آيات قرآنية كثيرة أقف أمامها لأتأملها، فأنا لست من دارسي الكتاب الكريم، لكنه أنزل بلسان عربيّ مبين، ومن ثم فإن باب الاجتهاد فيه ليس مقصورًا على أحد، ولذا أمرنا الله بالتفكّر. ومن أهم تلك الآيات "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم" النساء:59.. استخدم الله فعل الأمر (وأطيعوا) مرتين، الأولى: طاعة لله، باتباع أوامره وكتابه -بيد أن غالبية المسلمين لا يطيعون الله حق طاعته- والمرة الثانية أمر بطاعة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك باتباع سنته، أما طاعة (أولى الأمر)، فلم يكرر الله كلمة قبلها "وأطيعوا" وكأنه أراد التأكيد، أن طاعة أولى الأمر، لا تأتي إلا في إطار طاعة الله ورسوله. والسؤال الذي دائمًا يراودني.. من هم "أولو الأمر"؟ فقد ورد مصطلح أولى الأمر في القرآن بصيغة الجمع، وليس بصيغة المفرد، ولذا فقد عزا بعض المفسرين، أن أولى الأمر هم العلماء، الذين يبلغون ويشرحون للعامة أوامر ربهم ونواهيه، فربما هم (الأزهر وهيئة كبار علمائه)، وهناك من يقول إن المصطلح يشمل أهل الحل والعقد، أي السلطة التنفيذية، وقد ذهب الأستاذ محمد أسد في كتابه "نظام الحكم في الإسلام" إلى أن مصطلح أولى الأمر، ينطبق اليوم على ممثلي الأمة المنتخبين، أي السلطة التشريعية (البرلمان).. بينما غالبية المفسرين، يعزون ولي الأمر، بأنه حاكم البلاد، وربما إشارة "للخليفة" الذي كان يمسك بزمام الأمور الشرعية والدنيوية والعسكرية، وبانقراض نظام الخلافة ، لم يعد هناك خليفة، فأصبح ولي الأمر، هو رئيس البلاد المدني، وصاحب الأمر والنهي والقرار.. إذن ولي أمرنا هو الرئيس عبد الفتاح السيسى. إذا كان هؤلاء جميعهم هم أولى الأمر، أو الرئيس وحده هو ولي الأمر، فيجب عليهم طاعة الله ورسوله أولاً، حتى يتسنى لنا طاعتهم. ولكن كيف طاعتهم؟! فما من فتوى دينية "جديدة" يطلقها ولي أمر البلاد، أي الحاكم، أو المؤسسات التابعة له، إلا ويتم عرضها على "الأزهر" بصفته الهيئة الدينية الأولى بالبلاد، والمنوط به مناقشة كل الأمور الفقهية للبت والفصل فيها. وتشير الأحداث إلى أن النزاع الحالي -إذا كان ثمة نزاع فعلي كما يدعي البعض- بين مؤسسة الرئاسة والأزهر، وتحديدًا بين السيسى والشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، ليس بأمر جديد، ولم يكن الأول، فقد عقد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994م، وكان بقاهرة المعز "مؤسس الأزهر".. وكانت وثيقة المؤتمر تحض في بنودها، على السماح بزواج المثليين، وتجريم الختان، وإباحة الإجهاض (كوسيلة من وسائل تحديد النسل)، فتصدى بقوة شيخ الأزهر وقتئذ الإمام جاد الحق علي جاد الحق (رحمه الله)، ومن ثم جاء قرار الرئيس الأسبق مبارك برفض ما جاء بوثيقة المؤتمر لأننا "بلد مسلم". فلمّ العجب هذه الأيام من موقف السيسى، تجاه الشيخ الطيب، وتحديدًا حول مسألة "الطلاق الشفهي"- حديث الساعة- فربما كلاهما يفعل لصالح البلاد والعباد! ولكن كل بطريقته! ولكن ما الذي يجعل مؤسسة الرئاسة تتدخل في أمر ديني وشرعي وفي هذا التوقيت تحديدًا، بحجة الحفاظ على استقرار المجتمع! ما علينا هو افتراض حسن النية، وعدم الخوض في تكهنات، فالله وحده أعلم بالنوايا وعليه وحده قصد السبيل! ولكن إذا كان ثمة نزاع خفي أو معلن بين أولى أمر البلاد، ما ذنب "المسلم الصالح" -بيت القصيد للمقال- والذي يقع عليه عبء نفسي وديني، من صدور فتاوى دينية (جديدة وحديثة، تتماشى مع الأهواء ومتطلبات المرحلة).. بيد أن ذلك المسلم الصالح، لا يبغي سوى صحيح الدين، ليسير على هداه ما استطاع، ولا يعبأ بصراعات الحكم والمصالح، والنقد اللاذع للمثقفين -أو الذين يطلقون على أنفسهم ذلك الوصف- وحروبهم الصريحة على كل ما هو ديني "مرآةً للحاكم ونفاقًا له".. ومن سخرية ذوي الأيدلوجيات العلمانية والليبرالية المتطرفة، والذين هم دائمو التهكم على كل ما يتعلق بالدين الإسلامي (دين التخلف والرجعية) بحسب زعمهم! وبالتالي كل فتوى دينية (جديدة وعلى الموضة!) يصاحبها فتنة شعبية وبلبلة، الكل يدلي فيها بدلوه، والتائه الوحيد فيها هو "المسلم الحق"! هذا غير تسخير أبواق النظام (أي نظام) ومؤسساته "الإعلامية" تحديدًا منها، لإقناع الشعب، بالفتاوى الجديدة، والزعم بأنها تصب في مصلحته، فيتحول المرء المسلم، من حالة الطمأنينة والإحساس بأنه في مأمن من غضب وعقاب الله عليه، إلى الحيرة والوسوسة والشك، بسبب ما يسمعه من فتاوى "مربكة" ومن ثم يطرق أبواب المشايخ وأئمة المساجد، للتأكد من صحة وشرعية الفتوى الجديدة، والتي فرضها النظام الحاكم لغرض في نفسه، في غياب تام لأولى الأمر الصالحين! نسأل الله.. أن يرحمنا من فتاوى وقوانين دينية غريبة وشاذة عن صحيح الدين ولن تفيد في شيء، وتفرق ولا توحد، وتثير الفتن والجدل العقيم (على الفاضى) ونعلم أن الدين كامل، ولا يحتاج لإضافات أو تعديل، طبقًا لقوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم" المائدة:3. وأن يرزقنا الله (ولي أمر) صالح.. رشيد، يطيع الله ورسوله، ويطبق أحكام الشرع.. لا أحكام مفصلة على مقاس الباب العالي أو على هواه!