كان الفريق سامي عنان رئيس الأركان الأسبق هو الرجل الثاني في القوات المسلحة بعد وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي بحكم منصبه، وكان شريكا في إدارة البلاد بعد ثورة 25 يناير مع المشير، وبمساعدة أعضاء المجلس العسكري، وتسجيل مكالماته أمر مثير ومقلق، فإذا كان قائد عسكري كبير مثله يحدث معه ذلك ، فماذا عن الأقل منه رتبة؟، وإذا جاز التسجيل له، فهذا يغري على التسجيل لمن هم أعلى رتبة عسكرية أومنصبا مدنيا منه، وماذا عن أهل السياسة والفكر والثقافة والإعلام وكل من ينشط في المجال العام الذين لا حساسية لمواقعم ومناصبهم ونشاطاتهم وقد لا يكونون رقما مهما في معادلة الأمن القومي مثل القادة العسكريين ومن أبرزهم عنان؟. في برنامج أحمد موسى تم إذاعة مكالمة للفريق مع الدكتور محمد البرادعي ويُفهم من سياقها أنها جرت عقب ثورة يناير، نهاية فبراير، أو مطلع مارس 2011، لأنها كانت تتعلق بمطالب شبابية نقلها إليه البرادعي بضرورة إقالة حكومة أحمد شفيق، وهنا نتوقع أن تكون كل مكالمات عنان خلال المرحلة التي تلت 25 يناير مع كل الفاعلين مسجلة، وإذا لم يكن التسجيل يستهدفه شخصيا، فقد كان يتم عن طريق مراقبة مكالمات الأطراف التي تتصل به، وأعتقد أنهم كانوا كثيرين جدا، ففي هذه الفترة كانت الساحة تعج بهم من مختلف التيارات، وكان عنان طرفا أساسيا في التواصل معهم. هل يجوز أن يتم التسجيل لرئيس الأركان حتى لو لم يكن هو المستهدف إنما الشخص الذي يتحدث معه؟، وهل مكالمات وزير الدفاع آنذاك مسجلة أيضا، ولو عبر من كانوا يتصلون به، فقد كان المشير طنطاوي حاكم البلاد حتى تسليم السلطة ل مرسي بعد تنصيبه رئيسا؟، وهل مبارك كان يتم التسجيل له بعد خروجه من الحكم؟، وكذلك أركان ورجال نظامه؟، وتلك الأسئلة تجر أسئلة أخرى بشأن هل يتم تسجيل المكالمات لرؤوس وأركان السلطة وهم يمارسونها؟، لا ننسى أن تسجيل المكالمات لشخصيات الحكم كان قائما في العهد الناصري، وهو عمل قديم في مصر، لكنه اتسع بعد يوليو 1952، وسرعة اعتقال السادات لخصومه في النظام في 15 مايو 1971 فيما سُمى ثورة التصحيح كان بسبب تسجيل مكالماته، وقد استمع للشرائط، وأمر قائد الحرس الجمهوري بالتحرك فورا للقبض على من اعتبرهم يتآمرون عليه ووجه لهم ضربة استباقية أنهت دورهم وثبتّتّه في الحكم بلا منازع. من سمح ببث مكالمة البرادعي مع سامي عنان يعلم تماما من هو عنان في المؤسسة العسكرية، ولايمكن أن يكون أعطى التسجيل لأحمد موسى غلطة أو غفلة، هل يمكن أن يكون سوء تقدير موقف مثلا؟. الذي أقام له أحمد موسى حفلته طوال أكثر من ساعتين ونصف الساعة ليلة 7 يناير 2017 - قرار مواصلة الحفلة يوميا بدل السبت من كل أسبوع - هو محمد البرادعي، كان هو المستهدف بالأساس، وعلى الهامش من كانوا يتحدثون معه، ومفهوم لماذا الخروج بتلك التسجيلات في تلك الليلة، وبعد إعداد مسبق جيد لها، فقد كان معروف أن البرادعي سيتحدث مع تلفزيون "العربي"، الذي يُبث من لندن، وتم التحسب إلى أن خروجه بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة من عدم الظهور على أي شاشة سيكون خلفه شيء ما سياسي بالطبع، وأنه غالبا سيتحدث في الشأن الجاري في مصر، وغالبا لن يكون حديثه مرضيا للسلطة، ولا في صالحها، وبالتالي يجب أن يكون رد الفعل أشد من الفعل وتحويل الموقف من الدفاع إلى الهجوم الساحق ومحاولة قلب الطاولة عليه وإفساد كل ما يريد أن يحققه من حلقاته الخمس بضربة ساحقة تضعه في أزمة مع رفقاء الدرب قبل وبعد 25 يناير، ومع الشباب الذين كانوا يلتفون حوله، ومع من يريد استعادتهم هذه الأيام. وكان هناك انسجام بين مضامين المكالمات وما احتوته من إساءات وأوصاف غير لائقة لمن ورد ذكرهم على لسان البرادعي، وهى شخصيات معروفة وكبيرة، وبين هشتاج تويتر الذي أعده موسى بعنوان " افضح البرادعي سليط اللسان"، لم تكن تلك الحلقة بالصدفة، ولا تم تجهيزها على عجل، ولم تكن ردا عشوائيا جاء عقب انتهاء حوار البرادعي الأول مع القناة غير المصرية، بل بدا كل شيء مخططا ومدروسا قبل أن تُذاع حلقة البرادعي لأن موسى خرج جاهزا بالتسجيلات المعدة والمهيئة ويعلم ما فيها ومستعد بالتعليقات والهشتاج. وضع مكالمة البرادعي مع الفريق عنان كان هدفها واضح وهو الإثبات بالصوت أن البرادعي له وجهان، فهو في مكالمات الآخرين يهين رئيس الحكومة أحمد شفيق والعديد غيره، وفي حديثه مع عنان يشيد به، وفي المكالمات يسئ لقادة المجلس العسكري، ومع عنان يتحدث بكل احترام، وفي المكالمات يبدو متغطرسا مغرورا، ومع عنان يبدو متواضعا، وفي المكالمات يبدو محتقرا للجميع ومنهم الشباب الذين يرتبطون به ويظهر كأنه يحركهم، ومع عنان ينقل مطالبهم فقط ، ويشدد على أنهم هم الذين يريدون ذلك وليس بالضرورة أن يكون متفقا معهم، تلك في تقديري بعض رسائل المكالمة مع عنان والهدف من وضعها مع مكالماته الأخرى مع شقيقه علي البرادعي وإبراهيم عيسى والسفير عزالدين شكري. والرسالة الأم التي أراد موسى أن يستنتجها ويقدمها من هذه المكالمة، وكما قال هو أن الجيش بعد 25 يناير تحمل الكثير جدا من البرادعي وممن كانوا يتحدثون باسم الثورة، وأنه كان يريد تسيير عجلة الحياة في البلد، لكن مطالب وضغوط الثوار لم تكن تتوقف، وكانت تعرقل الرغبة في العمل ومحاولة عبور الأزمات والأوقات العصيبة، فالفريق عنان يقول للبرادعي مثلا هل تغيير الحكومة هو نهاية سقف الشباب، أي نهاية مطالبهم، وهل سيكون لهم مطالب أخرى بعد ذلك، ولماذا لايمنحون الحكومة فرصة لتعمل؟. ربما يكون ذلك فعلا هو الهدف من بث مكالمة عنان، ولم يكن في ذهن من مرر المكالمة للبرنامج مسألة الأمن القومي وحساسية عرض مكالمة مسجلة لرئيس الأركان الأسبق وخطورة التسجيل له حتى لولم يكن هو المقصود بالتسجيل أو لم يكن تليفونه خاضعا لمراقبة سرية. مع ذلك لا يجب أن يمر ما حدث هكذا، أو يُؤخذ ببساطة، حتى لو كان سوء تقدير موقف لأن تسريب تلك المكالمة والمكالمات الأخرى ليس عمل هواة، ولا يخضع للفوضى والعشوائية، إنما هو عمل منظم وتداعياته تضرب في عمق دولة القانون وجدران الثقة في السلطة التي تبسط سيطرتها وتجعل مواطنيها مهما علت مناصبهم وأقدارهم وأسمائهم وحساسية مناصبهم بلا حقوق ولا حماية لأدق خصوصياتهم، ثم تعريهم وقتما تشاء أمام الجميع. وللحديث صلة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.