على خير انتهت بطولة كأس الأمم الأفريقية بفوز منتخبنا الوطني باللقب الخامس ليحقق إنجازاً تاريخياً ورقماً قياسياًَ غير مسبوقاً في عدد مرات الفوز بالبطولة. وقد تحقق هذا الفوز بتوفيق الله أولاً والتشجيع المنقطع النظير من الجماهير المصرية المخلصة وحماسة معظم اللاعبين بفضل التشجيع المستمر والمؤثر من قبل جماهيرنا الوفية التى ضربت مثلاً يحتذى به في الإخلاص والتفاني في خدمة الوطن. وكم كنت أتمنى لو تم تقديم ميعاد البطولة لتنتهي مبكراً قبل إنتهاء فترة الانتقالات الشتوية للاعبين في أوروبا؛ لأن هذا الأمر كان سيسهل كثيراً من فرص إحتراف لاعبينا في أوروبا. وكانت عدة تقارير صحفية قد أكدت على تلقي عدد كبير من لاعبي المنتخب الوطني لعروض إحتراف حقيقية من بعض الأندية الأوروبية مثل عمرو زكي الذي تلقى ثلاثة عروض للإحتراف في أندية نيوكاسيل يونايتد وبولتون واندرارز الانجليزيين ونانت الفرنسي وأحمد حسن الذي تلقى عرضاً من نادي دينامو كييف الأوكراني ومحمد شوقي الذي عرض عليه الاحتراف في نادي جينشلر بيرليجي التركي وإبراهيم سعيد الذي تلقى عرضاً للإحتراف في تركيا ووائل جمعة ومحمد أبوتريكة اللذين تلقيا عدة عروض غير مؤكدة. وبعد غلق باب الانتقالات الشتوية في أوروبا، تضاءلت فرصة إحتراف هؤلاء اللاعبين خلال الفترة الحالية على الأقل وهو أمر يدعو للحزن والأسى. ولا يخفى علي أحد أن الاحتراف لعب دوراً كبيراً في تطور مستوى عدد كبير من الدول الأفريقية المغمورة وتسبب في قلب موازين القوى الكروية في القارة السمراء بعد تأهل أربع فرق للمشاركة في نهائيات كأس العالم للمرة الأولي في تاريخها وهي غانا وساحل العاج وأنجولا وتوجو. وأسهم الاحتراف كثيراً في تطور مستوى عدة فرق أصبحت تمثل مراكز قوى جديدة علي الصعيد الكروي في القارة الأفريقية مثل غينيا والكونغو الديمقراطية وذلك فضلاً عن إستمرار تواجد القوى التقليدية المتمثلة في الكاميرون ونيجيريا وتونس والسنغال. وقد تميزت بطولة الأمم الأفريقية الأخيرة بمشاركة أكبر قدر من اللاعبين المحترفين في المنافسات منذ إنطلاقها للمرة الأولى في السودان عام 1957. ويمكن أن نطلق علي البطولة الماضية لقب "بطولة المحترفين" ، حيث شاركت الكاميرون بقائمة لا تضم أي لاعب محلي، وضمت قائمة ساحل العاج لاعباً محلياً واحداً هو حارس المرمى الاحتياطي باري. وشاركت غينيا بقائمة ضمت 21 لاعباً محترفاً يلعبون في أكبر الأندية الأوروبية ويتوزعون في عدد كبير من الدول مثل إنكلترا وفرنسا وإسكتلندا وألمانيا وبلجيكا، لذا لم يكن من المستغرب أن تؤدي غينياً مباريات رائعة في الدور الأول وتفوز علي تونس وتتأهل لدور الثمانية عن جدارة وإستحقاق بعد تصدرها للمجموعة الثالثة وترشحيها للحصول على لقب الحصان الأسود في البطولة. ورغم فوز منتخبنا الوطني باللقب الخامس، إلا أنه يتعين علينا ان نعترف أن الأداء لم يكن مقنعاً وأن منتخبنا لم يكن الأفضل من الناحية الفنية والبدنية والخططية وأن التوفيق والتشجيع الكبير من الجماهير الوفية ساهمت بشكل كبير في مواصلة الفريق لمسيرته الناجحة في البطولة. ويجب أن نعترف أيضا بحدوث بعض السلبيات وأن نسعى لعلاجها في أقرب فرصة. ومن أبرز سلبيات المنتخب المصري في البطولة غياب اللاعب النجم الذي يمكن أن يعتمد عليه الفريق أو بالمعني الدارج "يشيل الفرقة". وكان من المنتظر أن يؤدي أحمد حسام "ميدو" هذا الدور بعد نجاحاته الأخيرة في الدوري الانجليزي وأهدافه المستمرة مع فريقه وإشادة مدربه الهولندي مارتن يول المستمرة به، ولكن الظروف لم تسانده في البطولة بوجه عام بعد إصابته قبل مباراة ساحل العاج الحاسمة في الدور الأول وعدم إشتراكه في مباراة الكونغو، ومشاركته في مباراة السنغال وهو غير جاهز من الناحية البدنية لرغبته في إثبات ذاته مع المنتخب والتأكيد علي مكانته كلاعب كبير ومؤثر. ويجب أن نلتمس العذر للاعب في تصرفه الخاطىء مع مدربه بعد تغييره في مباراة السنغال رغم إتفاقنا تماماً علي أن هذا الموقف مرفوض مائة بالمائة وأن الأخلاق والقيم والمبادىء فوق كل شىء، ولكن اللاعب جاء الي القاهرة وهو يحمل مسئولية كبيرة وحملاً ثقيلاً مثل الجبال؛ حيث كانت آمال معظم الجماهير المصرية معلقة عليه بشكل خاص لاحراز اللقب. وإتضح هذا من اللقاءات الصحفية التي أجرتها الصحف المصرية ووكالات الأنباء العالمية معه وتصوير بعض وكالات الأنباء له بفرعون مصر وهرمها الرابع، وهو ما وضع اللاعب الذي لم يكمل عامه الثالث والعشرين بعد تحت ضغط نفسي وعصبي هائل، ودخوله في صراع لاثبات ذاته والتأكيد على إمكانياته. وأذكر أنني شاهدت حوارات تليفزيونية كثيرة أجرتها عدة قنوات فضائية مصرية مع ميدو قبل إنطلاق البطولة وكان السؤال الذي يطرح دائماً علي اللاعب كالتالي : ميدو، هل أنت جاهز للقب الهداف؟ وهل يكون ميدو نجم بطولة كروكونايل 2006؟. وأنا أرى أن هذه الأسئلة وهذا الاهتمام الزائد وهذه الآمال والطموحات أدت الي تنامى شعور اللاعب الذي لم يصل بعد إلى مرحلة النضج بالمسئولية، وهو الأمر الذي جعله يخرج عن تركيزه في بعض الأحيان ويلعب وهو مصاب في أحيان أخرى رغبة منه في تحقيق إنجاز شخصي له وإسعاد الجماهير المصرية. وأرى أن السقطة التي إرتكبها ميدو في حق مدربه في مباراة السنغال لم تحدث نتيجة لسوء سلوكه أو لعدم إلتزامه وإحترامه لمدربه، بقدر ما نتجت عن الشحن المعنوى والضغط النفسي الزائد ورغبته في المشاركة والمساهمة في فوز فريقه. أحمد حسام يشعر بنجوميته مع فريق توتنهام وغالباً ما ينال إستسحان وإطراء مدربه الهولندي مارتن يول الذى أثنى كثيراً على حماسته وفطرته التهديفية، وهو الأمر الذي لم يجده مع المنتخب نتيجة لعدة أسباب معاكسة منها الإصابة والضغط النفسي والشحن المعنوى الزائد جداًَ. اللاعب ضحى كثيراً من اجل المتخب ولم يتأخر مطلقاً عن تلبية نداء الوطن وترك فريقه وحضر الي القاهرة ليشارك في بطولة الأمم الأفريقية رغم إعتماد الفريق الكامل عليه في خط الهجوم وتهديد مدربه بإمكانية فقده لمكانه الأساسي في تشكيلة الفريق إذا سافر وترك الفريق، ثم تهديده بعدم تجديد إعارته أو شرائه بصفة نهائية إذا عاد مصاباً من البطولة. ويجب أن نضع في إعتبارنا أن مسؤولي نادي توتنهام كانوا قد عرضوا على اللاعب توفير طائرة خاصة تقله من القاهرة بعد مشاركته في مباريات المنتخب لأداء بعض المباريات مع فريقه في الدوري الانجليزي على أن يعود بها الي القاهرة للمشاركة في البطوبة الا أنه رفض حتى يتمكن من التركيز مع المنتخب وهو أمر يحسب للاعب. ويكفي أن نعرف أن أحمد حسام ضحى براتبه الأسبوعى أكرر "الأسبوعي" الذي يتجاوز 17 ألف جنيه إسترليني أي ما يعادل 150 ألف جنيه مصري أسبوعياً في سبيل المشاركة مع المنتخب. أحمد حسام كان ضحية للضغط العصبي والنفسي ونظام الإحتراف الفاشل داخل مصر وغياب التنظيم والإدارة لفترات طويلة في الماضي وتعنت الأندية الكبرى في مطالبها المالية من أجل إفساد أى عرض أوروبي لضم لاعبيها المميزين سعياً وراء تحقيق مصالحها الخاصة دون الاهتمام بالمصلحة العامة للمنتخب. اللاعب كان ضحية أيضا لغياب النجوم وقلة عدد اللاعبين المحترفين، لأن هذا الأمر أدى إلي تعلق أمل معظم الجماهير والصحف المصرية باللاعب الشاب بصفته النجم الألمع والإسم الأشهر بين صفوف المنتخب، وهو ما أدى إلي زيادة الضغط النفسي والعصبي عليه كما أسلفت من قبل. ولو كان هناك أكثر من لاعب محترف يتمتع بنفس نجومية ميدو في المنتخب، لقل الضغط النفسى عليه ولما حملته الجماهير والصحافة مسئولية البطولة بمفرده، ولما كان قد إرتكب هذا الخطأ السلوكي في مباراة السنغال. ومن بين السلبيات الأخرى التي ظهرت بوضوح في البطولة غياب البديل الكفء فى مراكز خطى الدفاع والوسط. وأؤكد أننا كنا ومنذ بداية البطولة نضع أيدينا علي قلوبنا خوفاً من إصابة ثلاثي خط الظهر إبراهيم سعيد وعبد الظاهر السقا ووائل جمعة لعدم وجود البديل الكفء. وقد لعب السقا مباراة الكونغو الديمقراطية وهو مصاب ما أدى إلي إرتباكه وتسببه في إستقبال مرمانا لهدف مؤثر في وقت حرج عن طريق الخطأ. وكان من الممكن أن تتسبب مشكلة غياب البديل الكفء في خسارتنا للمباراة النهائية والبطولة بعد خروج وائل جمعة وإبراهيم سعيد للإصابة ولكن الله سلم. صحيح أن سوء الحظ لازمنا قبل إنطلاق البطولة بإصابة حسني عبد ربه وأمير عزمي مجاهد وعماد النحاس ومغادرة بشير التابعي لمعسكر المنتخب دون إذن ما أدى إلي إستبعاده، ولكننا كنا نمتلك أوراقاً أخرى جيدة كان من الممكن أن تلعب دوراً هاماً مع المنتخب مثل حسام غالي الذي إنضم لنادي توتنهام هوتسبر الانجليزي وحمادة يوسف لاعب الإتحاد وعمرو فهيم وأيمن سعيد لاعبا إنبي. وفيما يتعلق بمشكلة بشير التابعي الذي إعتذر عن الإستمرار مع المنتخب في البطولة، أرى أنه يتعين علي إتحاد الكرة فتح تحقيق متأنى وعقلاني في هذا الموضوع كي تتضح الأمور علي حقيقتها ويتخذ قرار حاسم ضد اللاعب إذا ثبت تهربه من المسئولية وتخليه عن اللعب مع المنتخب لأن إسم مصر يجب أن يبقى دائماً وأبداً فوق الجميع. إتحاد الكرة بات مطالباً أكثر من اى وقت مضى بتسهيل عملية الإحتراف وإتخاذ قرارات حاسمة تدعم الإحتراف الخارجي لأنه بات واجباً وطنياً وضرورة ملحة في الوقت الحالي. ويجب أن يتعلم مسؤولو الجبلاية من تجربة الدول الأفريقية التى سبقتنا في تطبيق الإحتراف والتي وصل أسعار بعض لاعبيها الي أكثر من 35 مليون يورو، وكفى ما نعايشه حالياً من إنخفاض لأسهم اللاعب المصري ومكانته بين اللاعبين الأفارقة. ويكفي أن نعرف أن دولة مثل نيجيريا تمتلك وحدها أكثر من 280 لاعباً محترفاً في أقوى الدول الأوروبية والأمر نفسه ينطبق علي الكاميرون وساحل العاج. ويتعين علي مسئولي الجبلاية أيضاً إعادة النظر فى نظام الاحتراف الوهمى المطبق حالياً في مصر والذي يمكن الأندية الكبرى من سرقة نجوم الأندية الفقيرة وتفريغها من لاعبيها المميزين لتتخلص من منافسة هذه الأندية. وأوضح مثال علي ذلك هو ما حدث لفريق المنصورة الذي نافس الأهلي في أواخر التسعينات علي لقب كأس مصر، ووصل الي الدور ربع النهائي في بطولة أفريقيا لأبطال الكئوس، وإحتل المركز الرابع في الدوري المصري بقيادة اللاعب عز الرجال وياسر الكناني وتامر عبد الحميد ووليد عبد اللطيف وعبد الظاهر السقا ومحمد القط وتامر بجاتو، فما كان من "أندية القمة" إلا أن قامت بخطف هذه النجوم وركنها على دكة البدلاء، حتى لا تجد منافسة فى المستقبل من أندية الأقاليم الفقيرة التى تجبرها قلة مواردها المالية وإرتفاع المقابل المادي المعروض عليها إلي التخلي عن هؤلاء اللاعبين. وقد تكرر هذا الأمر بعد ذلك مع عدد من اللاعبين المميزين مثل رضا شحاتة وعمرو زكي وأحمد فرغلي وعبد العزيز توفيق ما أدى الي هبوط المنصورة الي دورى المظاليم في الموسم الماضي. بطولة الأمم الأفريقية أظهرت قيمة اللاعبين المحترفين والنجوم، وأثر الاحتراف الكبير في الارتقاء بمهارات وإمكانيات وفكر هؤلاء اللاعبين؛ ففي منتخب الكونغو الديمقراطية مثلاً، رأينا كم كان دوماني لوا لوا مؤثراً ومتحركاً وناضجاً بعد إستفادته من تجربة إحترافه المبكرة في إنكلترا. ولو شارك شعباني نوندا، نجم فريق روما الايطالي معه في البطولة لشكلاً ثنائياً هجومياً مرعباً يصعب إيقافه. وفي غينيا، رأينا مجموعة كبيرة من اللاعبين المهاريين والنجوم الذين يلعبون بصفة أساسية في فرنسا وإنكلترا وإسكتلندا مثل اللاعب باسكال فيندونو وإسماعيل بانجورا وغيرهم. وفى السنغال، رأينا هنرى كمارا لاعب فريق ويجان أتلتيك الانجليزي وديومانسى كمارا المحترف في فرنسا. وفي نيجيريا، رأينا اللاعب أوبافيمي مارتينز نجم فريق إنترميلان الايطالي. اللاعبون الأفارقة يتفوقون علي اللاعب المصري في السرعة والقوة والبنية الجمسانية بحكم النشأة والبيئة. وبات اللاعب الأفريقي يتمتع أيضاً بالمهارة الفنية العالية وهو الأمر الذي لاحظناه بشدة في فرق مثل غينيا وساحل العاج والكاميرون والسنغال. ويجب أن نتعامل مع هذه المعطيات الجديدة بطريقة واقعية وألا نستمر في خداع أنفسنا بأن اللاعب المصري كان ولا يزال يتفوق علي اللاعبين الأفارقة في الجوانب المهارية. ويجب أن نسرع الخطى ولا نسمح للقوى الكروية الأفريقية بمواصلة مسيرة تفوقها علينا عبر استفادتها الواضحة من الإحتراف بينما نقف نحن محلك سر. وأنصح المسئولين بإتحاد الكرة بأن يتفرغوا لأداء عملهم الأساسي في التخطيط لمستقبل الكرة المصرية بدلا من تقديم البرامج التليفزيونية والتعليق والتحليل علي المباريات في الإذاعات والمحطات الفضائية، لأن المثل الشعبي يقول صاحب بالين كداب وصاحب ثلاثة منافق ، فما بالكم بصاحب 4 و5 و 6؟ النجاح الذي تحقق في البطولة الماضية علي أرضنا وبين جماهيرنا الوفية يحتم علينا أن نعمل بجد للحفاظ علي الريادة والصدارة دائماً، لأن النجاح صعب، ولكن الحفاظ عليه أصعب. ويجب أن نعد المنتخب ومن الآن للحفاظ علي لقب بطولة الأمم الأفريقية التي تقام بعد عامين من الآن في غانا والتي سنفتقد فيها لعنصر النجاح الأول في البطولة الماضية وهو الجمهور. ويجب أن نبدأ من الآن في الاستعداد للتصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010 المزمع إقامتها في جنوب أفريقيا، وأن نعمل بجد من أجل إظهار الوجه المشرف للكرة المصرية في بطولة كأس العالم للقارات التي سنشارك فيها بصفتنا أبطالاً لأفريقيا. لي كلمة أخيرة أود أن أوجهها إلي مسئولي إتحاد الكرة أقول لهم فيها: أيها المسؤولون! الإحتراف ... الإحتراف يرحمكم الله. [email protected]