المسلم لأخيه كالبنيان يشد من أزره ويسانده ويشعر بآلامه ويعذره ويعفو عنه إن هو أساء , بل ويبذل له النصيحة لكونها إرشاداً إلى مافيه الخير وتحذيراً مما يحتمل فيه الشر , كما أنني لست ممن يدعي القول السديد , بل ولست مكابراً إن رد المنصوح قولي , لأن غاية ما أقصده هو إرضاء ربي , ثم حرصي على إخواني أن يصيبهم السوء . ولقد تعودت في مسيرة حياتي أن أقدم النصح متحرياً صدق النوايا وحسن الأداء الذي يرجى منه القبول , وفي سبيل ذلك تقدمت بالنصح سراً للإخوان إبان حكمهم للبلاد ثم علانية لكونهم قوة سياسية كبيرة تأثر سلباً وإيجاباً على الحياة السياسية وخاصة أنهم يتصدرون قيادة المشهد ويديرون دفة صراع لاستعادة حكم ضاع من بين أيديهم فاستقلوا بالرأي واستبدوا به بالرغم من أننا جميعاً شركاء في الوطن ونتحمل معهم التبعة كاملة , فلا يصح أن يتجاهلوا ما قدمته الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية من نصرة للإخوان حتى أنه مات في السجون العديد من قادتها وعلى رأسهم الدكتور عصام دربالة رحمه الله فضلاً عن العديد من المسجونين على ذمة قضية التحالف مع الإخوان , وكنا نأمل أن تصلح قيادة الإخوان من شأنها وتستوعب تجربتها ولكن مع الأسف كان معظم إختياراتها خاطئة رغم النصح والتحذير وظهور النتائج جلية للعيان فلم يعد للمكابرة والمعاندة مكان , بل الواجب هو الانصياع للحق مادام قد ثبت جلاؤه ولكن قيادة الإخوان حفظهم الله وهداهم إلى مافيه الصواب لازالوا يرفضون أي رأي مخالف ويتهمون قائله بما ليس فيه , ونسيت قول الله تعالى ( ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا ) فكيف يطلبون النجاح والفلاح وعلى أكتافهم يحملون الإثم والبهتان من جراء اتهامات وتخوين منهجي طال كل المخالفين , وإسهاماً مني في رفع جزء من هذه الآثام أصفح وأعفو وأطالب الذين لهم حق عند الإخوان أن يتسامحوا معهم فكفاهم ما حل بهم من نزع للملك , ومحنة السجون , والغربة عن الوطن , وفقدان الشعبية , وإهدار الإمكانات المادية , ولو أنهم أخذوا مثلاً بأراء مخالفيهم قبل 30/6 لبقي الدكتور محمد مرسي في الحكم يدير انتخابات رئاسية مبكرة في جو ديمقراطي هادئ وشفاف وأتصور أنهم لو فعلوا ذلك لتعاطف الشعب معهم لأن التنازل عن السلطة ليس أمراً سهلاً على النفس البشرية إلا لمن أراد أن يقدم مصلحة الوطن ويرأب الصدع ويحتوي الخلاف . وعندما طرحت دعوتي للدكتور محمد مرسي لرفع الحرج عن مؤيديه قصدت أن أفتح الباب لعودة الإخوان إلى العمل السياسي لأن مجرد قبول الإخوان للمشاركة السياسية سيتبعه فيما أتصور تطمينات حكومية حول شفافية الانتخابات , بل والسماح بالرقابة الدولية ومنظمات المجتمع الدولي حتى يطمئن الجميع . إن عودة الإخوان إلى النشاط السياسي والاجتماعي مكسب كبير للتيار وللوطن حيث سينتهي النزاع وسيفتح الطريق أمام عودة الطيور المهاجرة إلى الأوطان كما أن انفراجة السجون ستكون قريبة المنال . إن ماتفكر فيه قيادات الإخوان في الخارج بخصوص استعادة الحكم إنما هو بعيد المنال , لأنهم لم يستجمعوا شرائط النجاح المادية فضلاً عن المعنوية التي يرضى الله بها عنهم , وأكاد أجزم أن القرار الإخواني يخلو من أصحاب الخبرات الميدانية والرؤى المستقبلية والاستراتيجية والنظر في العواقب والمآلات وسنن الله الكونية , ثم إنني لا أتصور أن خيال الإخوان وصل بهم إلى إمكانية إستعادة الحكم دون أن يمر ذلك بفوضى هدم الدولة المصرية ( لا قدر الله ) فالنظام الحالي تدعمه مؤسسات الدولة التي لم تتعاون يوماً مع الإخوان وكانت أحد أسباب فشل تجربتها ثم إنني أيضاً لا أتصور أن قيادات الإخوان تراهن على استجابة الشعب المصري لدعواتها بعد تجربة رابعة العدوية التي تم فيها الحشد ثم أسرعت إلى إخلاء الميدان من كوادرها الكبرى وتركت العزّل من الضعفاء دون تحذير ليواجهوا الموت بصدور عارية , فالشعب المصري يضحي من أجل إعلاء كلمة الله تعالى , ومن أجل الدفاع عن الوطن ضد الأجنبي وليس لاستعادة حكم الإخوان فليتدبر أولوا الألباب. إن ما اقترحته إنما هو مخرج بعد صراع دام أكثر من ثلاثة أعوام والوطن كله يخسر , ولقد كان بوسعي السكوت بعد أن قدمت نصائحي المتعددة ولكن قلبي لم يطاوعني وأنا أرى قادة أفاضل من الإخوان المسلمين في مراحل التقاضي الأخيرة ولا توجد المساعي الجادة لإنقاذ رقابهم ولا حول ولا قوة إلا بالله , فليس أمامي إلا أن أدعو الله تعالى أن يحفظ أرواحهم , كما أدعوا محكمة النقض أن تتصدى وترفع الحرج عن الحكومة وعن نفسها أمام الله بإلغاء هذه الأحكام التي بنيت على إتهامات باطلة . وختاماً أكون قد بينت وجهة نظري في الموضوع آملاً أن يوفق الله تعالى إلى ما فيه الخير وأن يحفظ مصرنا من كل مكروه وسوء . والله المستعان