انتشرت العديد من الصفحات التابعة لإسرائيل على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بغية مخاطبة الألسن الناطقة بلغة الضاد.. تلك الصفحات تثير عددًا من علامات الاستفهام، فهل هي محاولة من إسرائيل لكسب تعاطف شباب المنطقة العربية لصالحها، لما تقدمه من مواضيع جادة ومتنوعة ثقافية، وحضارية، وسياسية، وبلغة عربية فصحى سليمة، وأسلوب أدبي راقٍ، وبعيدًا عن لهجة الحدة والاستعلاء، والعنصرية، والتقليل من شأن الآخر".. حتى إنني أشعر بغصة وحسرة على صفحاتنا المصرية الرسمية وغيرها! فضلًا عن أن غالبية تلك الصفحات تحاول تقديم القواسم المشتركة، بين الديانتين الإسلامية واليهودية "أولاد العم".. وإبراز أوجه التقارب الشديد بينهما، غير التذكير بأن أصول كثير من الكلمات العربية أصلها عبري والعكس.. "وهنا لا تجد ذكرا للمسيحية من قريب أو بعيد وإنما الإسلامية فقط! ." تسلط تلك الصفحات الضوء أيضا على أهم الإنجازات العلمية التي حققتها إسرائيل في شتى المجالات، وإظهار روح التسامح والحرية الدينية، التي تتمتع بهما إسرائيل، بعيدًا عن العنف والإرهاب، بعرض صور لجنود مسلمين يؤدون طقوسهم الدينية وصلواتهم في أثناء الخدمة.. وبعد كل هذا لا عجب أن تحظى تلك الصفحات بعدد متابعين يقدر بمئات الآلاف من العرب. "إسرائيل تتكلم بالعربية" أهم الصفحات على الإطلاق لما تقدمه من خدمة ثقافية متميزة.. وبلغة عربية ممتازة، وقد كتب القائمون عليها، افتتاحية تعريفية تقول: "مرحبًا بكم في صفحة فيسبوك الرسمية بالعربية لدولة إسرائيل".. ويتضح من خلال تلك الكلمات، أن إسرائيل تهتم بزائري صفحتها ومتابعيها وترحب بهم بحفاوة ذات قدر.. ثانيا: إنها صفحة رسمية، ولا تتبع الهواة أو الصغار.. ثالثا وأخيرًا: أن إسرائيل أطلقت على نفسها "دولة" رغم أن كثيرا من دول وشخصيات عربية وعالمية لا تعترف بها كدولة، وإنما كيان صهيوني محتل ومغتصب! تلي "إسرائيل تتكلم بالعربية"، صفحة أخرى لا تقل أهمية، بل تفوقها شهرة وصيتًا وعدد متابعين، وهي صفحة "أفيخاي أدرعي".. المتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي للإعلام العربي، والرجل الأشهر لدى الشباب العربي.. والذي يهنئ المسلمين بأعيادهم، وبيوم الجمعة موثقًا تهنئته بأحاديث نبوية، وأدعية دينية نقلها من صديقه المسلم".. كما يكتب دائمًا! والصفحة الثالثة.. والتي بسببها كتبت كلماتي هذه.. هي صفحة المتحدث باسم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للإعلام العربي، وهو "أوفير جندلمان".. فهي عكس الصفحتين سابقتي الذكر، متعصبة وعنصرية بعض الشيء، ومهتمة بالشأن العسكري، وإظهار قوته، وتستعرض دائما شغف ولهفة الشباب العربي من الجنسين، لكل مظاهر الحياة الإسرائيلية، ودعمهم لإسرائيل في مواجهة الإرهاب الداعشي والفلسطيني! وفي الثاني من الشهر الحالي نشرت صفحة "أوفير جندلمان" إعلانًا عن إطلاق جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) حملة لتجنيد الجاسوسات "إناث فقط"، وضابطات لجمع المعلومات والعمليات الخاصة، والبحث عن النساء ذوات الشخصية القوية، والقدرة على العمل تحت ضغط وفي ظروف غير عادية! انتهى الإعلان، ويبدو أنه لم يكن إعلانًا عبثيًا أو للمزح فقط، بدليل أنه في اليوم التالي له "أي يوم 3 من الشهر الحالي".. وجهت الصفحة الشكر والتحية لكل المتابعات اللواتي قمنّ بالمراسلة، وأبديّنّ اهتمامهن بالإعلان! ولم تذكر الصفحة أكثر من ذلك، فلم تذكر جنسية من وقع عليها الاختيار للعمل مع الموساد! هكذا وبكل بساطة وأريحية، تعلن إحدى الصفحات الإسرائيلية عن حاجتها لجاسوسات للعمل لديها! وقد قابل الشباب العربي من الجنسين هذا الإعلان باستهزاء وسخرية شديدين، كما وضح من خلال التعليقات، خاصةً من الذكور الذين سخروا أن الإعلان قاصر على تجنيد الفتيات والإناث دون الرجال! وكعادة الشباب العربي وخاصة المصري لم تخل التعليقات من السباب والشتائم الخارجة والألفاظ الخادشة للحياء والجارحة في إسرائيل والموساد. وعلى العكس.. فكثير من الشباب سوف يتأثر ويوسوس له شيطانه، في ظل ظروف صعبة مجحفة يحياها ليل نهار داخل بلده، ومن ثم يفقد الثقة والانتماء لذلك البلد الذي لم يقدم له شيئًا، بينما يجد إسرائيل ترحب به وتفتح له ذراعيها، فلا حرج من التعاون معها، فهي الصديقة المقربة، وهكذا تكون إسرائيل استغلت نقاط الضعف التي تمر بها المنطقة العربية وشبابها بدهاء وحرفية شديدة! والعجيب في الأمر لم نجد جهة حكومية أو شخصية من الشخصيات العامة التي صدعتنا عن الشرف والكرامة والعروبة وتحديدًا (الناصريين) تدين ذلك المنشور، وكأن السلام الدافئ طغى على كل شيء، حتى على أمننا القومي! مر الوقت وتناسينا، أو هكذا هيئ لنا أن إسرائيل لم تعد العدو، الذي نعمل حسابه ونخشاه، وأيقنت هي أن محاربتنا نحن العرب المسلمين، لن تكون إلا بالفكر والعقل لا بالعنف، وربما كانت صفحات "فيسبوك" سابقة الذكر لجس النبض، أو مقدمة تمهيدية، أو فرشة ناعمة، لما ستطالب به إسرائيل لاحقًا من تجنيد لشباب عربي يعمل لصالح الموساد. ليتنا نعي ونتعلم الدرس، ولا ننخدع بمعسول الكلمات، وأن نتابع الصفحات سابقة الذكر من باب (أمن المكر)، وأن نتوقف عن السباب والشتائم التي لا تفيد في تعليقاتنا على كل منشور إسرائيلي حتى ولو كان عن الجاسوسية، ونحاربهم بالعقل والحكمة لا بالجهل والحماقة. وندرك أن جهاز الموساد لازال متيقظًا، لم يغفل يومًا، رغم عقود من السلام أو "الهدنة"! فهل بعد كل هذا لازالت إسرائيل تتكلم بالعربية؟ وختامًا.. شانا توفا يا إسرائيل، والتي تعني بالعبرية.. سنة سعيدة.