لا شك أن قضية الاستقلال (الحقيقي) هي أهم القضايا، وهي السبيل الوحيد للتغلب على حالة الانهيار والتشرذم العربي الراهنة. ولا يغيب عن المتابعين للشأن السياسي أن الإدارة الأمريكية (التي ترعى التبعية وتحارب الاستقلال) تدعم بكل قوة- من وراء ستار- عمليات الانقضاض على الربيع العربي، ومنع العرب والمسلمين من الاستمتاع بنعمة الحرية وسيادة القانون والشورى. ولا شك أن غرور القوة والثروة هو الذي يحكم السياسة الأمريكية ويدفعها دفعًا إلى القيام بدور الفتوة الذي يريد أن يُخضع الآخرين بصرف النظر عن قيم الحق والعدل التي هي أساس الملك.. والتي بدونها لا يمكن لحضارة أن تدوم، حتى وإن انتصرت في جولة هنا أو هناك. وتدل الحروب الشرسة ضد أفغانستانوالعراق، والقصف من حين لآخر في مواقع متعددة مثل باكستانوالصومال واليمن وليبيا.. والتي لم يسبق لها مثيل في التاريخ، حيث استخدمت في أفغانستان وغيرها صواريخ ثمن الواحد منها مليون دولار، وقنابل زنة الواحدة منها سبعة أطنان!.. تدل على أن الساسة الأمريكيين يسعون إلى أي «نصر» على أي «أحد» إرضاء للشعب المغرر به والذي صدق أنه يعيش في دولة الأمن والأمان. ويبدو أن غرور القوة قد أصاب هؤلاء الساسة بالعمى والصمم وفقدان الذاكرة.. إذ لم يذكر التاريخ لهم انتصارًا ذا قيمة، خصوصًا في صراعهم الذي لم يتوقف ضد الدول الإسلامية. وإذا استعرضنا تاريخ الولايات «المعتدية» الأمريكية مع الحروب فسوف نجد أنها تمكنت بالفعل من إلحاق الدمار والخراب بمناطق كثيرة من العالم، ولكنها لم تحقق أهدافها إلا في النادر القليل. فإذا كانت- مثلاً - قد أخضعت اليابان باستخدام الإرهاب النووي غير الإنساني وغير المسئول، فقد استطاعت اليابان أن تنتصر عليها اقتصاديًا، وسوف يأتي اليوم الذي ترد فيه الصاع صاعين جراء هذه الجريمة النووية البشعة. وفي فيتنام.. استطاع ذلك الشعب الفقير أن يهزم القوة الباغية الطائشة وأن يصيبها بعقدة فيتنام التي لم تتعاف منها حتى الآن. أما في صراع أمريكا مع المسلمين فقد هُزمت شر هزيمة.. ولم تحقق أهدافها ولو لمرة واحدة. وفي الحرب الأهلية اللبنانية.. تدخلت أمريكا ومعها ذيلها الإنجليزي لصالح الموارنة، وذهب أفضل ضباط وجنود الدولتين المغرورتين لاحتلال بيروت وبسط سيطرة الفتوة العالمي على الدولة الصغيرة الممزقة.. ولكن الشعب اللبناني المجاهد تصدى للقوة العظمى وأرغمها على الانسحاب المهين دون أن تحقق أي غرض من أغراضها الدنيئة. وتكررت القصة نفسها في الصومال عندما ظنت أمريكا أن انهيار الدولة وعموم الفوضى سوف يمكنها من السيطرة على هذا البلد المسلم ليكون نقطة انطلاق إلى دول أخرى بالمنطقة.. ولكن الشعب الأبيّ رفض الاحتلال الأمريكي، وفشل الجيش الأمريكي في حماية جنوده لينسحب في النهاية ذليلاً مهزومًا. وفي السودان فشلت أمريكا في بسط سيطرة عميلها جون جارانج على السودان رغم الدعم العسكري والمخابراتي والاقتصادي اللا محدود، ولولا الخيانة العربية بقيادة المخلوعيْن مبارك والقذافي لما انفصل الجنوب. وفي اليمن وقفت أمريكا خلف الانفصاليين في حرب الانفصال وفشلت، وانتصرت الوحدة اليمنية. وقد أخرجت كل ما في ترسانتها من أسلحة فتاكة ومعها كل شياطين الإنس في محاولة يائسة لتحقيق انتصار ولو ضئيلاً أو شكليًا على المقاومة في كل من العراقوأفغانستان، والتي لا تمتلك أي منها واحدًا في المليون من الإمكانات الأمريكية.. في حرب كانت كفيلة بإبادة جيوش ودول، ولكنها فشلت بفضل اللّه في كسر إرادة المقاومة الباسلة. وقد وقفت عاجزة لسنوات طويلة أمام تنظيم صغير لا يملك جيوشا ولا حتى أرضا تؤويه، هو تنظيم القاعدة... وعندما تحولت الإدارة الأمريكية الفاشلة للبحث عن بديل آخر يحفظ ماء الوجه أمام شعبها بأن تشن حروبا بالوكالة، من خلال عملائها، وبدأت بالمقاومة اللبنانية من خلال العدو الصهيوني؛ فشلت، وهزم عميلها شر هزيمة، ثم انتقلت مرة أخرى إلى الصومال للثأر من هذا الشعب المجاهد، وذلك من خلال عميل جديد هو إثيوبيا التي لها هي الأخرى أطماعها، وذهبت الطائرات الأمريكية لتقصف الرعاة الصوماليين المساكين المتحلقين حول النار للتدفئة.. ولكنها فشلت أيضا، لتنضم الصومال إلى العراقوأفغانستان. إن أمريكا بوضعها الراهن ليست جديرة بالانتصار، كما أسلفنا، ولكنها لن تستسلم بسهولة!. لقد أيقن الحلف الصهيوأمريكي أن الحرب (الصليبية) المباشرة ضد المسلمين لن تنجح، فعادوا إلى السياسة الصليبية القديمة التي جربت قديما في الأندلس، بإحداث الفتن وضرب المسلمين بالمسلمين، مع العمل على حرماننا من الاعتماد على النفس، والتوجه إلى التنمية والنهضة والتقدم العلمي: بدعم الدكتاتورية والفساد والحيلولة دون انتشار قيم الحرية والعدالة والانتخابات الحرة التي أوصلت الغرب إلى السبق الحضاري والاقتصادي الراهن. إن هذه التطورات السريعة ضد ظاهرة التحرر العربي تثبت أن القضية الأوْلى بالاهتمام والرعاية هي قضية الاستقلال والسعي إلى التحرر من التبعية. ويجب على كل وطني أن يدرك أن أسهل سلاح في يد أعدائنا هو إيقاع الفتن، وبث الفرقة والتشرذم على أسس طائفية وحزبية وأيديولوجية.. وتجربة السفيرة الأمريكية السابقة ضد كل من باكستان ومصر لا تزال ماثلة!. انتبهوا أيها العرب والمسلمون. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.