العقل بالنسبة للجسم كالربان بالنسبة للسفينة بين الأمواج، فإذا عمل العقل وقام بدوره في التفكير قاد السفينة إلي بر الامان بسلام أما إذا تعطل الربان-العقل-سارت السفينة حسب إتجاه الرياح ومآلها للهلاك. أمرنا الله أن نتدبر ونتفكر باستمرار بمساعدة ما وهبنا من عقول فكلمة "يتفكرون" وردت أربعة عشرة مرة في آيات القرآن الكريم وكلمة "يتفكروا" وردت ثلاث مرات وكلمة "فكر" مرة واحدة. وصدق الله اذ يقول "ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" سورة الرعد و "يبين لكم الآيات لعلكم تتفكرون" سورة البقرة. ولأهمية التفكير في حياة الإنسان جعل غالبية الفلاسفة والمفكرين تفكير الإنسان والتجريد دليلاً علي وجوده وإنسانيته والتي تضعه في أعلي مراتب الحياة، مثل ربط الفيلسوف المعروف "ديكارت" التفكير بالحياة والوجود في مقولته الشهيرة "أنا أفكر إذا أنا موجود".ً
الغالبية في مجتمعاتنا عند مواجهة المشكلات يتعاملون معها بمنطق التبسيط والتسطيح والقفز سريعا للنتائج دون صبر أو تروي. يرجع ذلك لحالة الكسل العقلي لأن تفكيرهم يتجاهل خلفية وجذور وكذلك الظروف التي أدت بهم لتلك المشاكل، ولأن الكثير من التقليديين يفضلون التعايش-بالتعود-معها يحدث لتفكيرهم تكلس وجمود في المواقف علي أن يدفعوا ثمن التغيير في الرأي ناسين أن الفشل يعد جزء من النجاح وأن الخطأ في المحاولة ليس نهاية الطريق بل هو متعة للمبدع الحقيقي وأن كثرة الجهد ليست ضماناً للإنجازفي أغلب المواقف.
الخطر كل الخطر يكمن في تبني البعض منطق اللاموضوعية والتفاهة والسطحية عند مناقشة أمور حياتهم أو مشكلات مجتمعهم الأمر الذي ينسحب علي الأجيال الجديدة بالتأثير فيؤدي بالمجتمع للتراجع والتخلف عن ركب الأمم المتحضرة. ومن الصعب مهما فعلوا كي يجنبوا أبنائهم تلك الأفعال، حيث أنه من المستحيل أن يزدري هؤلاء حياة المنطق والعقل الموضوعي ثم يطلبوا منهم أن يمجدوها فذلك يمثل عار كبيرعليهم كما يقول الشاعر أبو الأسود الدؤلي: لا تنه عن خلق وتأتي بمثله....عار عليك عظيم.
عندنا الكثير ممن يشغلون وظائف هامة في بعض المؤسسات أو الهيئات يتصفون بالكسل الذهني والفكري ويسود عندهم منطق الفهلوة والارتجالية بالاضافة الي العجرفة والاستعلاء علي أو تعجيز البعض من مرؤسيهم حتي كانوا يفكرون خارج الصندوق لايجاد حلول جديدة أو أفكار مبتكرة تصب في إتجاه النهوض بالمؤسسة أو تقدمها، فتجدهم غالبا مغضوب عليهم ومُغتصب حقوقهم بالمقارنة بنظرائهم -الفهلويين- أولاعتقاد رؤسائهم أنهم سوف يكشفونهم وبالتالي اقصائهم من مراكزهم القيادية.
يقول دكتور زكي نجيب محمود "إن الحدث في حياتنا يحدث، فنسأل: "من أحدثه؟ قبل أن نسأل "كيف" حدث؟ وذلك لأن الفعل مرتبط بالإرادة-إرادة من بيده إرادة نافذة-وليس مرتبطاً بالتسلسل السببي الذي يربط حادثة بحادثة أخري سببت وقوعها أو تداخلت معها في أي وجه من الوجوه". مما يجعلنا في الغالب غير قادرين علي حل أبسط مشكلاتنا.
الفكر الذي لا يتجدد والرأي الذي يتجمد ويتكلس ينبع ممن يفتقر الي شجاعة النقد الذاتي أو النقد البناء من الآخرين، هذا بالاضافة الي عدم الاعتذار عن أخطائهم فهم كما يصفهم البعض "يتكبرون بفرط الجهل ويجهلون بفرط الكبر". المفكرون الحقيقيون ينتظرون بسعادة فائقة الأفكار الجديدة سواء منهم أو من الآخرين، فقديما قال الفيلسوف اليوناني هيرقليطس "لو خيرت بين فكرة جديدة أقع عليها وبين عرش فارس لاخترت الفكرة".
البعض يتبني تفكير غير منطقي أو خرافي ذلك لعدائهم الصريح للعلم لأن الاول سهل ومريح ولا يحتاج لمجهود ذهني، ولأن طبيعة البعض الكسل والركون للاستسهال غالبا ما يؤدي بهم الي الهلاك لتراكم المشكلات والتسويف في المواجهة والحل، والخطر الأعظم كما يقول د. زكريا ابراهيم في كتاب التفكير العلمي عندما يستهين البعض ويربط أفكاره الخرافية بالدين مستغلا بعض ما ورد في الدين من أمور غيبية كالروح مثلا والأستناد-خطأ-الي بعض النصوص الدينية التي تتحدث عن السحر والحسد لكي يدافعوا بشدة عن خرافاتهم وعدائهم للعلم مؤكدين دعم الدين لها والدين منها براء، فيقع البسطاء السذج من الناس حائرين بين عقيدة متأصلة فيهم وبين منهج علمي تثبت صحته علي أرض الواقع العلمي كل لحظ.
اعتماد البعض وركونهم علي أفكار غيرهم الشائعة أو السائدة والتسليم بها بالمطلق يعد من السلبيات التي تعكس الكسل العقلي، فتخيلوا لو لم يتجرأ البعض من المفكرين او العلماء-الذين أسهموا بأفكارهم وعلمهم في تقدم البشرية-في نقد المسلمات التي كانت سائدة في أيامهم والتصدي لكهنة القديم من الافكار لما تقدمت البشرية، وكما يقول بعض المفكرين "انك لن تحصل علي شيء لم تحصل عليه من قبل الا اذا قُمت بفعل جديد لم تقم بفعله من قبل".
صحيح ان من يسلك الطرق الجديدة بأسلوب علمي ومنطقي عليه أن يضحي ببعض الراحة والهدوء مقابل ترويض نفسه وروحه علي فهم وكشف الحقائق والظواهر، وتلك قد يفتقر الي تلك السلوكيات الكثير بيننا حتي من المتخصصين والمعترف بشهاداتهم الرسمية في مجالات عديدة. لذا وجب علينا أن نعتمد علي أنفسنا وننهج التفكير العلمي المنطقي والموضوعي لأن اعتمادنا علي الآخرين كي يفكروا لنا وتنازلنا عن كل حق حصري لنا في أخذ القرار هو "عبودية نفسية" ووضع النفس تحت رحمة الآخر بالاضافة الي محو الهوية الفردية التي خص الله بها البشر. يقول أحد الحكماء "انك لا تستطيع أبدا أن تكون أفضل من القدر الذي تحمله من التقدير والثقة في ذاتك".