الشهر البهي بل أبهى الشهور.. وأنقاها وأقربها للقلوب المتعطشة للسمو بعد أحد عشر شهرًا من العناء والتعب.. يأتي الشهر الكريم بعد غياب.. يأتي بخيره ورحمته وملايين الأسر المصرية تعيش تحت خط الفقر لا تجد ما توفر به وجبتي الإفطار والسحور. قد يقول البعض، هناك موائد الرحمن التي اُبتدعت منذ أحمد بن طولون حتى فيفي عبده.. وقد يقول آخر إنهم معتادون على الصيام بشكل طبيعي، فمعظم هؤلاء لا يتحصلون على وجبة واحدة في اليوم.. وجبة ربما تكون طبقًا من الفول المدمس وبعض الأرغفة؛ لا تكفي فردًا أو فردين يلتهمها ما يزيد عن سبعة أشخاص في المتوسط. رمضان يأتي وتأتي معه المتناقضات.. المقاهي الممتلئة بمدخني الشيشة والمساجد الممتلئة بالركع السجود، والدراما المفجعة الغارقة في الثراء الفاحش، حيث الفلل والقصور وعظائم الأمور؛ مما يغير صدور هؤلاء الذين يعيشون في جحورهم التي لا ترى الشمس تحت الأرض، وربما تراهم بطرف بصيرتك وهم يتساءلون: "هي الأماكن دي ف مصر؟". رمضان البهي الندي يأتي بشوشًا على الرغم من هذا.. وأصحاب الحاجات من المرضى واليتامى والفقراء والمحتاجين يتزايدون.. وترى أصحاب الملايين يتوارون بينما الناس البسطاء الذين منّ الله عليهم بقلوب رقيقة ونفوس شفيفة يتصارعون من أجل مساعدتهم. عاينت بنفسي.. كثيرون ساعدوا في تجهيز بنات يتيمات.. كثيرون مدوا يد العون لمرضى عفوفين لا يملكون ثمن حبة دواء.. كثيرون ساعدوا يتامى وكفلوهم.. ساهموا في بناء منازل سقطت على رءوس أصحابها فباتوا في العراء.. رمضان العطاء البهي الجميل يجيء وأنتظر أن تمتد أيادٍ بالخير إلى حالات تنتظر على حافة الرجاء.. زوجة عم سعيد وأم كريم التي تحيا على أمل أن يكفل أحدهم أولادها الأربعة اليتامى.. والمرأة التي هجرها زوجها واستدانت لتزويج بناتها وهى معرضة للعقاب بالسجن لأنها غارمة.. وأم محمود التي تنتظر ثمن جلسات الإشعاع لابنها لتبعد عنه شبح الموت.. حالات كثيرة تنتظر العطاء في شهر العطاء.. تنتظر الخير في شهر الخير. رمضان أتى للعبادة؛ صلاة وصياما وزكاة وأمرا بمعروف ونهيا عن منكر. نعم. ولكنه جاء للرحمة والرحمة لب العمل عبادة ومنتهى الرجاء لقبوله.. رمضان أتى نعم أتى.. ومع كل الضيق الاقتصادي الذي يعيشه المصريون أتوقع مزيدًا من العطاء مزيدًا من الرحمة والتكافل.. التصدق.. حتى ولو ببسمةٍ.. أو بشق تمرة!