جاءت نتائج الانتخابات كما هو متوقع فى أحد السيناريوهات: مرسى ضد شفيق فى الإعادة. على هامش هذا، لم أندهش إطلاقا من صعود صباحى، فقد راهنت على صعوده، اعتمادا على ظرف دولى من تصويت الفرنسيين لمرشح «سوشيالى» Socialist، وتصويت الكثير من المصريين فى فرنسا له، مما أثر على مصريين آخرين فى الخارج، ولما أعلنت نتائج الخارج عاكسة تقدمه إلى حد ما، انعكس هذا التقدم فى داخل مصر أيضا. هذا طبعا فى ظل تأثير المناظرة التى جعلت كلا من أبوالفتوح وموسى يبدوان كأنهما ليسا «كما يكفى». فتأصلت لدى الناخب المصرى فكرة «إخوانى بشرطة» أو «استقرارى بشرطة». وبالتالى كثيرون فضلوا «المُركّز» وليس «المُخفّف»، فذهبوا إما لمرشح تيار الإخوان «الأصلى» أو لمرشح تيار الاستقرار «الأصلى» أو لمرشح تيار البديل السياسى «الأصلى» أيضا. إذن النتائج غير صادمة على الإطلاق، وتعكس فعلا توجهات حقيقية فى المجتمع. الإخوان حصلوا على 25.5٪ أى الربع فقط. ثم حصل تيار «الأمن والاستقرار» على 24.8٪ أى الربع فقط أيضا. وحصل تيار صباحى كبديل سياسى على 20٪ فارقة. وجاء فى الآخر من نُظر إليهم على أنهم «بين البينين» أبوالفتوح 18٪ وموسى 12٪. السؤال الآن: كيف سيصوت المصريون فى انتخابات الإعادة؟ من هذه المعطيات، يبدو أن من سيفوز لن يفعل بأغلبية ساحقة، وإن حدث هذا فسيكون فى ذلك رحمة. فشتان بين أن تفوز بنسبة 51٪ أو أكثر بقليل وأن تفوز ب89٪ مثلا! الضغط من النسبة الكبيرة «الخاسرة» سيكون بما يكفى لجعل الفائز يضطر اضطرارا لأن يصبح رئيسا لجميع المصريين. هذا أمر نحن بصدد التمرن عليه إذا سلمنا بأن هذه الانتخابات هى الأولى فى سلسلة انتخابات قادمة، وليست الأخيرة. فلا تتعرقل، مثلا، جولاتنا القادمة نظرا لتبريرات «عسكرية» فى صورة «انقلابات مستدامة»، كما حدث فى تاريخ تركيا الحديث، فتُصر المؤسسة العسكرية على أنها وحدها القادرة على طرح رئيس يعرف معنى الانضباط والحزم والقيادة ويحافظ على «الاستقرار»، ماحية ما يراه بعضنا ضرورة حتمية فى اللحظة التاريخية الراهنة أن نؤصِّل لفكرة ممارسة السياسيين وليس «العسكريين» العملية السياسية. فى شكل آخر، قد تنتهى رحلتنا مع انتخابات تداول السلطة بين تيارات سياسية مختلفة نظرا لتبريرات تتخذ من «الدين» تأويلات خاصة تنتج ما أنتجه نظام الحكم بعد الثورة الإيرانية فى صورة «ولاية الفقيه» مثلا، وهو الآلية السياسية التى ابتُدعت ابتداعا عقب ثورة 1979 الشعبية الجامعة. ولعل فى دور «مجلس شورى الجماعة» و«المرشد» بذوراً قابلة للتأسيس لآليات حكم «مُبتكرة» أيضا، بمعنى أصح ما لم تكف جماعة الإخوان المسلمين عن اعتبار حزب الحرية والعدالة «الذراع السياسية» لها وليس حزبا سياسيا حياديا جامعا، ذا مشروع له قيمته وقدرته التنظيمية التى تجعل له مزايا إدارية مهمة. لذلك إذا أصررنا على أن الرئيس القادم سيكون رئيسا فى سلسلة من رؤساء لاحقين، فيجب علينا الاختيار والمفاضلة بين شفيق ومرسى، كى نكون جميعا جزءاً من المشكلة وكذلك جزءاً من الحل، وليس فقط متفرجين. فالأسهل الآن أن نقاطع اعتراضا على ما أفرزه «تصويت شعبنا» فى هذا الظرف التاريخى، لكننا سنكون بذلك قد وصلنا للمربع الأول الحقيقى، وهو ليس إعادة إنتاج النظام السابق، أو «تكويش الإخوان على كل حاجة كحزب وطنى جديد» كما يتردد. المربع الأول هو الاغتراب السياسى لدى الشباب Political Alienation بحيث يشعر تيار «البديل السياسى» أنه خسر وخسر للأبد. ليس الوضع كذلك. ولكن كما كان الحال مع إقلاع البرادعى عن فكرة الترشح، كان على أنصاره المفاضلة والاختيار، وقد فعل الكثير منهم. ومع استبعاد أبوإسماعيل مرشحا، كان نفس الشىء أيضا على أنصاره. الآن مع خروج حمدين وأبوالفتوح وموسى وكل الآخرين من سباق يُحسب لهم شرف خوضه، أعتقد مازال علينا مواجهة الامتحان الصعب وهو عملية المفاضلة، لا لشىء إلا لأن نكون جميعا جزءا من المشكلة أولا، وبالتالى جزءا من الحل. بعد أن خرج مرشحى الأصلى فى الدور الأول، ماذا إذا نجح من سأصوت له، وكانت كارثة؟ سأكون جزءاً من المشكلة وبالتالى سأشعر بأنه على أن أكون جزءاً من الحل فيما يلى. وماذا إذا نجح من لم أصوت له وكانت كارثة أيضا؟ سأكون قد حاولت معادلة الكفة الأخرى كى تكون نتيجته فى حيز ال51٪ أو يزيد وليس الأغلبية المطلقة فى ظرف تاريخى مثل هذا. مازلت أفكر هنا بصوت عال. فعلى أن أتأمل وأقرر من سأنتخب. ولدينا بضعة أسابيع كى نفعل ذلك. فليعنا الله. [email protected]