الجريمة الإرهابية التي هزت كندا والعالم أمس عندما أطلق شاب مسيحي متطرف النار على المصلين في مسجد بمقاطعة كيبك فقتل ستة من المسلمين وأصاب حوالي عشرة آخرين وهرب الباقون من المذبحة ، كشفت عن خطورة التهييج السياسي والطائفي الذي يفجره الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في أمريكا الشمالية والعالم ، وقد كشفت التحقيقات الكندية أن هذا الإرهابي المسيحي "ألكسندر بيسونيت" هو من المهووسين بشخصية ترامب وأفكاره وسياساته وآرائه في الإسلام والمسلمين ، وينتمي إلى اليمين المسيحي المتطرف ، وهذا يعني بداهة أن أجواء الهوس التي صنعها ترامب مؤخرا وتحريضه على المسلمين واتهامهم بالإرهاب ونشر القتل آتت ثمارها في تفجير عنف ضد المسلمين وصل إلى حد القتل ، وهو الأمر الذي يكشف المسئولية السياسية والأخلاقية وربما القانونية التي يتحملها ترامب في واقعة القتل الإرهابي التي شهدها مسجد المركز الثقافي الإسلامي في كيبك . الجريمة الإرهابية في كندا كشفت عن الحقيقة التي يهرب منها كثيرون ، وهي أن الإرهاب حالة نفسية وفكرية بشرية تجسد التطرف والكراهية وضيق الأفق والعدوانية تجاه "الآخر" ، وأن هذه الحالة تتلبس بعض المنتسبين إلى الإسلام كما تتلبس بعض المنتسبين إلى المسيحية أو البوذية على النحو المروع الذي نراه في سلوك الرهبان البوذيين في ميانمار وإحراقهم عشرات المسلمين أحياء وبالتالي فالعالم في حاجة إلى معالجة أسباب الكراهية والجهل المتصل بها بطريقة علمية وأمينة وإنسانية ، إن أردنا قهر الإرهاب ومنع تمدده ، إن ما فعله هذا الإرهابي المسيحي الكندي هو نسخة طبق الأصل من سلوك أتباع تنظيم داعش ، حتى يمكن القول أن هناك نسخة إسلامية لداعش ونسخة مسيحية لداعش ونسخة بوذية لداعش .. وهكذا ، وبدون أدنى شك ، فإن حملة الكراهية والتحريض التي يخوضها الرئيس الأمريكي الجديد هي دعم سياسي وروحي ومعنوي كبير لهذا الإرهاب بكل أصنافه ، لأنه ينشر الكراهية والضيق بالآخر والتطرف السياسي والديني ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن ما حدث يكشف العبث الذي يتورط فيه البعض في بلادنا بجهل أو بانتهازية عندما يبحثون عن جذور الإرهاب في تراث ديني أو فكري ، والمطالبات الفجة بإصلاح الفكر الديني ، وذلك لتحميل الدين والتدين والتراث مسئولية هذا الإرهاب ، فها هي الأحداث تكشف عن حماقة هذا النوع من التفكير ، فالإرهابي المسيحي الذي اقتحم المسجد ليقتل المصلين لم يدرس شيئا من تراث الإسلام ، لا القديم ولا الحديث ، هو ليس تلميذا لسيد قطب والمودودي ، ولا مغرما بابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، ولم يدرس في مناهج الأزهر ، هو طالب كندي مسيحي يدرس العلوم السياسية في جامعة لافال ، وعلى الذين يأخذون ظاهرة الإرهاب إلى هذه الوجهة السطحية والفاسدة والمضللة أن يفيقوا من ضلالهم الفكري والأخلاقي ، وأن ينشغلوا بالبحث عن الأسباب الحقيقية للإرهاب وانتشاره إذا كانوا جادين فعلا في الإسهام في مواجهة الإرهاب ومعالجة أسبابه. شخصيا لا أعتبر ترامب شرا محضا ، هو بعض الشر الذي يستنفر طاقات الخير والتحضر في الإنسانية ، هو أشبه بالتطعيم ، حقن الجسم بجزء محدود من المرض الذي يستنفر المناعة الفطرية في الإنسان بما يجعل الجسم عصيا على المرض الفتاك من هذا النوع وأقدر على قهره مستقبلا ومنع انتشاره ، فلم يكن أحد يتصور أن يحدث رئيس أمريكي كل هذه الضجة الأخلاقية والسياسية والدينية في العالم كله ، إن البطش الذي بدأ به ترامب هو ضد المسلمين وضد العالم الإسلامي بالأساس ، ومع ذلك فإن مظاهرات الغضب ضده تجتاح العواصم الأوربية والمدن الأمريكية الكبرى ، ملايين المواطنين من مختلف الأديان والطوائف والأعراق يجتاحون الشوارع غضبا من نزق وتطرف هذا "الرئيس الأمريكي" ، وهي إهانة لم تحدث من قبل بتلك الصورة لأمريكا وصورتها الذهنية في العالم ، كما أن المسلمين تحديدا أصبحوا يحظون بتعاطف دولي كبير ، وفي أمريكا هناك تهديدات من شخصيات رياضية وإعلامية وسياسية وفنية لها رمزية كبيرة بأنها ستعلن إسلامها أو تحمل أسماء إسلامية إذا استمرت الحملة ضد المسلمين في أمريكا ولم يتم التراجع عن قرارات منع دخول أمريكا للمسلمين من عدة دول . لقد كان المسلمون يصورون في العالم قبل أسابيع على أنهم موضع الشر ومنبع الإرهاب ، واليوم بفضل ترامب يعيد العالم الاعتبار للمسلمين ، ويتضامن معهم بوصفهم "ضحايا" للإرهاب وضحايا للتطرف السياسي الأمريكي الجديد .