اقتصر التعليم قبل ثورة 23 يوليو على القادرين؛ لأن مصروفاته كانت مرتفعة، باستثناء بعض المؤسسات كالأزهر الشريف وكتاتيب التحفيظ، حتى وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حجر أساس التعليم المجاني في مصر، بعد أن أيقن أن بناء دولة قوية حديثة تعتمد على أبنائها في ملاحقة التقدم والتطور لا بد أن يرتكز على تعليم قوي متطور يواكب التغيرات العلمية والبحثية التي حدثت في العالم، لذا بدأ عبد الناصر حكمه بوضع سياسة تعليمية جديدة تنهض بالدولة. وظلت مجانية التعليم منذ ذلك الوقت خطًا أحمر لم يقترب منه أي من الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر، إلا أنه في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي ظهرت مؤشرات على تغير في سياسة الدولة، نحو إلغاء مجانية التعليم بمراحله المختلفة. إذ شهدت الفترة الماضية إجراءات توحي بذلك، بدأها رئيس المجالس التخصصية التابعة لرئاسة الجمهورية الدكتور طارق شوقي، عندما أعلن عن تحويل الدراسة الجامعية إلى نظام المنح، وربطها بتحقق درجات جيدة للطالب لتتاح له الدراسة المجانية، وفي حال رسوبه يتحمل تكاليف الدراسة، وإذا لم يحقق تقديرا مرتفعا يتحمل جزءا من التكلفة، وهو ما يحتمل أن يتم تطبيقه من العام الجديد، بحسب تصريحاته. لم يتوقف النظام عند هذا الحد، بل ألمح إلى إمكانية إلغاء المجانية عن التعليم بعد المرحلة الإعدادية. وقال السيسي، خلال المؤتمر الوطني الأول للشباب المنعقد بشرم الشيخ: "هناك دولة قالت إنها ستقوم بدعم التعليم حتى المرحلة الإعدادية مجانًا، وباقي المراحل تتحمل تكلفتها الأسرة بشكل كامل، حتى وصلت إلى تقدم تكنولوجي، وبعد فترة أدخلت التعليم الثانوي ضمن التعليم المجاني"، معقبا: "نقدر نعمل كده في مصر". غير إن خبراء تربويين حذروا من خطورة الأمر. وقال الدكتور أحمد السيد، الأستاذ بكلية التربية بجامعة عيد الشمس ل "المصريون": "مجانية التعليم فتحت الطريق لأبناء الفقراء ليصحبوا وزراء وأساتذة الجامعات، وينتقلوا إلى صفوف الطبقة المتوسطة، ولولا مجانية التعليم لبقي الطريق مسدودًا أمامهم، وبقيت الفرص للتقدم مقصورة على أبناء طبقة واحدة، وبالتالي فإن إلغاءها سوف يقسم الشعب إلى طبقات، وبالتالي من يمتلك الأموال سوف يتعلم حتى يصل إلى جميع المراحل". وقالت الدكتورة سميرة الشريف، الخبيرة التربوية، إنه "بعد ثورة يوليو، كانت أهم أولويات الدولة هي الاهتمام بمجانية التعليم الأساسي والجامعي، وكان جمال عبد الناصر حريصًا على تعليم الشعب المصري بكل طوائفه المختلفة، إلى أن جاء السادات، الذي كان لا يتفق مع رؤية عبد الناصر، حيث تم التضييق المالي على الإنفاق على المدارس، وهو ما أدى إلى انخفاض أعداد المدارس الحكومية وانتشار المدارس الخاصة، وعندما حدث ذلك، ظهر نوعان من المدارس: الخاصة والحكومية". وتابعت: "النظام الحالي ليس لديه رؤية اجتماعية وفكرية، ويسير على نفس القيم التي سلكها نظام مبارك، من انحيازه للأغنياء، وتحميل الفقراء ما لا يستطيعون، والتحول من نظام التعليم المجاني إلى التعليم المدفوع الأجر". وحذرت من أن "نظام خصخصة التعليم الذي أشار إليه الرئيس، أثبت فشله في مختلف دول العالم، كما في الولاياتالمتحدة وبريطانيا التي تحاول في الوقت الحالي مواجهة خصخصة التعليم لديها". وأوضحت أن "الخطط الموجودة حاليًا تهدف بشكل قاطع إلى خصخصة التعليم الحكومي وتحويل التعليم لسلعة تباع وتشترى، من خلال التوسع في إنشاء الجامعات الخاصة، والأدهى من ذلك هو محاولات دخولها في شراكات مع القطاع الخاص في محاولة منها للتهرب من مسئوليتها أمام المجتمع، وأبرز تلك المشروعات ما يسمى بدبلومة النيل أو جامعة النيل".