ويعد "التنطيط" على الأقل اجتماعيًا وماليًا، من أحد أشكال سخرية المصريين داخل مصر، حتى أضحت الجملة الاستنكارية الشهيرة "أنت مش عارف بتكلم مين؟!" من سمات الشخصية المصرية بصفة عامة، وباتت كل الطبقات بلا استثناء ترددها على الطبقة الأقل منها، وهكذا.. "ثقافة شعب". لا يختلف الحال كثيرًا بالنسبة للمصريين المقيمين خارج البلاد، فبالإضافة إلى ما سبق ذكره، نجد أن الجاليات المصرية ليست على قلب رجل واحد، ولا يقدمون يد العون لبعضهم، وتحديدًا للوافد الجديد عليهم، بل كثيرًا ما تجد مصريًا يشكو من مصري آخر، أراد زحزحته من مركزه أو درجته الوظيفية ليحتل هو مكانه!! هذا غير نظرة غالبيتهم للمصري الذي لم يغادر البلاد، تكون نظرة استعلائية، يغمرها سخط دائم ونقد شديد، فهو المتكاسل، الذي يتكلم كثيرًا ولا يفعل "أونطجي"، وأنهم أفضل منه، على الأقل يعملون في ظروف شاقة وتحت ضغط في "الغربة القاسية" ومن ثم يرفعون اسم مصر عاليًا خفاقًا، غير جلبهم للعملة الصعبة داخل البلاد.. وبالتالي وفي المقابل يتساءلون ماذا قدم المصري المقيم داخل بلده لمصر؟ فتكون إجابتهم.. لا شيء.. وبالتالي هم الأفضل بلا أدنى شك. إذا كانت هذه نظرة أفراد الجاليات المصرية، للمصري داخل مصر، فمن المؤكد أنها حالات فردية للبعض منهم.. ولكن يبقى الأهم والأكثر تأثيرًا وهم "الإعلاميون" بالخارج وخاصةً الإعلاميين الجدد "الإعلاميين الخصوصي"، الذين برزوا ما بعد أحداث 30/6، وما تلاها من أحداث وحتى الآن.. فمنذ ذلك التاريخ وهم يطّلّون علينا عبر فضائيات أجنبية؛ بغية مهاجمة النظام الحاكم، وإذا كان النظام المصري يستحق النقد، بل والتقويم، فالأفضل أن يعودوا لمصر، حتى لو تم اعتقالهم، فهذا أشرف لهم وأفضل من الإقامة في رغد من العيش بفنادق الدول العربية والأوروبية، ذات الخمس نجوم! فمصر.. تكاد تكون الدولة الوحيدة بالعالم الذي تجد إعلامييها، يتنقلون من فضائية لأخرى، ومن جريدة أجنبية لأخرى، للتحدث في كل ما يمس أمن الوطن داخليًا وخارجيًا. وإذا كان هذا إعلام خصوصي كما ذكرت، فلم تسلم أم الدنيا من الإعلام الحكومي خارج البلاد، وخير دليل مراسلة روزاليوسف بواشنطن السيدة: حنان البدري، والتي كتبت منذ عدة أشهر على صفحتها الخاصة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، حول مقتل الطالب الإيطالي بالقاهرة "جوليو ريجيني"، فقد كتبت كلمات لم أفهمها، مفادها أن إيطاليا تمكنت من الحصول على أدلة بالصوت والصورة وتسجيلات لمكالمات بين رجال الشرطة المصرية واختتمت كلماتها بأن "مصر بطنها مفتوحة!!" تعبير غير لائق، لكلام مرسل وغير مسئول، وكان الأفضل وهي إعلامية مخضرمة أن تخاطب جهات سيادية مصرية مسئولة، بالمعلومات الخطيرة التي وقعت بين يديها، بدلًا من صفحة "فيس بوك" "مشاع" للجميع..! مرت الأيام والشهور.. وانتظرنا ولم يحدث ما أكدته وكتبته مراسلة التليفزيون المصري، ولم يحدث شيء أصلًا، ولم تقدم دليلًا واحدًا على صدق ما كتبته، بل لم تقدم اعتذارًا للدولة صاحبة الفضل عليها وهي "مصر"، وتناست أن أمريكا التي تعيش فيها، هي الأخرى بطنها مفتوحة، منذ فضيحة "ووترجيت"، في أوائل سبعينيات القرن الماضي، ولم يظهر إعلامي أمريكي ذم أمريكا، وقال أمريكا بطنها مفتوحة، ولكن مع مصر.. افعل ما يحلو لك. أما أقباط المهجر.. فحدث ولا حرج، والذين يجوبون مشارق الأرض ومغاربها، ولو كان بأيديهم لقاموا بتفتيت مصر، وهدمها، ثم بنائها وفق أهوائهم ومزاجهم من أول وجديد.. لكن لا يتسع المجال لذكرهم الآن. المهم.. أن كل هذه الصنوف من المصريين المقيمين بداخلها أو خارجها، وأصحاب الديانات المختلفة والثقافات المختلفة، جميعهم نشأ وتربى في ذات البيئة، وتحديدًا منذ عام 1952 "فكلنا سواء"، وشربنا من نفس الماء "العكر"؛ بسبب أفعالنا المشينة نحن المصريين تجاه ماء النهر البريء، فلمَ الاستعلاء والتكبر، وثرثرة لا تفيد، ومكلمة فارغة ولا نهاية لها، وتصريحات رنانة من هنا، ونارية من هناك، تفضي إلى لا شيء "فشنك!"؟ ولا مجال لرحمة الأم الشقيانة، التعبانة، التي تحملت حماقات أبنائها طيلة آلاف السنين وهي "مصر"، وكما قال الكاتب أحمد رجب: اسأل الله تعالى أن يحمي مصر من المصريين!!.