آلام ومآسٍ ب"معهد ناصر" بحثًا عن تذكرة علاج من الخبيث ألف جنيه شرط قرار العلاج على نفقة الدولة مكاتب فارغة.. بوابات خالية من الأمن.. ومشادات بين العاملين
"الوجوه شاحبة يكسوها المرض، العبارات متحجرة في الشفاة، ونظرات أمل مترقبة تتعلق بكلمات من طبيب ربما تكون أصدق من إشاعات وتحاليل"، العشرات في انتظار أدوارهم في الكشف والتشخيص، البعض أمام حجرات تعلوها لافتة مكتوب عليها "خطر إشعاع"، والعشرات من الرجال يفترشون الأرض أمام حجرات "الكيماوي المخصصة للرجال والسيدات في غرفتين منفصلتين"، في رحلة للبحث عن الشفاء داخل مبنى الأورام بمستشفى معهد ناصر، وهو ما جعل «المصريون»، تعيش أوجاع عالم المرضى للكشف عن معاناتهم وكيفية التعامل معهم داخل أروقة وحجرات المستشفى. "المصريون" داخل معهد ناصر فوجئنا أثناء دخولنا المستشفى وتحديدًا مبنى الكشف، بأبواب خالية من الأمن، فمَن يريد الدخول فمرحبًا به ولن تجد مَن يعترض طريقه، وبالبحث عن فرد الأمن وجدناه يقف بالخارج مشعلاً سيجارته تاركًا مهام عمله، لا يبالى اقتحام الأهالي مبنى مرضى السرطان الذين ينتظرون شهورهم الأخيرة أو ربما أيام. اتجهنا إلى قسم الاستعلامات وجدنا البعض على مكتبه والبعض غائبًا، موظفة تمارس عملها من خلال المحمول، العشرات في القاعة منتظرين أدوارهم، تخرج إحدى الممرضات من قاعات الكشف بين الحين والآخر لتصطحب معها أحد الأشخاص إلى الداخل، ربما طفلاً أو سيدة وأحيانًا رجلاً، ليتم عرضهم على أطباء الكشف والاستشاريين لتحديد الخطوات التالية، والتي ربما تكون "إشعاعًا" أو "كيماويًا". وإذا كانت حالة المريض المادية متعثرة، يقوم الطبيب بعمل قرار له لعلاجه على نفقة الدولة، ويذهب المريض إلى الاستعلامات مرفق بصورة من بطاقته الشخصية، ليسأل عنه بعد10 أيام، وكل الخطوات التالية من علاج بالإشعاع والكيماوى تتم بنفس المنوال ومن ثم يوقع عليها ويتم استكمال الإجراءات. مشادات الغرف المغلقة "ده مش دورى.. وأنا كلمته.. وهو قالى"، تلك الكلمات سمعناها بالدور الأرضى وكانت لبعض العاملات، بالإضافة إلى نشوب مشادات كلامية داخل أروقة المستشفى، يأتي المشرف في محاولة لحل النزاع إلا أنه يفشل ويرحل ثم يعود بعد قليل ويأتي غيره، لكن المشكلة تستمر لعدة ساعات بدون حل. أما باب الإشعاع، فيقف حارسه منتبهًا ليمنع دخول ممن ليس لديهم حصة للحصول عليها من الإشعاع، إلا أن الملل ربما يدفعه لترك الباب بين الحين والآخر، لكن لحظات كانت كافية لاقتحام القاعة والتجوال فيها بحرية كي نتعرف على الأحوال. قاعة الإشعاع يصطف أمامها العديد من المرضى، ممن ينتظرن أدوارهم للحصول على نسبة الإشعاع المقررة لهم، اعتصرني الحزن، وأنا أرى شبابًا في عمر الزهور يجلس بجوار سيدات ورجال كبار ينتظرون صامتين يملأ عيونهم اليأس والحزن. الساعات تمر سنين يعتصر الحزن قلبك في الدور الأرضى، إلا أنه سيدميك حزنًا لما وجدناه بالدور الثاني من زحامٍ، والكل يفترش الأرض إما في انتظار دوره في العلاج الكيماوي أو في انتظار قريب له، تعلو ملامحهم الحزن والألم، يفاجئك طفل صغير يبكي تصطحبه أمه "تعلق فى يده "كالونة"، شفاهم الله وعافاهم جميعًا. "الله أكبر الله أكبر" كان ذلك صوت الأذان يشدو به أحد العاملين بالمستشفى بين الدورين "الثاني والثالث"، ربما لأنه وقت صلاة الظهر، خلت غالبية مكاتب المحاسبة من قاطنيها، ومعظم المكاتب فارغة، والمرضى حاملين الأوراق باحثين عمن يستلمها ويوقع عليها حتى يستكمل إجراءاته، دام الحال بعض الوقت، فلم يعد هناك وقت مستقطع للصلاة بل تعداه لدقائق أخرى ليطول انتظار المرضى، صارخين: "يعني هي هتفرق إيه نستنى كام ساعة كده كده وقتنا مالوش لازمة". مآسٍ لمرضى الأورام "لازم أدفع مع القرار ألف ونصف، علشان يمشوه، طيب أعمل إيه وأجيبهم منين".. كلمات حزينة من مريض بالسرطان فقد "الكلى" منذ أشهر قليلة، إلا أن كل هذا لم يمنعه من أن يدخن ويطلق همومه في أنفاس سيجارته، ويكمل حواره لنا قائلاً: "أنا اشتكيت للوزير ومش هسكت لازم أخد حقي من البلد". وتضيف أخرى: "لازم أدفع ألف جنيه مع القرار حتى يتم استكمال الإجراءات، أنا دايخه بقالي سنتين من هنا لهنا أعمل إيه طيب مختتمة كلامها بالبكاء". بينما تروى أحلام منتصر، قصتها قائلة: "مركز أورام ناصر سيئ جدًا ولا يقل شيئًا عن معهد الأورام بقصر العيني خسارة فيه التبرعات، العلاج بشتريه على حسابي, الموظفين معاملة سيئة حسبي الله ونعم الوكيل فيهم, وحبيت أشتكي لمدير المستشفى ولكن لا حياة لمن تنادى". بينما حلت مشكلة أخرى مع هاني سيد: "والله أنا بقالي شهر ونصف منتظر حقن عشان والدتي وكل يوم أروح المعهد يقولولي بكره أو كمان يومين أو معلش الأسبوع اللي جاي مع العلم إني المفروض جايب الفلوس من أسبوع علشان أخد العلاج لكن يقولولي معلش أمر الشراء لسه مخلصش أو معلش أصل الورق في البوسطة، وكل يوم أمى بتموت من الوجع وكل يوم في مستشفى بس مين يهتم". وفي سياق متصل، يقول مصطفى كامل: "والدتي جالها ورم في المعدة في الإثنى عشر وروحت المستشفى على كورنيش النيل بعد الامتناع عن الطعام والشراب". وأضاف: "ولما روحت المعهد عملولى متابعة بس ما ادونيش علاج ولا أى مُسكّن مش عارف أعمل إيه ولسه ميعادي يوم السبت عشان المنظار اللي مش موجود بالمعهد أصلاً أقدر أوقف التعب بتاعها إزاي وبالأخص الترجيع والألم اللي عندها أرجوكم أنجدوني حد يساعدني يقولى أديها علاج إيه عشان أوقف الترجيع اللي بالألوان ده". واختتمنا جولتنا داخل المعهد بكلمات لمنار أحمد قائلة: "حسبنا الله ونعم الوكيل في عميد المعهد بيسيبوا الناس تموت كأنهم حيوانات منك لله يا عميد المعهد لو بتحس كنت حسيت بالناس وعرفت أنهم مرضى واهتميت بيهم ووفرت لهم كل ما يطلبه علاجهم".