ضغوط على «تقصى حقائق القمح» لإخفاء دفاتر التوريدات الوهمية اللجنة تتحفظ على أسماء «عاتولة» القمح ومافيا التهريب وخلط المستورد بالمحلى 600 مليون جنيه إهدارًا فى صوامع القمح.. والحكومة تتجاهل وتستورد 180 ألف طن من روسيا وزير الزراعة السابق: فساد الصوامع موجود منذ سنين.. ورئيس القابضة للصوامع: دفاترنا لا تلاعب بها خبراء يُطالبون بمحاكمة وزيرى الزراعة والتموين لعدم تحققهما من الأرقام الواردة
تُثبت الأيام تدريجيًا وجود بصمات الحكومة على دفاتر التوريدات الوهمية للقمح؛ ما جعل خبراء يرجحون محاكمة وزير التموين خالد حنفى، بعد ثبوت تضخم فى الأرقام المعلنة عن القمح هذا العام؛ ويأخذ حنفى معه فى الطريق وزير الزراعة الحالى عصام فايد. غير أن "فايد" حصن نفسه من الدخول فى بوتقة المسألة، لتؤكد مصادر قريبة منه، أنه أعد وثائق تُثبت أن وزارة الزراعة ليست مختصة سوى بمرحلة خروج المحصول من الأرض إلى رأس الأرض، ثم يأتى بعد ذلك دور وزارة التموين، فى نقل وتخزين المحصول. وتظهر الإحصائيات أن وزارة التموين ليست وحدها المسئولة عن الأزمة، إذ كانت وزارة الزراعة تأخذ الصدارة فى الإعلان عن التوريدات الوهمية يومًا بيوم، حتى أنها أرسلت بيانًا فى نهاية مايو الماضي، قالت فيه إنها حققت معدل توريد مرتفع ويختلف عن أى عامٍ آخر. التلاعب فى الدفاتر وتفجرت الأزمة حينما وجد البرلمان تلاعبًا فى الأرقام التى أعلنتها وزارتا الزراعة والتموين، حيث أعلنت كل جهة نسبة توريد مختلفة لموسم القمح هذا العام؛ اضطر ذلك البرلمان لتشكيل لجنة تقصى حقائق القمح والتى بدورها نزلت إلى أرض الواقع لتكتشف فسادًا بالجملة داخل الصوامع. وجدت اللجنة التى يُنتظر أن تُصدر تقريرًا نهائيًا أن القطاع الخاص استغل موسم التوريد وملأ صوامعه بالقمح وأفرغ صوامع الحكومة، رغم وجود اتفاقيات معه بأن التوريد يكون فى المقام الأول للحكومة؛ كما يوجد خلط فى الأقماح المحلية والمستوردة ووصل إجمالى فساد الصوامع إلى 600 مليون جنيه. اكتشفت «تقصى الحقائق» أيضًا أن الصوامع أصحابها هم رجال أعمال «تقال»، واحتفظت بأسمائهم فى التقرير النهائي، غير أنها أفصحت عن بعض الأسماء كشقيق النائب البرلمانى طارق حسانين، والذى ثبت وجود فساد فى صومعته ب«6 أكتوبر». حرب بين النواب دخلت لجنة تقصى الحقائق «عش الدبابير» من أوسع أبوابه، حينما قرر النائب وعضو اللجنة جلال عوارة، أن يتحدى رجال الأعمال، مؤكدًا أنه سيفصح خلال أيام عن أضخم عملية فساد فى تاريخ مصر الحديث، لافتًا إلى أن اللجنة وجدت فسادًا لا يُمكن تخيله من جانب القطاع الخاص والحكومى على حدٍ سواء. وعن التحدى الذى يخوضه «عوارة»، قال ل«المصريون»، إنه سيكون مدعمًا بالأرقام والأوراق، ولن يتم التشهير بأحد دون دليل، لافتًا إلى أن اللجنة تحترم الزملاء النواب المعترضين على عملها؛ لكنها ستواصل العمل مكلفة من جانب رئيس البرلمان والشعب. 600 مليون مهدرة مصادر داخل لجنة «تقصى الحقائق»، أكدت أن الرقم الذى سيُعلن عنه يتجاوز ال 600 مليون جنيه، وأن بعض النواب حاولوا إسكات اللجنة والتأثير فيها، مؤكدًا أن هؤلاء النواب تربطهم علاقة بأصحاب الشون والصوامع الخاصة، لذلك فإنه تم التحفظ على ما تم التوصل إليه من معلومات وأوراق فى أماكن لا يعلمها إلا أفراد اللجنة. فى سياقٍ آخر، اتهم نواب لجنة تقصى الحقائق، بأنها تستعين بشركة غير متخصصة فى أعمال القياس وأن السبب فى تضخم الأرقام هو صعوبة قياس كميات القمح داخل الصوامع والشون، وبالتالى فإنه من المفترض أن يتم تفريغ الشونة بالكامل وقياسها بالطريقة الصحيحة. ووجد النائب طارق حسنين، رئيس غرفة الحبوب باتحاد الصناعات وشقيق أحد المضبوطين فى القضية، ثغرة للاعتراض على اللجنة، مؤكدًا أن الشركة التى تقوم بأعمال القياس لم تكن دقيقة، مشيرًا فى الوقت ذاته إلى أن أعضاء تقصى الحقائق تحدثوا دون دليل واضح أو إدانة. وقال «حسنين» ل «المصريون»، إن صومعة أخيه كانت مغلقة تمامًا وقت أن نزلت اللجنة إليها، وأنه فور علمه بنزولها سارع إلى الصومعة وفتحها وسلم إلى اللجنة كافة الدفاتر، مؤكدًا أنه لا يعنيه أن يكون أخيه متورطًا فى ذلك بقدر ما يعنيه المصلحة العامة. وأوضح، أن الصومعة ودفاترها حاضرة وإذا ثبت التلاعب فإنه يتم حساب المقصر، مؤكدًا أن الحكومة عليها ديون ضخمة لقطاع الصوامع الخاصة ولا يجوز أن تسأل عن حقها قبل أن توفى بديونها، مطالبًا الحكومة برد كافة ديون القطاع الخاص. إقالة وزير التموين «ضرورة» من جانبه، طالب محمد الصيفي، مدير عام العلاقات العامة بوزارة التموين سابقًا، بمحاسبة وزير التموين، مؤكدًا أنه المسئول الأول عن كارثة التوريدات الوهمية هذا العام، ضاربًا مثلًا ب"رب أسرة لديه أطفال، أخطأوا .. من يحاسب الأبناء أم رب الأسرة". وقال الصيفى فى تصريحات اختصت بها جريدة "المصريون"، إن الجهات التى يجب أن تُحاسب أمام البرلمان هى بنك التنمية الزراعى ووزارة الزراعة ووزارة التجارة بجانب المسئول الأول وهو وزارة التموين، مشيرًا إلى أن مجلس النواب هو من يمتلك الآلية للمحاسبة. وألقى المسئول السابق الضوء على وجود الفساد بصوامع القمح منذ سنوات، غير أنه فى هذه السنة تم اكتشافه، مطالبًا باتخاذ خطوات عملية نحو محاكمة أفراد الحكومة المتورطين فى إهدار الملايين والاستيلاء على المال العام. اتفاق على محاسبة المقصرين من جانبه، قال مجدى البسطويسى، نقيب الفلاحين بدمياط، إن فساد الصوامع هذا العام يرجع لفساد الضمائر، لافتًا إلى أن المحصول يخرج من الأرض بأسعار حددتها الحكومة ويتم النصب على الفلاح فى عملية نقل المحصول إلى الشونة. وأكد البسطويسى فى تصريح ل "المصريون"، ضرورة محاسبة المقصرين من الحكومة سواءً كانوا وزراء أم موظفين صغار، مشيرًا إلى أن المال العام لا يمكن التهاون فيه، خصوصًا فى ظل المعاناة التى يتحملها الفلاحون طوال العام من زراعة المحصول وحصده. إسكات «تقصى الحقائق» يأتى ذلك فيما تتعرض اللجنة لضغوط كبيرة من جانب مسئولين ورجال أعمال، حيث أكد النائب ملك مكسيموس، رئيس لجنة تقصى حقائق القمح، أن «اللجنة لن يوقفها مسئول فى تفتيشها على الصوامع بينما تسير وفق معلومات وخطة لكشف هذه الوقائع للرأى العام والحكومة، والقضاء عليها ونحن نتعامل بمنتهى الشفافية فى هذا الملف لأننا جادين فى إعادة بناء مؤسسات الدولة». وقال رئيس اللجنة، إن هناك وقائع حقيقية وقضايا فساد ضخمة وجدتها اللجنة، وإن التقرير الأخير سيشمل مفاجآت، مؤكدًا أنه سيتم تقديم المسئولين إلى العدالة إذا ثبتت إدانتهم، وتراجع اللجنة بصفة دورية ما توصلت إليه الأجهزة الرقابية من معلومات. التلاعب فى الدفاتر يُضيف نقيب الفلاحين بدمياط، مجدى البسطويسى: «التلاعب يتم عند شراء القمح المستورد بأسعار 115 جنيهًا ويتم بيعه للمواطنين على أنه حكومي، ثم خلطه بالقمح المحلى الذى تستلمه الحكومة بأسعار 420 جنيهًا، ويستفيد الكبار من فارق السعر الذى يصل إلى ملايين الجنيهات». من جانبه، قال وزير الزراعة الأسبق صلاح يوسف، إن مشاكل القمح موجودة منذ عهدٍ طويل، وأن ما يتم حاليًا من اكتشاف قضايا الفساد ليست وليدة اللحظة وإنما هى قضايا لها جور، لافتًا إلى أن لديه أمنية وهى تقليل الاستيراد من الخارج على اعتبار أن الأزمة أصلها من الخارج.
وأوضح يوسف فى تصريح خاص ل «المصريون»، أن وزير الزراعة الحالى، عصام فايد، يسأل عن أسباب الهدر فى الأرض، بينما يحاسب وزير التموين على فقدان المحصول بعد ذلك، لافتًا إلى أن الحكومة أثناء توليه المسئولية كانت متفاهمة وبالتالى كانت الأزمات تحل. وأشار الوزير السابق، إلى أنه لا يعلم شيئًا عن لجنة كانت موجودة فى الأساس لوضع معايير توريد القمح من المزارعين وكان أهم هدف من أهدافها هو التفاوض الجيد مع المزارع، بحيث أنه يتم استلام القمح بسعر يرضيه ويرضى الدولة أيضًا. أما محمود عبد العزيز، رئيس القابضة للصوامع، فقد هاجم لجنة تقصى حقائق القمح، مؤكدًا أن عملها غير دقيق، خصوصًا وأن قياس القمح يحتاج إلى متخصصين والشركة التى تعتمد عليها اللجنة تقدم أرقامًا مغلوطة. وقال عبد العزيز فى تصريح خاص ل«المصريون»، إنه عندما يأتى المحصول إلى الصومعة للتخزين، فإنه يتم التحرك بعد ذلك لاتخاذ خطوات تهيئته للإنتاج، وبالتالى فإن وجود عملية قياس للشون مسألة تحتاج إلى دقة، فيتم إفراغ الصومعة من القمح وإدخاله مرة أخرى. وأوضح أن وجود عجز فى الدفاتر أو تلاعب "أمر وارد" لكن ليس بهذا الشكل الذى تُصدره لجنة تقصى الحقائق، قائلًا: "عندما يأتون إلينا نقول لهم تحركوا واثبتوا الفساد ونحن معكم، لكن عند الحديث عن مجرد تخمينات، فإننا نفضل الانتظار حتى إعلان التقرير النهائى". تجاهل الاشتباك واستيراد القمح ورغم الأزمة الحالية، تستورد الحكومة نحو 180 ألف طن قمح من أوكرانياوروسيا، لصالح القطاع الخاص بهدف توفير كميات من الدقيق للمواطنين بأسعار مخفضة، الأمر الذى يجعل من إمكانية اختلاط القمح المستورد بالمحلى «وارد جدًا». وطبقًا لوزير التموين، خالد فهمي، فإن التعاقد أبرمته هيئة السلع التموينية مع كل من أوكرانياوروسيا، بحيث يتم استيراد 120 ألف طن من روسيا و60 ألفًا من أوكرانيا بسعر موحد 173 دولارًا، ابتداءً من 10 أغسطس المقبل. وتتصاعد الأزمة يومًا بعد يوم، بشكلٍ يجعل لجنة تقصى الحقائق تعقد اجتماعات دورية وتكثف من جولاتها الميدانية داخل المحافظات، قبل أن يتمكن أصحاب الشون والصوامع من تصريف المخزون لديهم، ما ينذر بأزمة حقيقية داخل المجلس أثناء مناقشة التقرير النهائى للجنة.