لاشك أن يوم الرابع عشر من أغسطس يمثل ذكري سيئة في ذاكرة الشعب المصري في العصر الحديث حيث حدث فض اعتصام رابعة و قتل مئات المصريين بالرصاص الحي سنة 2013...اليوم و بعد 3 سنوات لابد أن نحاول استخلاص العبر و الدروس من هذا اليوم المشئوم. اعتصم الإخوان المسلمون المؤيدون لمرسي في ميدان رابعة العدوية ردا علي اعتصام القوي الوطنية المناوئة لحكم الإخوان في ميدان التحرير قبل أيام من التظاهرات التي كان محددا لها الثلاثين من يونيو. كان الإخوان يظنون أن تظاهرات 30 يونيو ضد مرسي سوف تكون قوتها خمسين ألف شخص يتظاهرون لساعات ثم يعودون إلي بيوتهم بتعبير سعد الكتاتني في لقاء مرسي مع رؤساء الأحزاب الإسلامية ، كما أن مرسي تعامل بخفة مع مهلة الجيش أسبوع ينتهي يوم 30 يونيو ثم مهلة ال 48 ساعة التي حددها الجيش بعد تظاهرات 30 يونيو لكي يفعل ما من شأنه التئام الوطن، و لذا كان عزل مرسي يوم 3 يوليو صدمة شديدة للإخوان الذين حاولوا الحفاظ علي الاعتصام و خاصة انه شمل شهر رمضان المعظم بما فيه من صلاة التراويح والتهجد و جو روحاني جميل.
كان الإخوان يعولون علي الاعتصام أن يقود الشعب المصري لكي يخرج و يعيد مرسي للقصر، هل كان ذلك ممكنا ؟؟؟. إذا عدنا إلي الوراء قليلا إلي الانتخابات الرئاسية حيث حصل مرسي علي 5 ملايين صوت انتخابي حصل بها علي المركز الأول من 13 مرشح، و في جولة الإعادة انضم إلي ناخبي مرسي ثمانية ملايين من ناخبي أبو الفتوح و حمدين صباحي باعتبار أن مرسي مرشح القوي الوطنية و الثورية و الإسلامية ضد أحمد شفيق مرشح النظام القديم، عقب جولة الإعادة أعلن قضاة من أجل مصر فوز مرسي بالمنصب و لكن اللجنة العليا للانتخابات تأخرت في إعلان فوزه، اعتصم الإخوان في ميدان التحرير و هدد الإخوان بإعلان ثورة إسلامية شاملة ما لم يعلن فوز مرسي، أعتقد أنه إذا كانت اللجنة قد أعلنت فوز شفيق فان ناخبي مرسي ال 13 مليون كانوا جميعا سيتظاهرون لصالحه و يحملونه إلي القصر، و لكن خلال حكم مرسي تراجع معظم الثمانية ملايين عن تأييد مرسي و صاروا من معارضيه و لم يبق معه إلا الخمسة ملايين الذين يؤيدونه علي كل حال و ربما حتي الآن. الشاهد أن اعتصام رابعة لم يحرك ناخبي مرسي للتظاهر لصالحه، بل ربما تظاهر معظمهم ضده في تظاهرات 30 يونيو.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل كانت الشرطة ترغب – أصلا- في قتل المعتصمين ؟... الإجابة بالطبع لا، بل تراجعت كثيرا خلال 6 أسابيع عن فض الاعتصام خشية حدوث إصابات، و خاصة أن العالم كله مازال ينتقد القيادة الجديدة باعتبار ما حدث انقلاب علي الرئيس المنتخب. الداخلية حاولت إقناع المعتصمين بفض الاعتصام كثيرا دون جدوى، حتي يوم فض الاعتصام تنفيذا لقرار النائب العام بفض الاعتصام اصطنعوا مخرجا أمنا لخروج من يرغب من الاعتصام دون أن يلاحق أمنيا. إذن ماذا حدث حتي تتحول الشرطة من السلمية إلي إطلاق الرصاص الحي علي المعتصمين ؟.. تقرير لجنة تقصي الحقائق من المجلس القومي لحقوق الإنسان تذكر أن المعتصمين بدأوا بإطلاق النار علي الشرطة التي حاولت أن تتفاهم مع قادة الاعتصام، و تعزو في هذا إلي تغير حالة الشرطة من السلمية إلي إطلاق الرصاص الحي. إذا عولنا علي هذا التقرير ربما كان المعتصمون هو من استدرج الشرطة في هذه المجزرة.
السؤال الآن: هل كان يمكن للإخوان تجنب هذه المجزرة ؟؟... اعتقد أن الإخوان كانوا يبحثون عن فضيحة للنظام الجديد و أنه كان يمكن لقادة الاعتصام الذين ظلوا يحضرون الناس للشهادة في سبيل الله ثم خرجوا من الاعتصام يوم الفض، كان يمكنهم إعلان فض الاعتصام أو علي الأقل إخبار المعتصمين بأنهم سيغادرونه.
السؤال هل كان يمكن للشرطة فض الاعتصام بطريقة أخري ؟ أعتقد أن ذلك كان ممكنا كذلك و لو علي فترة أطول بمنع الإمدادات عن الاعتصام أو حتي منع دخول الأشخاص أو غير ذلك.
ماذا حدث بعد ذلك ؟؟؟. زيادة في الشقاق المجتمعي، غضب من الإخوان و مؤيديهم علي كل من ساند النظام الجديد و الدعاء عليهم و علي أبنائهم بنفس المصير و اتهامهم باستحلال دم إخوانهم، و هذه صيغة تكفير. الأخطر من ذلك هو أن ما فعله الإخوان من إجراءات عنف ضد أقسام الشرطة و الكنائس و غيرها زاد من البعد بينهم و بين أبناء الوطن و قلل كثيرا من فرصة عودتهم للمشهد السياسي.
المشكلة الأكبر هو ما حدث للحالة السياسية في مصر منذ فض رابعة و حتي الآن و هو التراجع في الحالة السياسية المصرية بصورة عامة لصالح الحفاظ علي الأمن ضد العنف و الإرهاب، و إن كان العنف قد تراجع كثيرا حتي حدثت محاولة اغتيال الشيخ علي جمعه التي أعلنت جماعة حسم الاخوانية مسئوليتها عنها، إلا أن الحالة السياسية و الحزبية و مؤسسات المجتمع المدني في تراجع مستمر.
دكتور محمود أحمد محجوب أستاذ جراحة القلب و الصدر بطب الزقازيق