«مدبولي»: إنشاء وحدة دائمة لريادة الأعمال والشركات الناشئة تابعة لمجلس الوزراء    معلومات عن ملعب رادس قبل مباراة الأهلي والترجي.. «وش السعد على الأحمر»    نصائح مهمة من طارق يحيى للاعبي الزمالك وجوميز قبل مواجهة بركان    تجديد حبس شخص دهس أسرة أثناء عبورها الطريق بحلوان    4 طرق لحجز تذاكر قطارات عيد الأضحى 2024.. السكة الحديد تكشف التفاصيل    تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. «فاق من الغيبوية»    عزة مصطفى: عادل إمام شخصية وطنية.. وكل الشرائح العمرية تحب أعماله    تحت رعاية القاهرة.. توثيق شهادات لجرحى غزة    تقرير: أوكرانيا في وضع سيء جراء القيود الأمريكية على استخدام الأسلحة    فتح: مصر تصدت لمحاولة تهجير الشعب الفلسطيني إلى سيناء    المعارضة الإسرائيلية: على جانتس الاستقالة اليوم    وزير التعليم: لدينا 46 ألفًا و994 طفلًا من ذوي الهمم.. و159 ألفًا و825 بمدارس الدمج    بالخطوات.. طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الابتدائية 2024    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    رسميًا.. إشبيلية يعلن رحيل مدربه بنهاية الموسم    محكمة النقض تعيد طلب إدراج 1526 متهما على قائمة الإرهابيين إلى الجنايات لنظره من جديد    «معلومات الوزراء» يعلن أجندة وبرنامج عمل مؤتمره العلمي السنوي بالتعاون مع جامعة القاهرة    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم توكتوك مع ميكروباص في المنيا    قائمة بأرخص السيارات المجمعة محليًا في مصر.. تبدأ من 590 ألف جنيه    غضب عارم ضد حكومة نتنياهو.. ووزير يرفع السلاح في وجه المتظاهرين    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 18 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    تاني تاني.. تغيير جلد ل غادة عبد الرازق وأحمد آدم    4 نصائح للسيطرة على مرض السكري بشكل طبيعي    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    عدد من طلاب الكلية الحربية يزورون مستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    نجم الترجي السابق ل «المصري اليوم»: إمام عاشور قادر على قلب الطاولة في أي وقت    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    «التمريض» تطلب من وزير المالية إعادة النظر في الدعم المقدم للفرق التمريضية    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    اليوم ختام رايز أب 2024 بحضور رئيس الوزراء    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    انطلاق امتحانات نهاية العام 2024 ب«أعمال الإسكندرية».. وعميد الكلية يتفقد اللجان (صور)    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنيس الخراب.. هل هو نذير بخراب إسرائيل؟

تأتى إعادة بناء كنيس الخراب فى إطار خطة عملية وضعها الحاخام إلياهو بن شلومو زلمان، المعروف بجاءون فيلنا (القرن 18)، تهدف إلى التعجيل بزمن الخلاص ومجىء المسيح المخلص.
وفكرة الخلاص فكرة قديمة، وكان أول ظهور لها عند قدماء الفرس، وقد ارتبطت بالفكر الألفى، فالديانة الزرادشتية ترى أن تاريخ العالم ينقسم إلى عصور ألفية، وأن نبيهم «زرادشت» قد نزل بعد خلق العالم بثلاثة آلاف سنة لكى يهدى الناس إلى الدين الحق، وسوف يأتى على العالم بعد زرادشت ثلاثة آلاف سنة أخرى، يظهر فى نهاية كل ألف سنة منها مخلص يولد من نسل زرادشت، وحين يولد آخر مخلص من المخلصين الثلاثة (المخلص الحقيقى) تبدأ المعركة الأخيرة بين قوى الخير وقوى الشر وتنتهى بهزيمة الشر إلى الأبد.
وقد تأثر اليهود بفكرة الخلاص هذه أثناء فترة سبيهم فى بابل 586 ق.م، وعلى حين لم يختلفوا حول شكل الخلاص ورأوا أن المخلص سوف يكون ملكاً فذاً من نوعه قوياً عادلاً ممسوحاً بالزيت المقدس «مسيحاً» يحقق لهم السلام الأبدى ويجمع شتاتهم، فإنهم اختلفوا حول كيفية حدوث الخلاص، فرأى فريق أن الرب سوف يتدخل ويصنع معجزات، ومثلوا لذلك بما حدث مع موسى عليه السلام، عند الخروج من مصر، فقد نظروا إلى موسى عليه السلام، على أنه المخلص الذى أرسله الرب ليخلصهم من اضطهاد فرعون، وأجرى الرب المعجزات على يديه فى مصر وعند الخروج منها ونظروا إلى الخروج من مصر على أنه خلاص.
أما الفريق الآخر فيرى أن الخلاص من الممكن أن يتحقق على يد البشر ودون تدخل إلهى مثلما حدث عند خروجهم من بابل، فقد خرجوا تحت قيادة عزرا ونحميا النبيين بأمر ملكى أصدره الملك الفارسى كورش، فكورش هو المخلص الذى خلصهم من السبى البابلى دون تدخل إلهى أو حدوث معجزات.
وقد استمرت هذه الازدواجية فى الفكر اليهودى كما ظل حلم الخلاص يراودهم ويداعب خيالهم كلما تعرضوا لمحنة أو مروا بضائقة، لذلك ظهر الكثير من المسحاء الذين اعتبروا من وجهة النظر اليهودية مسحاء كاذبين، ومن أبرز الفترات التى ارتبطت بالفكر المسيحانى ومجىء الخلاص، فترة الاحتلال الرومانى عندما حاول الرومان فرض الثقافة الهلينستية على اليهود قسراً، وفترة الحروب الصليبية، ومطلع الألفية الثالثة.
لقد شهدت فترة الحكم الرومانى التى تسمى فى التاريخ اليهودى الفترة المكابية أو الحشمونية، ظهور جماعة من اليهود يسمون «قنائيم» أى غيورين، وعرفوا أيضاً باسم «سيقاريم» أى سفاحين، وقد تميزوا بالتطرف الشديد واستخدام العنف، وكانوا يمارسون العنف ويقتلون كل من يتعدى الشريعة اليهودية، ومن يتعاون من اليهود مع الحكام الرومان، وكانوا لا يعترفون بأى سلطة مدنية، وكانوا يفضلون الموت على أن يخضعوا للحكم الرومانى.
وقد جلبت هذه الجماعة الدمار لليهود وقضى عليهم تيتوس عام 70م، وقام بتدمير المعبد اليهودى، وفى ظل هذه الظروف ظهر بين اليهود كاهن من الأسرة الحشمونية يسمى شمعون عام 130م، وأعلن أنه المسيح المخلص وأعلن التمرد ضد الرومان، وقد التف اليهود حوله وحظى بتأييد علماء الشريعة، وعلى رأسهم الربى عقيفا، فما كان من الجيش الرومانى إلا أن قام وقضى على الوجود اليهودى فى فلسطين نهائياً، وكعادة اليهود فقد اختلفوا حول «القنائيم» كتنظيم إرهابى، فيرى فريق فى منهج هذه الجماعة وفى الفترة المكابية عموماً أنها تمثل مصدراً للإلهام على الصعيد السياسى والدينى والعسكرى، بينما يرى فريق آخر أنها كانت وبالاً على اليهود، فقد تسببت فى الدمار والشتات الذى حل باليهود ويتوجسون خيفة أن تتكرر هذه المأساة.
الفترة الثانية هى فترة الحروب الصليبية، فى القرنين الحادى عشر والثانى عشر الميلاديين، التى اكتوى بنارها اليهود والمسلمون فى الشرق وفى الأندلس نظراً لانتشار التعصب بين أتباع الديانات جميعاً، وعلى حين كانت تدور رحى الحرب فى الشرق لاسترداد أورشليم من أيدى المسلمين، كانت حروب الاسترداد تدور رحاها فى الأندلس لتطهير إسبانيا دينيا وعرقياً، لذلك طرد اليهود مع المسلمين ولم يسمح لهم بالبقاء فيها حتى لمن أراد منهم أن يتنصر، وخلال هذه المحنة ظهرت النبوءات التى تتوقع مجىء الخلاص، وظهر ثلاثة مسحاء أحدهم فى فرنسا والثانى فى قرطبة والثالث فى فاس بالمغرب،
 وبعد أن ثبت أنهم مسحاء كاذبون، وبعد أن قتل من اليهود من قتل وطرد من طرد، تسرب اليأس إلى نفوس الكثيرين منهم، وكفروا باليهودية مثلما حدث للشاعر والفيلسوف والطبيب يهودا اللاوى المتوفى 1140م، عنئذ تصدى الفقيه موسى بن ميمون «1135-1204م» صاحب المعبد الذى تم ترميمه مؤخراً، وكان من بين اليهود الذين طردوا من الأندلس، وقام بتجديد الخطاب الدينى اليهودى كى يستطيع أن يصمد أمام هذه المحنة، ووضع ثلاثة عشر ركناً للإيمان اليهودى، ومن بينها هذا الركن: «أنا أؤمن إيماناً كاملاً بمجىء المسيح ومهما تأخر فإنى أنتظره كل يوم».
أما الفترة الثالثة فقد بدأت عند التفكير فى إقامة دولة لليهود فى العصر الحديث، فلقد انقسم اليهود المتدينون بشأنها ورأى فريق منهم أنهم بإنشاء دولة إسرائيل يمهدون الطريق للمسيح المخلص، بينما رأى الفريق الآخر، وعلى رأسهم طائفة «ناطورى كارتا»، فى إقامة إسرائيل تحدياً لمشيئة الرب واستعجالاً للخلاص، ومن ثم فهم يكفرون الدولة وجميع مؤسساتها، وقد تظاهروا، منذ أيام، فى تل أبيب فى ذكرى الاحتفال بإقامة إسرائيل وأحرقوا العلم الإسرائيلى، ورشقوا سيارات الشرطة الإسرائيلية بالحجارة، وقد بلغت التوقعات المسيحانية الذروة مع حلول الألفية الثالثة (2000) وفق التأريخ الميلادى، وهى الألفية السادسة وفق التأريخ اليهودى الذى يؤرخ منذ خلق العالم فتزايد نشاط الجمعيات والمنظمات الداعية إلى إقامة الهيكل الثالث وإقامة دولة دينية تحكم بالشريعة،
وبدأت الطائفة الحريدية الإشكنازية - التى هاجرت إلى إسرائيل وأقامت فى القدس فى إطار خطة محكمة وضعها جاءون فيلنا ونفذها تلاميذه بهدف تعجيل الخلاص - تكثف الاستيطان والوجود اليهودى فى القدس، وتشترى المبانى والأراضى المجاورة لحائط البراق والمجاورة لأبواب المسجد الأقصى أو تصادرها، وراحت تطالب بإعادة بناء المعابد التى تخربت، فالألف السادس فى خطة جاءون فيلنا فترة إعداد لقدوم المسيح، وهو يتوقع حدوث الخلاص فى نهاية الألف السادس، ونحن الآن فى سنة 5770 وفق التأريخ اليهودى،
 أما الألف السابع الذى يناظر يوم السبت فهو بداية الحكم الألفى، أى إقامة مملكة الرب على الأرض، ويرى جاءون فيلنا أن استعجال الخلاص ليس ممكناً فى أى وقت، ولكنه مرتبط بفترات بعينها، ولذلك فهو يولى أهمية قصوى فى خطته لاختيار التوقيت والظروف المناسبة لبدء العمل، كما يرى أنه من الممكن أن تحدث معجزات فى نهاية الأمر، لكن بإمكان المرء أن يصنع الخلاص بإرادته وبوسائله وفق خطة وضعت منذ البداية بيد الإنسان لا بيد الرب.
وقد وافقت الحكومة الإسرائيلية على إعادة بناء كنيس الخراب عام 2001م، وبدأت عملية إحياء للطقوس التى كانت تتم فى الهيكل، وبدأ فى مستوطنة (مصفة أريحا) الإعداد لبناء الهيكل فى تكتم شديد، كما يتم تدريب الكهنة على القيام بالطقوس، وبدأ البحث عن البقرة الحمراء التى سوف يستخدم الرماد الناتج عن حرقها فى تطهير الكهنة لكى يكونوا صالحين من الناحية الشرعية للقيام بالخدمة فى الهيكل، فتطهير الكهنة شرط ضرورى لإحياء الطقوس والشعائر المتعلقة بالهيكل،
 وعلى الرغم من التقدم العلمى الهائل فى علم الهندسة الوراثية، وعلى الرغم من التمويل السخى الذى ينهال على إسرائيل من جميع أنحاء العالم، فلم يتمكنوا من استنساخ بقرة حمراء بالمواصفات التى جاءت فى كتب الشريعة، ووفقاً للخطة التى وضعها جاءون فيلنا فإن افتتاح كنيس الخراب بمثابة إشارة للبدء فى بناء الهيكل الثالث، أى تدمير المسجد الأقصى، وقد تصدى عدد من الهيئات فى إسرائيل لمنع هذا الأمر، وحذروا من المساس بالمسجد الأقصى، ورأوا أن المساس به سيكون بمثابة الشرر الذى سيشعل حروباً دينية فى المنطقة.
وفى الحقيقة، فإن الخطر الأكبر الذى استشعرته هذه الهيئات سببه أن هذه الجماعات الدينية والمنظمات المتطرفة لا تقبل الآخر بمفهومه الواسع، أى أنها لا تقبل الآخر المخالف لها فى العقيدة، ولا تقبل اليهودى الذى يخالفها الرأى أيضاً، وأن هذه الجماعات المتطرفة قد أعادت للأذهان صورة «القنائيم» الذين تسببوا فى زوال الوجود اليهودى من فلسطين وفى شتات اليهود فى جميع أرجاء العالم، ولذلك تخشى هذه الهيئات أن يكرر التاريخ نفسه ويكون فى تدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث نهاية دولة إسرائيل،
وتستند هذه الهيئات إلى نبوءة «مضادة لنبوءة حاخام فيلنا» وردت فى سفر إشعياء 8/14-15: «ويكون مقدساً وعقبة وصخرة عثرة لبيتى إسرائيل وفخاً وشركاً لسكان أورشليم، فيعثر بها كثيرون ويسقطون فينكسرون ويعلقون فيلقطون».فهذه النبوءة ترى أن إقامة الهيكل الثالث بمثابة فخ وشرك ستقع فيه إسرائيل وسيكون سبباً فى سقوطها وانكسارها، أى أن كنيس الخراب فى هذه الحالة سيكون نذيراً بخراب إسرائيل.
* أستاذ الدراسات التلمودية والأدب العبرى الوسيط جامعة عين شمس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.