لم تكد تمر أيام قليلة على إقرار تعديلات دستورية جديدة في موريتانيا، إلا وتصاعدت حدة المواجهة بين الموالاة والمعارضة، الأمر الذي دفع كثيرين للتأكيد أن الربيع العربي بدأ يقترب بقوة من هذا البلد المغاربي. وكان البرلمان الموريتاني أقر بشكل نهائي في 7 مارس تعديلات دستورية جديدة تنص على تكريس التنوع الثقافي لموريتانيا، وتجريم الانقلابات العسكرية، وحظر وتجريم العبودية، وزيادة صلاحيات البرلمان، كما تتضمن تغييرات في عضوية المجلس الدستوري وفي أعداد الدورات البرلمانية السنوية. وذكرت وسائل الإعلام الموريتانية أن الموافقة على التعديلات السابقة جاءت في غياب نواب المعارضة الذين انسحبوا عند التصويت بعد مشادات وملاسنات كلامية مع رئيس مجلس النواب مسعود ولد بلخير. واختارت الحكومة الموريتانية تغيير الدستور عن طريق مؤتمر برلماني جمع للمرة الأولى بين غرفتي البرلمان" مجلسي النواب والشيوخ" على إثر دعوات متزايدة للإصلاح، بدل التوجه نحو استفتاء شعبي كما جرى عليه العرف في حالات سابقة. ورغم أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز كان يعول على التعديلات الدستورية السابقة لاحتواء الحراك الشعبي المتصاعد في بلاده منذ العام الماضي على خلفية "الربيع العربي"، إلا أن أغلب قادة المعارضة رفضوا تلك التعديلات ووصفوها بأنها شكلية ولا تتضمن إصلاحات حقيقية. ولم يقف الأمر عند ما سبق، حيث دعا عدد من قادة المعارضة الموريتانية أيضا إلى الإطاحة بالرئيس محمد ولد عبد العزيز وتقديمه إلى محاكمة عادلة بتهمة الخيانة العظمى. وصدرت أبرز الدعوات بمحاكمة ولد عبد العزيز من زعيم المعارضة أحمد ولد داداه خلال تجمع جماهيري لمنسقية المعارضة في نواكشوط في 10 مارس، قائلا:" إنه يجب الإطاحة بالرئيس ولد عبد العزيز ومن ثم تقديمه لمحاكمة عادلة". وأشار ولد داداه إلى أنه لم يطالب طيلة تاريخه السياسي بمحاكمة رؤساء البلد، لاعتقاده الراسخ بأن العفو والتسامح يمثل أفضل خيار للتعامل مع الأوضاع السياسية المتوترة، ولكن ما يحصل حاليا في ظل إدارة ولد عبد العزيز من نهب لثروات البلاد وتلاعب بمقدراتها دفعه للعدول عن مواقفه السابقة والمطالبة بمحاكمة ولد عبد العزيز على ما اقترفت يداه في حق الشعب الموريتاني. وفي السياق ذاته، نقلت قناة "الجزيرة" عن قيادي معارض آخر هو النائب عن حزب تواصل الإسلامي السالك ولد سيدي محمود القول:" إنه يجب محاكمة ولد عبد العزيز بتهمة الخيانة العظمى والتلاعب بالدستور وخرق القوانين العامة، وتعطيل المؤسسات الدستورية في البلد. وتصاعدت حدة الأزمة السياسية في موريتانيا أكثر وأكثر مع إعلان الموالاة والمعارضة عن تنظيم مظاهرات في 12 و 13 مارس، فيما يشبه الاحتكام إلى الشارع لمعرفة رأيه حول مستقبل نظام ولد عبد العزيز الذي تصر المعارضة على إسقاطه. بل وطلبت أحزاب الأغلبية الحاكمة أيضا من الحكومة مزيدا من الحزم والصرامة مع من تصفهم ب"الخوارج والمارقين والخارجين على القوانين والنظم الديمقراطية المعمول بها في البلاد"، الأمر دفع كثيرين للتحذير من احتمال دخول البلاد في حالة من الفوضي والعنف. ووصفت أحزاب الأغلبية في بيان صدر عنها في 11 مارس أحزاب منسقية المعارضة ب"الخوارج"، وأبدت استغرابها لما سمته "تصريحات وبيانات خوارج منسقية المعارضة القاطعة صلة الرحم الديمقراطي، والرافضة لغة الحوار الوطني والساعية لإثارة الفتن قولا وفعلا وتدبيرا". وتابع البيان" المعارضة تلجأ لإثارة الفتن عبر إشاعة فواحش منطق العنف والغلو والتطرف والتحريض على الشغب والدعوة المكشوفة للعبث بكيان ومرتكزات النظام الديمقراطي القائم بإرادة أغلبية الموريتانيين وبقوة قوانين الجمهورية". واستنكرت أحزاب الأغلبية أيضا ما وصفته بالسقوط الشديد وتردي الخطاب السياسي للمعارضة، ومحاولتها استنساخ ثورات الربيع العربي في موريتانيا التي لا تتوفر فيها مسببات قيام مثل تلك الثورات، حسب قولها. وعلى الفور، رفضت منسقية أحزاب المعارضة في بيان لها ما ذهبت إليه أحزاب السلطة "الموالاة"، وقالت إن اتهاماتها السابقة تظهر هلع النظام وارتباكه من تحركات المعارضة المطالبة بإسقاطه. وشددت أحزاب المعارضة على سلمية مسيرتها وحرصها على تمسكها بنهج النضال الديمقراطي المتحضر وحرصها على السلم الأهلي في موريتانيا، قائلة :"على النظام الحاكم التحكم في أعصابه ومواجهة رحيله الذي جناه عليه سوء تدبيره وعجزه عن الاضطلاع بمسئولياته بما يلزم من عقل ورشد". بل وتحدى حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يرأسه زعيم المعارضة أحمد ولد داداه الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالانتصار عليه، قائلا:" إن حراك التغيير الذي بدأته المعارضة سيقطع رأس النظام ورجليه ويلقي به بعيدا في مزابل التاريخ. وقال الحزب في بيان له في 11 مارس إنه يترفع عن الإجابة على الموالاة المصابة بداء "الموالاة المزمن" حيث ستكون أول من سيأتي "مصفقا ومباركا عند سقوط النظام". وتابع"نؤكد للرئيس محمد ولد عبد العزيز أننا قادمون وأن زحفنا سيقطع دابره وسيخلص البلاد والعباد من شروره". وبصفة عامة، يجمع كثيرون أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز في وضع حرج للغاية على إثر تصاعد الاستياء الشعبي إزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في موريتانيا، ولذا فإنه لا بديل أمامه سوى الإسراع بإدخال إصلاحات سياسية حقيقية قبل انتقال عدوى "الربيع العربي" إليه.