثيرة وأن واجب الوقت هو أن تميل "الجماعة" و"الدعوة" بكل ثقلهما ميلة واحدة ناحية أحد المرشحيْن الأكثر شعبية لترجيح كفته وحبذا لو كان هذا القرار مبكرا قبل أن يلجأ أحدهما للتحالف مع غيره من مرشحي الرئاسة ثم يضطر لتعيين " حلفائه " في مناصب هامة في الدولة لا لأنهم أكفاء ولكن لمجرد أنهم كانوا يوما مرشحي رئاسة ! نعم إن كان ثمة تحالف نرجوه فهو تحالف بين العوا وأبو الفتوح يدعمه الإخوان والسلفيون ! وأما على مستوى الأفراد وهو المستوى الأخير بافتراض قدوم يوم الانتخابات السعيد - إن شاء الله - وكان الصف الإسلامي على ما هو عليه اليوم أن يكون عندهم قدر من المرونة في الموازنة بين المرشحين الإسلاميين وألا يتردد محبو المرشح الأقل شعبية قليل الفرصة في الفوز في ترشيح آخر تكون فرصته أكبر أوبتعبير الأستاذ أمير سعيد : " من سيتمكن من حشد الرأي العام خلفه من كل المرشحين الأربعة، هو جدير بأن يحظى بتأييد الآخرين ولو لم يكن أول المختارين لكل ناخب ابتداءً، تحقيقاً للمصلحة العامة، وقفزاً فوق الاعتبارات الخاصة والضيقة، والتغاضي نوعاً ما عن الأخطاء التي قد تكون اعترته أو تقديره الشخصي كمرشح مؤهل ذاتياً للرئاسة بدرجة عالية أو أقل من ذلك." والسلام.