قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية, إن إدارة الرئيس باراك أوباما حاولت سريعا تهدئة التوتر مع تركيا, وسعت بقوة إلى خطب ود الرئيس رجب طيب أردوغان, الذي خرج بعد المحاولة الانقلابية ضده في 15 يوليو الماضي, أكثر قوة. وأضافت المجلة في مقال لها في 26 أغسطس, أن إدارة أوباما قامت خلال الأيام الأخيرة بخطوتين لإرضاء أنقرة, الأولى, توفير غطاء جوي للقوات التركية التي عبرت إلى داخل الأراضي السورية, والثانية, زيارة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إلى تركيا. وتابعت " بالرغم من التحالف الأمريكي مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري, الذي يعتبر عدوا لتركيا بنفس درجة عداء تنظيم الدولة، فإن الطائرات الأمريكية وفرت غطاء جويا للقوات التركية التي عبرت إلى داخل الأراضي السورية, برفقة حلفائها من المعارضة السورية". وأشارت المجلة إلى أن تركيا لم تكن مرتاحة للتحالف المتنامي بين الولاياتالمتحدة وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وذراعه المسلحة, وحدات حماية الشعب الكردية, فيما تحاول واشنطن حاليا إحداث توازن بين السماح للأتراك باتخاذ خطوات تلبي احتياجاتهم الأمنية في شمال سوريا، وبين ضمان عدم تطور العملية العسكرية التركية إلى مواجهة بين أنقرة وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري. وخلصت "فورين بوليسي" إلى القول :" إن هناك اتهامات تركية للولايات المتحدة بلعب دور في المحاولة الانقلابية في 15 يوليو بسبب استضافتها المعارض التركي فتح الله غولن, بالإضافة إلى شكوك أنقرة حول دعم واشنطن لطموحات حزب الاتحاد الديمقراطي في إقامة إقليم كردي في شمال سوريا على الحدود التركية". وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في مؤتمر صحفي مشترك مع جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي في أنقرة في 24 أغسطس, إن أولوية بلاده هي تسليم واشنطن فتح الله غولن الذي تقف منظمته خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة منتصف الشهر الماضي. وأضاف أردوغان أن بلاده ستسلم الجانب الأمريكي وثائق جديدة تثبت تورط غولن في المحاولة الانقلابية، مشيرا إلى أن الاتفاقات الثنائية بين أنقرةوواشنطن تستلزم القبض عليه. ومن جهته, قال بايدن إن الولاياتالمتحدة تدعم حليفتها تركيا دعما مطلقا، مشيرا إلى أن المحاولة الانقلابية لم تكن موجهة ضد الحكومة التركية فقط، بل ضد الشعب التركي أيضا. وأعلن جو بايدن تضامن بلاده مع الشرعية في تركيا، ونفى علمها المسبق بالمحاولة الانقلابية. وقال نائب الرئيس الأميركي لأردوغان -الذي انتقد حلفاءه الغربيين وخصوصا واشنطن لعدم التضامن معه وعدم زيارتهم أنقرة- "أنا أعتذر.. وددت لو أني جئت في وقت مبكر"، لكنه أبلغه في الوقت نفسه بأنه لن يتسنى تسليم فتح الله غولن إلا بقرار من محكمة اتحادية، مضيفا "لا مصلحة لدينا على الإطلاق في حماية أي شخص ألحق ضررا بحليف". وأكد بايدن أن لدى بلاده اعتقادا جازما بأنه يتعين على تركيا السيطرة على حدودها، وألا يكون هناك احتلال للحدود من قبل أي جماعة أخرى. وقال في المؤتمر الصحفي إن الجيش الأمريكي يقدم غطاء جويا للعملية العسكرية التركية في شمال سوريا، مشددا على أن الأخيرة يجب أن تكون موحدة وألا تنقسم إلى أجزاء. وكان أردوغان استقبل بايدن مساء الأربعاء 24 أغسطس في أنقرة، ونقلت "الجزيرة" عن مصادر في الرئاسة التركية قولها إن الرئيس التركي وبايدن عقدا لقاء في المجمع الرئاسي بأنقرة استغرق نحو ساعتين ونصف بعيدا عن عدسات الصحافة. وفي 24 أغسطس أيضا, أعلن أردوغان أن بلاده بدأت عمليات عسكرية لاستهداف تنظيم الدولة وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا، وأعلن وزير الداخلية التركي إفكان آلا أن بلاده تتوقع القضاء بسرعة على تنظيم الدولة في مدينة جرابلس على الحدود السورية التركية. وقال أردوغان إن تركيا قررت وضع حد للتنظيمات الإرهابية التي نفذت هجمات في مدينتي غازي عنتاب وكيليس ومدن تركية أخرى، وأضاف أن تنظيم الدولة وحزب الاتحاد الديمقراطي قاما بأعمال تهدد الحدود التركية. وسبق لوزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو أن أعلن أن بلاده مستعدة لتقديم جميع أنواع الدعم لتحرير جرابلس ضمن مساعيها لمحاربة المنظمات الإرهابية بما فيها حزب العمال الكردستاني التركي المحظور, ووحدات حماية الشعب الكردية السورية الموالية له. وبعد ساعات من بدء العملية العسكرية التركية بدعم من التحالف الدولي وقوات المعارضة السورية, تم طرد تنظيم الدولة من جرابلس, الواقعة شمال شرق حلب على الضفة الغربية لنهر الفرات والتي تبعد نحو خمسين كيلومترا شرقي بلدة الراعي الحدودية التي استرجعتها المعارضة السورية المسلحة قبل أيام من تنظيم الدولة. وحسب "الجزيرة", فإن العملية العسكرية التركية في شمال سوريا, التي أطلقت عليها أنقرة اسم "درع الفرات", تهدف إلى قطع الطريق أمام أي كيان كردي في المنطقة أو توسعته على الأرض السورية، حيث سعت أنقرة من خلال العملية العسكرية للوصول إلى جرابلس قبل القوات الكردية (قوات سوريا الديمقراطية) لتشكل المنطقة بين جرابلس وإعزاز الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية, حاجزا يمنع الصلة بين المناطق الكردية. وتنظر أنقرة بقلق منذ سنوات إلى أي محاولة من أكراد سوريا لتشكيل وحدة جغرافية ذات حكم ذاتي على طول حدودها، ولذلك سعت لإعاقة أو إنهاء محاولة القوات الكردية وصل مناطقها في الشمال والشمال الشرقي لسوريا مع منطقة عفرين في الشمال الغربي بهدف تشكيل ما يعرف بإقليم "روج آفا". وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد أكدت عزمها التوجه إلى جرابلس بعد سيطرتها على منبج (التي تقع على بعد 30 كيلومترا لجنوب جرابلس)، كما فرضت القوات الكردية في الآونة الأخيرة ما يشبه الطوق حول جرابلس من عين العرب (كوباني) شرقا إلى منبج جنوبها. وقبيل العملية العسكرية التركية بيوم واحد, قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورطولموش :"إنه لا يمكن لتركيا أن تقبل سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا المرتبط بحزب العمال الكردستاني في تركيا على الحدود السورية التركية البالغ طولها 911 كلم". وأشار إلى أن بلاده لا يمكن لها أن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه التطورات التي تعني المرحلة النهائية لإلغاء وحدة التراب السوري وتشكيل دولتين وثلاث في سوريا، لافتا إلى متابعة بلاده لتلك التطورات لحظة بلحظة، وفقا لما نقلته عنه وكالة "الأناضول". وحسب "الجزيرة", جاءت عملية جرابلس العسكرية في سياق تطورات مستجدة في سوريا والمنطقة، خصوصا بعد الانقلاب الفاشل في تركيا والتقارب الروسي التركي، وقد ضربت أنقرة من خلالها عدوين في عملية واحدة (الوحدات الكردية وتنظيم الدولة) مستفيدة من التقارب مع موسكو ومن فتور العلاقة مع واشنطن في مرحلة ما بعد الانقلاب ومن تفاهمات جديدة رسمت معالمها في موسكو بعد زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان لروسيا مؤخرا . وروسيا الحليفة للأكراد في سوريا لم تكن تقبل سابقا العمليات التركية على الحدود السورية، وإذا كانت تركيا قد عملت في السنوات الأخيرة على إقامة "منطقة "آمنة" في شمال سوريا تصل على طول المنطقة الممتدة من جرابلس إلى أعزاز رفضتها الولاياتالمتحدة وروسيا معا, فإن الوضع الحالي وبعد طرد تنظيم الدولة من جرابلس يضمن منطقة آمنة فعليا لتركيا خالية من الأكراد وتنظيم الدولة مع تقدم قوات المعارضة السورية المسلحة إلى جرابلس مع الدبابات والقوات الخاصة التركية.