لعب منتخبنا الوطني تجربة قوية أمام المنتخب السنغالي الذي يلعب بالصف الثاني من غير المحترفين خارجيا، وللحقيقة لابد من الاشادة بهذا الفريق الخطير الذي يشعرك بأنك تواجه نجوما بازغة في الفرق الاوروبية! هذا يعطينا انطباعا عن المدى الذي وصلت إليه الكرة الأفريقية بسبب سياسة توسيع الاحتراف الخارجي مما جعلها على تماس متواصل مع الكرة العالمية المتقدمة، فهذا الفريق ازعجنا طوال المباراة بكرته السريعة الشاملة ووعيه الخططي ومهاراته العالية، وكما قلت في مقال سابق فان مصطفى فال هو ماسة أفريقية جديدة في سبيلها للانضمام الى اللاعبين العظماء الذين عرفتهم هذه القارة، فقد كان شعلة نشاط في الملعب بتمريراته الذكية التي جعلت المهاجمين يشكلون خطورة بالغة على مدافعينا. ويكفي أن هذا الفريق تقدم علينا بعد مضي دقيقتين فقط من المباراة، ثم أحرز التعادل في الشوط الثاني، ولولا قوة أحسن مهاجم مصري حاليا وهو عمرو زكي لانتهت المباراة بالتعادل، وربما حدث العكس مع الهجمات السنغالية الخطيرة والثغرات الكثيرة في خط دفاعنا. حسن شحاتة الذي انتقدته بعنف بعد المباراة الأولى أمام أوغندا، كان أمام السنغال قارئا جيدا للمباراة وللاعبيه والفريق المنافس، ولم يراع الخواطر أو الجماهير وإنما كان أشد حفاظا على اسمه وسمعته كمدرب ولاعب سابق عالي الصيت. عكس المباراة السابقة الذي أشعرنا أنه مرعوب من التغيير والتضحية بالأسماء الكبيرة في الفريق! وحتى لا نظلم المعلم فانه وضع نفسه منذ كان مدربا لمنتخب الناشئين الذي حصل به على البطولة الأفريقية، في قائمة المدربين الذين يعشقون الكرة الهجومية الشاملة، فالكل يهاجم والكل يهدد المرمى، لكن الذي يفكر فيه شحاتة ويضعه على الورق يختلف شكله عند التنفيذ وذلك راجع لطبيعة اللاعب المصري الذي لا يحب أن يبذل مجهودا كبيرا، فينزرع في مركزه لا يريد أن يغادره، يدافع منه ويهاجم، وتلك مشكلة قديمة في الكرة المصرية وصفها عمنا الراحل نجيب المستكاوي بالكرة الانزراعية! شحاتة عالج بعض هذه السلبيات خلال الفترات القصيرة التي جمع فيها المنتخب منذ تكليفه بتلك المهمة عبر اخفاق المدرب الايطالي خلال مرحلة متقدمة من تصفيات كأس العالم، لكن من الصعب بالطبع أن يعالجها كلها خلال فترة قصيرة، فهذه ليست مهمته بل مهمة المدربين في الأندية التي يقضي فيها اللاعب معظم وقته ويأخذ منها كل تدريباته الخططية والبدنية والذهنية. خط الوسط كان في مباراة السنغال أكثر فعالية وترابطا، وظهر أبو تريكة لأول مرة في المباريات الدولية بشكل مختلف تماما عن ظهوره السابق، وبمستوى يقترب من مستواه في الأهلي وتلك بشرة خير لمنتخبنا الوطني، فهذا اللاعب عندما نراه بمستواه الأهلاوي فهو مرعب وخطير وميكنة لا تتوقف عن الدوران. وليت ذلك يكتمل ببركات، عندئذ سيكون لنا شأن آخر في البطولة الأفريقية القادمة وسننافس بقوة عليها. أعجبني كثيرا محمد عبدالوهاب صانع الهدفين الأول والثاني، فمعظم الهجمات تأتي عن طريقه. شعلة نشاط لم تخفت أبدا، وقد ذكرني بالأجنحة الطائرة من لاعبينا الكبار. لقد أعاد شحاتة اكتشافه بعقل معلم دارس واع، وذلك سيفيد مدربه في الأهلي جوزيه وسيكون اضافة مهمة لناديه في المرحلة الثانية من الدوري وفي منافساته الأفريقية. وأعتقد أن عبدالوهاب بعد اكتشاف شحاتة الجديد له ثبت أقدامه في الأهلي وستتحول اعارته الى عقد دائم، ولن يتم التفريط فيه. بواقعية نؤكد أن خط الدفاع يحتاج إلى ترميم، فهو يعاني من ثغرات كثيرة ويسهل اختراقه بمهاجم واحد كما حدث في الكرة التي جاء منها الهدف الثاني فاللاعب يجري بالكرة وثلاثة مدافعين يجرون معه دون أن يتدخل معه أحد ليمنعه من التصويب او الاستمرار في الاختراق! وإذا كان هذا اللاعب السنغالي المغمور يفعل ذلك بمنتهى السهولة، فماذا سيفعل مدافعونا أمام عتاولة المحترفين الأفارقة الذين يجيدون الكر والفر والمناورة والمناولة والغزو من جميع الأطراف والأركان والتصويت أثناء الجري أو من الوضع واقفا؟! الهدف الأول السنغالي جاء من كرة كانت الأغلبية فيها لمدافعينا، ستة مدافعين يحاصرون ثلاثة مهاجمين، بل إن المهاجم الذي أحرز الهدف من ضربة خلفية رائعة كان حوله ثلاثة لاعبين، ورغم ذلك تلقى الكرة بسهولة شديدة ودون مزاحمة وفكر فيها بتأن ووضعها بمنتهى الحرفنة! أمام هذه الثغرات التي ستكلفنا الكثير في البطولة الأفريقية لو استمرت خاصة أنه من الصعوبة التعويض مع تلك الفرق الكبيرة التي تتميز يتنظيمها الدفاعي القوي، كان يجب أن نتعامل بعقلانية وتربوية أكثر مع مشكلة بشير التابعي، ليس ليفرض شروطه على الجهاز الفني، ولكن حتى لا نذبحه ونسلخه دون أن نسمع دفاعه، وقد سمعنا هذا الدفاع عبر اتصال الفضائية المصرية به بين شوطي المباراة، وتأكيده على أن ما كتب في الصحف غير صحيح، فهو لم يخرج من معسكر المنتخب احتجاجا على عدم وضعه في تشكيل مباراة أوغندا، بل لأنه يعاني من مشاكل نفسية لا يستطيع معها الأداء الجيد وانه كلاعب محترف يدرك جيدا أن الجهاز الفني هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة. وقال إنه جلس مع جهازه الفني واخبرهم تلك الحقيقة وطلب الخروج من المعسكر، لكنه فوجئ بتصريحات سمير زاهر التي أعلن فيها وقفه عن المنتخب لأجل غير مسمى والاتهامات الموجهة له! مهمة الجهاز الفني هي مهمة تربوية في المقام الأول. فاللاعبون ليسوا في سلخانة ليتم ذبحهم بهذه السهولة والقضاء على مستقبلهم!.. الجهاز الناجح هو من يحتوي لاعبيه كأنهم أولاده، أكباده التي تجري على الأرض. لا يزال هناك وقت أمام البطولة وهو يكفي كثيرا لعلاج مشاكل بشير واعادة تأهيله النفسي، فهو لاعب مهم للغاية لا ينبغي الاستغناء عنه في لحظة توتر بهذه السهولة، خاصة أن خط دفاعنا يحتاج إلى كثير من الترميم! في خط الهجوم.. أخيرا ظهر لنا مهاجم قوي البنية، يتحرك كالحصان العربي الأصيل، ويدوس على منافسيه مثل الفيل الهندي وهو النجم عمرو زكي.. مهاجم خطير خطير، يحرز من أي وضع ولا يمكن مراقبته أو مزاحمته، انتظروا منه الكثير في البطولة القادمة فسيكون فيها هو حصاننا الجامح الذي نراهن عليه! أعتقد أنه سيشكل مع أحمد حسام "ميدو" في حالة أدائه بنفس مستواه في توتنهام الانجليزي، ثنائيا خطيرا على أي منتخب.. ظهر أيضا أحمد بلال بخطورته التي كان عليها في الأهلي قبل موسمين، وقد استعاد الكثير من أساليبه الهجومية الفعالة التي تضعه دائما في المكان المناسب أمام المرمى. لا زلنا نحتاج إلى مباريات أخرى قوية حتى لو انهزمنا فيها لنتعرف على الثغرات أكثر وأكثر. [email protected]