تصاعدت حدة الأزمة بين المحامين من ناحية، والقضاة وأعضاء النيابة العامة من ناحية أخرى، على خلفية اتهام اثنين من المحامين فى مدينة طنطا بمحافظة الغربية بالاعتداء بالضرب والسب والقذف على مدير نيابة قسم ثان طنطا، وتجمهر مئات المحامين أمام مكتبه، مما أدى لاحتجازه ساعات وترديد المحتجين هتافات معادية للنيابة والقضاء. وواصل محامو الغربية اعتصامهم لليوم الثالث، أمس، وإضرابهم عن العمل احتجاجاً على قرار النائب العام حبس المحاميين «إيهاب ساعى الدين» و«مصطفى فتوح»، وتقديمهما لمحاكمة عاجلة غداً «الأربعاء» بتهمة الاعتداء على مدير النيابة «باسم أبوالروس»، وطالبوا بالإفراج الفورى عنهما. وانتقلت الأزمة إلى النقابة العامة للمحامين التى أعلنت ظهر أمس تنظيم «إضراب عام» عن العمل اليوم فى جميع محاكم مصر. وفى تطور جديد، تقدم المحاميان «المحبوسان» ببلاغ إلى المحامى العام الأول لنيابات طنطا، ووزير العدل، ضد «أبوالروس» يطالبان بتمكينهما من الحصول على تعويض مدنى منه بمبلغ 10 آلاف جنيه تعويضاً مؤقتاً عن الأضرار الناجمة عن التعدى عليهما. وعقد نحو 17 من رؤساء نوادى القضاة بالمحافظات فى مقدمتهم المستشار أحمد الزند، رئيس نادى قضاة مصر، اجتماعهم الطارئ، مساء أمس الأول فى طنطا، لبحث ما سموه «كيفية التصدى لوقائع التعدى على رجال النيابة العامة والقضاة وإرهابهم بالتجمهر والتظاهر والهتافات»، غير أن بيان المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام بإحالة المحاميين الاثنين استطاع تهدئة رجال القضاء والنيابة الغاضبين. ووصف عدد من القضاة قرار النائب العام ب«الاستباقى» الذى أنقذ الموقف هذه المرة بعكس مرات سابقة، وأشاروا إلى أن رؤساء نوادى القضاة كانوا مصممين فى اجتماعهم على اتخاذ مواقف وقرارات، موضحين أن النائب العام لم يلتفت فى الحوادث السابقة المتكررة، لإحالة المعتدين إلى النيابة العامة للتحقيق، ومحاكمتهم أمام القضاء. فى سياق متصل، أعلن نادى قضاة المنوفية، فى بيان أصدره عقب اجتماع طارئ لمجلس إدارته مساء أمس الأول، عن «انزعاجه وقلقه وفزعه» من تلك الأحداث المتكررة كثيراً مؤخراً، والتى وصفها بأنها تعبر عن شريعة الغاب والفوضى وغياب القانون واعتداء على كرامة وهيبة ووقار رجال القضاء والنيابة العامة. وأشار مجلس الإدارة فى بيانه إلى «أن ضبط النفس ليس محتملاً ولم يكن ذا جدوى فى حدث واحد، فما بالكم بتلك الأحداث المتكررة، وما قد تؤدى إليه من عواقب وخيمة وفوضى شاملة تطول المجتمع والنظام كله». فى المقابل، قررت نقابة المحامين تنظيم إضراب عام عن العمل اليوم فى جميع المحاكم، تحت إشراف النقابات الفرعية للمحامين فى المحافظات، احتجاجاً على حبس المحاميين «دون مبرر». وعقد حمدى خليفة، نقيب المحامين، مؤتمراً صحفياً بمقر النقابة، أمس، أعلن خلاله صدور قرار من النقابة بالإضراب، مشيراً إلى أن تلك الخطوات هى أولى خطوات التصعيد - على حد تعبيره - وأضاف: «ستعقبها خطوات أخرى ما لم يتم حل المشكلة». وأكد «خليفة» فى الوقت نفسه أن الأزمات التى تعيشها النقابة لم تؤثر فى حماية النقابة لأعضائها، مشيراً إلى أنه التقى النائب العام، وأكد له ضرورة إحالة عضو النيابة للمحاكمة، أسوة بإحالة المحاميين لمحاكمة عاجلة، خاصة أنه اعتدى عليهما أيضاً - بحسب «خليفة». ونظمت نقابة المحامين الفرعية فى الغربية، أمس، إضراباً عن العمل فى جميع دوائر المحاكم على مستوى المحافظة، وصل إلى 100٪ فى محاكم بسيون وقطور وزفتى، فيما رفض بعض القضاة تسجيل إضراب المحاميين فى سجل الجلسات. وهدد المحامون بتصعيد الأمر إلى إضراب عن الطعام فى حالة عدم الاستجابة لمطالبهم بالإفراج الفورى عن المحاميين، إضافة إلى تنظيم مظاهرة حاشدة غداً بالتزامن مع نظر الجلسة العاجلة التى يحاكم فيها المحاميان، وأعلن مجلس النقابة أنه فى حالة انعقاد دائم. من جانبها، كثفت أجهزة الأمن تواجدها داخل وخارج مجمع المحاكم بميدان المحطة بطنطا، الذى شهد الواقعة. كما استدعت الشرطة قوات مكافحة الشغب والشرطة السريين والعديد من ضباط المباحث الجنائية وأمن الدولة، تحسباً لحدوث أى أعمال شغب من جانب المحامين، أثناء نظر المحاكمة العاجلة للمحاميين المحبوسين على ذمة الواقعة. ورفض المستشار عبدالمنعم السحيمى، رئيس نادى قضاة طنطا - وهو الذى تدخل لإنقاذ «أبوالروس» من تجمهر المحامين ونجح فى إخراجه من مكتبه - ما يردده المحامون حالياً حول اعتداء «أبو الروس» بالضرب على المحاميين، مؤكداً أن المحاميين اتهما مدير النيابة أمامى فى البداية بإهانتهما بالألفاظ، وليس بالتعدى عليهما بالضرب، غير أنهما غيرا أقوالهما بالتحقيقات، مشيراً إلى أن المحاميين عرضا علينا التصالح، وقال: «إن ما حدث هو حصار ل(سراى نيابة طنطا)، وأضاف: «لو لم أتمكن من إخراج مدير النيابة لظل رهين الحبس فى مكتبه ساعات، لكنهم تعقبوه أثناء خروجه من نيابة الاستئناف». وأشاد «السحيمى» بقرار النائب العام الذى اعتبره رادعاً فى تلك الواقعة، وحقق ما كان يطالب به جموع القضاة من إحالة المعتدين للمحاكمة حتى تأخذ العدالة مجراها. وقال المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض: إن الأزمة الحالية بين المحامين والقضاة ناتجة عن منطق الاحتكام إلى القوة الذى يسود مصر حالياً، ووصف ما يحدث بأنه «عملية انتحارية» لسيادة ودولة القانون، وقال متسائلاً: «ما الجدوى من عمل المحامين إذا كان أمامهم قضاة وأعضاء نيابة خائفون ومرتجفون بفعل مظاهراتهم وتجمهراتهم المتكررة؟!». وأعرب المستشار محمد عزت عجوة، رئيس نادى قضاة الإسكندرية، عن عدم رضاه عن الواقعة بشكل عام، مؤكداً أنها عرضية ولن تتكرر مستقبلاً، وطالب «عجوة»، نقابة المحامين، بتوعية أعضائها من المحامين بحسن معاملة أعضاء النيابة العامة، وأن يعرف كل من الطرفين حقوقه وواجباته والتزاماته تجاه الغير.