كثر اللغط فى الآونة الأخيرة حول حجية الأحكام القضائية ومدى إلزامها لأطرافها خاصة إذا كان أحد أطرافها جهة الإدارة- أى الدولة- وربما تكلم البعض عن كون الحكم القضائى كاشفًا للحقيقة ومنبئًا عنها أم لا وأبدأ البعض وأعاد فى هذه المسألة وكأنها قضية فى غاية الإشكال والغموض وقدر لنا أن نسمع فيها كلامًا عجيبًا ما أنزل الله به من سلطان، فهذا مستشار كبير وآخر أستاذ كبير، وثالث مفكر كبير، قد تكلموا جميعًا فى هذه المسألة بكلام لا يتكلم به الطالب المبتدئ فى دراسة القانون، وذلك كله بمناسبة الحديث عن الحكم القضائى الصادر من محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة فى الدعوى التى أقامها الأستاذ حازم صلاح أبو إسماعيل، والتى اختصم فيها جهة الإدارة بمناسبة الادعاء بأن والدته تحمل جنسية دولة أجنبية، الأمر الذى يحول بينه وبين ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية. وبعيدًا عن الدعوى ذاتها وحيثياتها والأوراق والمستندات التى قدمت فيها فإن هذا كله لايعنينا بحال وإنما الذى يشغلنا جرأة البعض على هذا المبدأ الدستورى والقضائى المعمول به فى كل دول العالم وهو حجية الأحكام القضائية، وأن التعليق على الحكم القضائى أو حتى انتقاده لا ينبغى بحال أن يتطرق إلى مصداقيته، وكونه كاشفا للحقيقة ومبرهنا عليها وعنوانا لها ولأجل ذلك فإن كثيرا من دول العالم تمنع من التعليق على الأحكام القضائية وبعضها يبيح التعليق بما لا يخرج عن الموضوعية، وهذا يكون للأساتذة والمتخصصين فى قاعات الدرس، وذلك كله حفاظًا على قدسية الأحكام القضائية وقداسة القضاء وكثير من الدول تعاقب على الخروج على هذا المبدأ، أما أن يترك الأمر هكذا بلا ضابط ليتكلم كل من أراد أن يتكلم فى قضية خطيرة كهذه حتى بلغت الجرأة بالبعض أن يقول إن هذا الحكم غير ملزم للجنة الانتخابية، وأنها سيدة قرارها كذلك، وهذا والله ينبئ عن الجهل العريض بأبسط المبادئ القانونية وأن تحصين قرارات اللجنة لا لشىء إلا لمصلحة العملية الانتخابية واستقرار البلاد فحسب لا من أجل التعنت مع مرشح أو أكثر أو من أجل أن تمارس وصاية على الشعب، فإن الأحكام القضائية ملزمة وواجبة النفاذ وأن من يمتنع عن تنفيذ حكم قضائى يعاقب فى القانون المصرى بالعزل والحبس وأن تحصين القرارات ليس معناه تحصين الأشخاص – حتى لو كانت لهم حصانة- أو إهدار الحقائق فإن الدعاوى القضائية سوف تلاحقهم أينما كانوا ومهما كانت مواقعهم وستبقى الأحكام القضائية كاشفة للحقائق عنوانا لها وإلا انهارت الدولة، وفقد الناس الثقة فى نزاهة القضاء، وعدالة أحكامه، وإن كان هذا الكلام قد لا يعجب طائفة من أصحاب الهوى أو الرغبات الجامحة أو الأجندات الخاصة أو الجهلاء الذين ينعقون بالليل والنهار على الشاشات ويدعون أنهم فقهاء القانون أورجال الثقافة والفكر وهم أحوج ما يكون إلى تعلم قواعد القراءة والكتابة وربنا يهدى.