تحقيق- حسني كمال: حذر علماء الدين من شيوع حالة التراشق والسباب وتبادل الاتهامات والمساس بالأعراض التي سادت المشهد السياسي بين كافة القوي والتيارات السياسية. وطالب علماء الدين, الفضائيات ووسائل الإعلام بعدم إفساح المجال لضيوف برامج التوك شو لتبادل الاتهامات والخوض في أعراض المنافسين لهم, مؤكدين أن تلك الممارسات تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها الخمسة التي جاءت لحفظ العرض والنسل والعقل والمال والدين. وأكد علماء الدين أن رمي الآخرين بالباطل ينشر الفتن ويحرض علي العنف والدماء ويؤجج الغضب بين الناس ويهدد أمن واستقرار الوطن. وطالب علماء الدين جميع الفرقاء بالتوقف عن تبادل الاتهامات والشتائم عبر الفضائيات, والمسيرات والوقفات الاحتجاجية ومواقع الانترنت وصفحاتالفيس بوك وأن يتنازل كل فريق عن مطالبه حتي نعبر المرحلة الراهنة إلي بر الأمان. جرائم علي الهواء بعد ظهور العديد من القنوات الفضائية وانتشارها بالإضافة إلي شبكة التواصل الاجتماعي( الفيس بوك وتويتر) وبرغم المزايا العديدة لوسائل التكنولوجيا وشبكات الاتصال بين الناس إلا أنه تغيرت اللهجة بين المواطنين بعضهم البعض, وظهر في خلال الفترة الماضية ثقافة جديدة ينبذها الإسلام, وحذر منها الله عز وجل ورسوله الكريم, وهي الاتهامات بالباطل وقذف المحصنات, والسب, والتنابذ بالألقاب والتلاعن بين الناس, والتباغض, والتشكيك في وطنية الأفراد, و التقييم الخاطئ لبعض المشهورين, سواء كان ذلك بين القوي السياسية المتناحرة, من جانب أو بين الأفراد والشخصيات العامة, علي الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي. وفي الفضائيات نسمع ونشاهد حالة التناحر المستمرة بين القوي السياسية بإلقاء الاتهامات بالباطل والتجريح ضد القوي المنافسة لها دون وجه حق, برغم أن الله عز وجل قال ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا وعن حكم الاتهام بالباطل و بدون دليل في الإسلام, وماهي حدود القذف. يقول الدكتور محمد الطيب الخضري عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية: بكفر الشيخ, وضع الله سبحانه وتعالي نظاما محكما يحكم التعاملات بين أفراد المجتمع, يقوم علي مجموعة من الأسس الأخلاقية كالإخوة والمحبة والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع الواحد, وهذه الأسس إذا انتشرت في المجتمع ساد الحب والوئام بين أفراده, وإذا ضاعت هذه الأسس وقع المجتمع في مهاوي الانهيار والضياع, ونادي سبحانه وتعالي الناس جميعا في القرآن الكريم بقوله: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكموعلي المسلم أن يتدبر هذه الآية ويعمل بها سواء كان تعامله مع من يتفق معه أو مع من يختلف معه وكان رسول الرحمة صلي الله عليه وسلم رحمة للناس جميعا مسلمهم وكافرهم, ولله در رسول الله صلي الله عليه وسلم بعدما أوذي من أهل ثقيف وتناثر الدم منه فيأبي أن يدعو عليهم بل يدعو لهم بالهداية ويقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون فأين نحن من هذه الأخلاق التي سمت فوق كل سماء. ويطالب الدكتور الطيب كل أطراف المجتمع أن يحترموا بعضهم بعضا ويقدروا آراء مخالفيهم ولا يسخرون منهم ويطلقون الاتهامات بالعمالة والخيانة, لأن ذلك يؤدي إلي انهيار المجتمع وفشله لقوله تعالي: وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين, وعلي هذا فلا يصح لأحد من الناس أن يسخر من غيره لا لفقر, ولا لذنب ارتكبه, ولا لغير ذلك, وما نراه اليوم في مجتمعنا من سخرية بعض أصحاب التيارات الفكرية والسياسية من أصحاب التيارات الأخري كلها أمور بعيدة كل البعد عن منهج الإسلام الذي أمرنا بحسن التعامل مع الآخر حتي ولو كان الاختلاف بيننا وبين الآخر خلافا عقائديا, فليس معني الاختلاف في العقيدة أن نسيء للآخر أو نجبره علي أن يدخل في معتقدنا, قال الله تعالي: لا إكراه في الدين, وقال تعالي معلما للمسلمين كيفية مخاطبة غيرهم: لكم دينكم ولي دين, ويتعجب الدكتور الطيب قائلا: إذا كان هذا هو الحال في المعتقدات التي تعد أهم ما يؤمن به الإنسان ويدافع عنه, فكيف الحال في الأمور الأقل أهمية كالخلافات السياسية والفكرية؟ فإذا كان الله يأمرنا بحسن معاملة مخالفينا في العقيدة, فكيف نعامل مخالفينا فكريا وسياسيا بالضرب والقتل والإهانة ؟ ويوجه الدكتور الطيب نداء لكل المصريين قائلا: إن المشترك بيننا كبير وأسباب الخلاف فيما بيننا يمكن تجاوزها, ونحن في هذا الوضع الراهن الصعب الذي تعيش فيه أمتنا, علينا أن نتجاوز أسباب الخلاف, وليعلم الجميع أن التوافق الكامل لن يكون ولن يحدث, فليتنازل كل فريق عن بعض مطالبه من أجل وطنه ومن أجل شعبه المطحون في الفقر والجهل والمرض. ويضيف: أن الجميع صادق النية ويريد الكمال لهذا الوطن, فليعلم أننا لن نصل إلي سلم الرقي الحضاري في سنة أو سنتين أو ثلاث بل لابد من العمل الشاق, والإخلاص الكامل لهذا الوطن, وما يصعب علينا تحقيقه اليوم سنكمله غدا لا محالة, بشرط الهدوء وتغليب المصلحة العامة فوق كل المصالح وكل الأهداف ولنتأسي بالحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم الذي كان إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما, ويحذر الدكتور الطيب الذين يسعون في الأرض فسادا, وينفخون في نار الفتنة أن هذه النار ستحرقهم أيضا لا محالة فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها, كما حذر عوام المصريين من الانسياق وراء الإشاعات المغرضة التي تأجج نار الغضب علي الفرق المتصارعة اليوم. حرمة التنابذ ويتفق معه الدكتور عبدالوارث عثمان رئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر, مؤكدا أن الله حرم من فوق سبع سماوات التنابذ بالألقاب, وأن هذا سبيلا لا يحبه الله ولا الرسول ولا المؤمنون, وإنما هي صفة كريهة إذا اتصف بها المسلم خرج عن حدود إسلامه, لأن النبي صلي الله عليه وسلم, يقول: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده فالتنابذ بالألقاب والشتائم والألفاظ النابية من سقطات اللسان التي تكون سببا في شقاء أصحابها, وسخط الله عليهم, فكل ما يدور في أيامنا هذه من التنابذ بالألقاب والشتائم عند التعبير بالرأي أو الاعتراض علي أمر ما, لا ينفع الأمة بشئ بقدر ما يضرها في علاقاتها الإنسانية, فتبتعد الشقة بين الشاتم والمشتوم, فلا يصلون إلي حل, ولا يكون بينهم سوي العناد, فالتنابذ بالألقاب والشتائم والسباب تحبط المودة والمحبة في القلوب, كما أنها تحبط الأعمال الصالحة, وورد في صحيحي البخاري ومسلم أن امرأتين صامتا علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم, فلما جاء آخر النهار انتفخت منهما البطن, فأرسلتا رسولا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم, تسألاه فقال النبي للذي أرسلتاه, إن رسول الله يقول لكما قئنا فلما قاءتا, قاءت إحداهن لحما, وقاءت الأخري دما, فأرسلتا رسولا إلي النبي صلي الله عليه وسلم, تسألاه في ذلك فقال النبي: أما التي قاءت لحما فكانت تمشي بالنميمة, وأما التي قاءت دما فكانت تسمع لها فلا قيمة أبدا لعبادة أو لعمل صالح لا يبتعد صاحبه عن السباب والشتائم والتنابز بالألقاب والغيبة والنميمة, وتلمس البرءاة من العيب في قول الله تعالي: ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإثم الفسوق بعد الإيمان إنما يرشد الأمة إلي ما يصلح به الشأن وتتجمع به الكلمة وتتوحد به الصفوف, وقوله تعالي: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا أي ينسبون إليهم ما هم براء منه لم يعملوه ولم يفعلوه فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا وهذا هو البهت الكبير أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه, علي سبيل العيب والتنقص لهم, وقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لأصحابه: أي الربا أربي عند الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: أربي الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم ثم قرأ: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا وقال صلي الله عليهم وسلم أيضا أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع, قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي قد شتم هذا, وقذف هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيقعد فيقتص هذا من حسناته, وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه; أخذ من خطاياهم فطرح عليه, ثم طرح في النار. جريمة قانونية وأخلاقية أما عن حكم رمي الناس بالباطل فيؤكد الدكتور عبدالوارث أن القانون يلزم بإحضار شهود إذا قذفني شخص ما وأردت أن أشتكيه, وجاء الشرع بحماية الضرورات الخمس وهي: الدين, والعقل, والعرض, والنسب, والمال, والقذف هو تعرض للعرض برميه بزني أو كبيرة من الكبائر, وقد كلف القاذف أن يأتي بما يثبت قوله بأربعة شهداء, فإن لم يفعل أقيم عليه حد القذف, وهو ثمانون جلدة, ولا تقبل له شهادة, وهو من الفاسقين إلا أن يتوب أو يقام عليه الحد فإنه يرتفع عنه لقب الفسق تقبل شهادته, ولا فرق بين أن يكون القاذف أو المقذوف رجلا أو امرأة, أما إذا قذفه بغير الزنا, كما لو اتهمه بأنه سارق أو آكلا للحرام, فلا يحد حد القذف, وإنما يعزره الحاكم بما يردعه عن هذا العدوان لأن قذف الأعراض محرم في الكتاب والسنة والإجماع, وهو من كبائر الذنوب, وقد أوجب الله علي القاذف عقوبات مغلظة في الدنيا والآخرة لقوله تعالي: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون سورة النور, وقال ابن كثير رحمه الله أوجب علي القاذف إذا لم يقم البينة علي صحة ما قال ثلاثة أحكام: أحدها: أن يجلد ثمانين جلدة, الثاني: أنه ترد شهادته فلا تقبل, الثالث: أن يكون فاسقا ليس بعدل لا عند الله, ولا عند الناس, وروي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:(اجتنبوا السبع الموبقات, قالوا: يا رسول الله, وما هن ؟ قال: الشرك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).