تأملت قول الله تعالى " هو سماكم المسلمين من قبل " و قول المفسرين : أي اللهُ سماكم المسلمين من قبل أن ينزل القرآن ، قاله ابن عباس و قتادة و مجاهد و الضحاك و غيرهم. و قلت في نفسي لماذا تعدل بعض الجماعات الاسلامية عن التسمية بالاسم المباشر الدال على دينهم الاسلام كما سماهم الله ، و ليكونوا دعاة فقط يدعون إلى الله ضمن جماعة الاسلام العامة. و لقد تذاكرت بعض أحداث سيرة المصطفى صلى الله عليه و سلم فوجدت في سنته ما يؤيد ذلك و منها: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : بينما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يمشي في بطنِ الرَّوحاءِ إذ أقبَل وفدٌ فقال رجلٌ منهم: مَن أنتم ؟ فقال: "نحنالمسلِمونَ" صحيح بن ماجة. و في الحديث عن الحارث بن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في سياق حديث صحيح ((.. فادعواالمسلمينبأسمائِهم على ما سماهم اللهُ عزَّ وجلَّ المسلمينَ المؤمنينَ عبادَ اللهِ ))رواهأحمد والترمذي. و عن عبدالله بن أبي الهذيل قال لمَّا بنَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مسجدَهُ ، جعلَ القومُ يحملونَ ، وجعلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يحمِلُ هو وعمَّارٌ ، فجعَل عُمرُ يرتَجزُ ، ويقولُ : نحنالمسلِمونَ نَبني المساجِدَا)) رواه ابن حجر في تعليقه بفتح الباري و رأيت بعض الآثار لسلفنا الصالح في هذا المعنى ، و من ذلك قال ميمون بن مهران((إياكم وكل اسم يسمى بغير الإسلام))و عن عبد الله بن يزيد الأنصاري قال ))تسموا باسمكم الذي سماكم الله بالحنيفية ، والإسلاموالإيمان (( لقد ظهر مصطلح أهل السنة و الجماعة في صدر عصر الاسلام، فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ[آل عمران: 106] قال "فأما الذين ابيضت وجوههم: فأهل السنة والجماعة وأولوا العلم، وأما الذين اسودت وجوههم: فأهل البدع والضلالة". و أخرج الامام مسلم في صححيه عن محمد ابن سيرين انه قال : " كانوا لايسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة ، قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم ،فيُنْظر إلى أهل السنة فُيؤخذ حديثهم ،ويُنْظر إلى أهل البدعة فيُردّ حديثهم ". فظهر هذا المصطلح عندما بدأ ظهور أهل البدع من الخوارج و الروافض ، فاحتاج أهل الحق من المسلمين أن يتميزوا باتباعهم الكتاب و السنة و الإتلاف و عدم الاختلاف و الفرقة ، و لذلك قال شيخ الإسلام ابنتيمية : الواجب على كل مسلم أن يقول : أنا مسلم متبعلكتابالله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .مجموع الفتاوى 3/415. ثم لما انتسب إلى أهل السنة و الجماعة بعض الأشاعرة و المتكلمين و أصبحت تلك اللفظة تعبر عنهم في بعض بلاد الاسلام ، ظهر مصطلح السلفية للدلالة على اتباع سلف الأمة النبي صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام و تابعيهم بإحسان. هذا و إن كانت التسمية ببعض الأسماء للدلالة على المنهج الذي يتبعه الاسلام مباحة كالتسمية بالسلفية مثلا للدلالة على اتباع الكتاب و السنة بفهم السلف الصالح كما صرح بذلك كثير من أهل العلم ، إلا أنه إذا أوهمت تلك التسمية فرقة بين الناس أو تصنيفا أو حزبية أو دعوة إليها فإن العدول عنها و الرجوع إلى التسمية التي اختارها الله و رسوله لنا أولى. و لا يجوز لأي جماعة مهما علا شأنها أو كثر أتباعها أن تمتحن الناس في اسمها أو الانتساب لهاأو الموالاة و المعاداة فيها ، قال شيخ الاسلام ابن تيمية : "بل الأسماء التي قد يسوغ التسمي بهامثل انتساب الناس إلى إمامكالحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي أو إلى شيخ كالقادريوالعدوي ونحوهم أو مثل الانتساب إلى القبائل كالقيسيواليماني وإلى الأمصار كالشاميوالعراقي والمصري ،لا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بها ، ولايوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها ، بل أكرم الخلقعند الله أتقاهم من أي طائفةكان،وأولياءالله الذين هم أولياؤههم الذينآمنوا وكانوا يتقون"( مجموع الفتاوى 3/416) و لقد عدل النبي صلى الله عليه و سلم في صلح الحديبية عن كتابة "بسم الله الرحمن الرحيم" إلى بسمك اللهم و كلاهما حق بأمر الله تعالى التماسا للصلح مع قريش لمصلحة الاسلام و المسلمين و عدل كذلك عن كتابة رسول الله و كتب اسمه الصريح محمد بن عبد الله ، امرارا للصلح معهم أيضا. و ما يضير الدعوة الاسلامية إن تركالقائمون على تلك الجماعات التسمي بأسماء جماعاتهم كالاخوان و السلفين و أنصار السنة و ما شابه ذلك ، فكل مسلم له حظ من السلفية أي اتباع السلف الصالح و اقتفاء آثارهم فمقترب و مبتعد ، و المسلمونجميعهم اخوان "إنما المؤمنون إخوة" (سورة الحجرات -10) إخوان يحبون سنةالنبي صلى الله عليه و سلم و هم أنصار السنة بقدر همتهم و هكذا ، و ما رأينا بالمحصلة عن تلك الجماعات إلا تصنيفا للناس و تحزيبا لهم و جعل الانتماءات و الولاءات فيها أرادوا ذلك أو لم يريدوه. و الحاصل أن ترك التسمي بأسماءمعينة أو جماعة معينة بل و ما يسمى التكتلات أو الجماعات الاسلامية التماسا لجمع كلمة المسلمين و عدم التفريق بينهم و إزالة للحساسيات التي يراها بعض الناس في التعامل مع أولئك المنتسبين إلى تلك الأسماء أولى و أقرب للحق و الصواب ، فإن الأسماء و التكتلات كثيرا ما رأيناها تقف حجر عثرة في طريق اللحمة و الوئام بين الناس أصحاب الدين الواحد و تصد كثيرا من الناس عن التعاون مع المتسمين بتلك الأسماء ، و هي بصفة عامة تورث الحزبية و التصنيف و التقوقع داخلها.