يحق للرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، أن يخطط جدول أعمال فترة رئاسته للولايات المتحدة للسنوات الأربع المقبلة بكل ما يشمله من أولويات وسياسات داخلية وخارجية بالأسلوب الذى يناسبه ويلائم سعيه لتنفيذ وعوده الانتخابية لشعبه، وبلا قيد أو شرط، فهذا شأنه الذى يحظى فيه بحرية كاملة وشاملة لا ينازعه فيها احد، اما الذى لا يحق له جملة وتفصيلا فهو الوقوع فى المحظور بإلصاقه الإرهاب بدين بعينه، هو الإسلام، مثلما فعل فى حفل تنصيبه الجمعة الماضى عندما تعهد بمحو الإرهاب الإسلامى من على وجه الأرض. بتصريحه السابق جعل ترامب من الإرهاب والإسلام وجهين لعملة واحدة وتلك قضية يلزمها تحرير ومراجعة وضبط دقيق للمصطلحات المستخدمة، إن كانت هناك نية صادقة لدرء خطر الإرهاب الجاثم فوق رءوس الجميع، فلو أن ترامب تكلم عن ظاهرة الإرهاب فى المطلق وتهديداتها لأمن وسلامة دول العالم الحر وغير الحر لكان للكلام فائدة أكبر وتأثير أشمل، فالإرهاب ليس له دين ولا وطن، فاللفظ «الإرهاب» كفيل باستحضار كل معانى ودلالات الشر والايذاء والاختلال الفكرى والعقلى لفاعليه بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية، وأن تشحذ كل السواعد المخلصة لمجابهته والقضاء عليه من على سطح كوكب الأرض. وأحسب أن توصيف ترامب فيه استعداء غير مبرر على الإسلام كان عليه تجنب الانزلاق إليه فى مستهل رئاسته، لأنه لا مجال فى هذا المقام لاستدعاء العنصر الدينى الذى سيتم استغلاله لتكثيف شحنات الكراهية والتخويف من الإسلام والمسلمين فى أمريكا وخارجها، وسيوفر مناخا خصبا لقوى الإرهاب المتسترة بالدين لالتماس الأعذار والتبريرات لمواصلة عملياتها القذرة ضد الآمنين من المسلمين والمسيحيين واليهود وغيرهم، وهكذا سنظل ندور بدائرة مفرغة لن تقودنا ولن تقود العالم لتجفيف منابع ومصادر الإرهاب. فالتعريف المجرد للإرهاب مسألة ملحة ولا غنى عنها، ولدى تناوله دوليا وإقليميا يجب أن يكون من مدخل البحث عن المحفزات الداخلية والخارجية وليس بالتركيز على صبغه بالصبغة الدينية التى لا أنكر أنها من بين العناصر المحفزة على تنامى الإرهاب والتطرف، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد شهدت الولاياتالمتحدة عمليات إرهابية كثيرة نفذها إرهابيون ليسوا مسلمين انطلاقا من إيمانهم بمبادئ سيادة الجنس الأبيض على بقية الأجناس والأعراق المكون منها المجتمع الأمريكي، وهى حوادث لا يجوز وصفها سوى بالإرهاب الصريح، منها مهاجمة أمريكى يدعى ويد مايكل معبدا للسيخ فى ويسكونسن فى 5 أغسطس 2012، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص، ووصف إريك هولدر وزير العدل آنذاك الحادث بأنه إرهابى يتسم بالكراهية، لأن الجانى من المؤمنين بهيمنة الجنس الأبيض، بالإضافة إلى تفجير تيموثى ماكفى لشاحنة مليئة بالمتفجرات بمبنى حكومى فى أوكلاهوما عام 1995 وقتل فيه 168 شخصا وأصيب 600 آخرون. كما شهدت الولاياتالأمريكية حوادث قتل لأطباء يجرون عمليات إجهاض معظمها قام بها أعضاء فى جماعة «جيش الرب» المتشددة الذين يقولون إنهم بجرائمهم يدافعون عن المسيحية، فإن عبرنا المحيط باتجاه القارة الأوروبية العجوز فإنها أيضا كانت شاهدة على مذابح وجرائم حرب راح ضحيتها آلاف المسلمين من سكان البوسنة على يد الصرب، ومن قبلها شهدت إرهاب الجماعات اليسارية واليمينية المتطرفة فى إيطاليا وألمانيا وغيرهما، وفى فلسطين تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلية بجرائم تقشعر لها الأبدان وتمارس إرهابا صريحا فاضحا ضد الفلسطينيين العزل تحت سمع وبصر العالم ومؤسساته الصامتة، هؤلاء الفلسطينيون يعتبرهم اليهود من الأغيار المقبول دينيا قتلهم وتشريدهم بمن فيهم الأطفال والنساء. فى كل هذا لم يجرؤ احد على القول بأن ما وقع «إرهاب مسيحى» أو «إرهاب يهودى» وإن أقدم بعضهم على استخدامه فذاك خطأ بين لا يغتفر، فلم الإصرار على مسمى «الإرهاب الإسلامى»؟ لذلك فإنه علينا التمييز ما بين ديانة الإرهابى وأفعاله فهى لا تنسحب على دينه بأى صورة من الصور، وأن ندقق فى العوامل الباعثة على التطرف والتى سنجدها متشابهة لدى معتنقى الديانات السماوية والوضعية، وربما تكون زائدة لدى بعض المسلمين الذين يبررون نوازعهم ورغبتهم لإسالة وسفك الدماء والتلذذ بمشاهد العنف السادى على الطريقة الداعشية بتفسيرات خاطئة لنصوص من القرآن والسنة، وللعلم فإن غالبية ضحايا تلك النوعية الشاذة من أمثال داعش وأخواتها من المسلمين . هنا لابد من توحيد الجهود لمواجهة التطرف والغلو الدينى على الإطلاق، فخطوط التماس موجودة ومتصلة ببعضها البعض، فتنظيم القاعدة مثلا كان يبرر هجمات الحادى عشر من سبتمبر الإرهابية بأنها رد على سياسات أمريكا الخرقاء فى الشرق الأوسط والبلدان الإسلامية وتدخلها السافر فى شئونها ومحاربتها الإسلام، وإساءة معاملة الجاليات المسلمة فى المدن الأمريكية .. إلخ. فالرشادة السياسية الأمريكية مطلوبة عن أى وقت مضى، وجانب من تلك الرشادة البعد عن سياسة المعايرة والمكايدة فأضرارها بالغة السوء، المعايرة بأن إرهابيين من المسلمين هم من يقلقون العالم المتحضر الذى اكتوى بنار عملياتهم الإرهابية التى كادت تتسبب فى انهيار أمنى شامل فى بلد كفرنسا، وأن نرد بأن أمريكا دولة إرهابية بدليل أنها صنعت داعش ومن قبله القاعدة، وأن الاحتلال الأمريكى لأفغانستان ثم العراق كان وراء ظهور جماعات إرهابية اتخذت من مبدأ مقاومة الاحتلال واجهة للانتشار والتغلغل واستقطاب الأتباع، وزرع الخلايا النائمة فى الغرب وأمريكا. هذه سفسطة ولغو لن يقودنا لشيء يعتد به وسندفع ثمنا غاليا إذا تأخرنا فى معالجة أسباب ومحفزات التطرف الدينى، والاتفاق على تعريف محدد للإرهاب دون تربص لدين ما أو فئة ما، فالكل فى سلة واحدة ولا توجد استثناءات. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;