تناول د. يوسف زيدان فى مقالته المنشورة فى «المصرى اليوم» بتاريخ 24/2/2010، تحت عنوان (الأرثوذكسية اليهودية وتقديس التلمود) تعريف التلمود ومنزلته عند اليهود. وقد ضمن المقالة الكثير من المعلومات المتخصصة، بعضها يحتاج إيضاحاً والبعض منها يحتاج تصويباً، خصوصاً أن د. يوسف قد أشار فى نهايتها إلى أن هذه هى المقالة الافتتاحية لسلسلة من المقالات التى ينوى كتابتها حول الموضوع نفسه. 1- هناك خلط فى المقالة بين مصطلح «مشنا» ومصطلح « تلمود» من حيث حجم كل مؤلف منهما، ومن حيث مادته. فالتلمود (البابلى) وهو الأكبر والأشمل، لا يتكون من ستة مباحث، كما جاء فى المقالة، ولكن «المشنا» أو المثناة، هى التى تقع فى ستة أجزاء أو كتب، وتضم ثلاثة وستين مبحثاً أو باباً. ولم تحظ كل مباحث المشنا (أى المتن) بالشرح والدراسة (جمارا)، فقد شرح الفقهاء اليهود سبعة وثلاثين مبحثاً فقط من مباحث المشنا، أى أن عدد المباحث التى يطلق عليها اسم «تلمود» سبعة وثلاثون مبحثاً فقط. أما من ناحية المضمون، فالمشنا عبارة عن تشريعات فقط كتبت بلغة شديدة الإيجاز، وبدأت إرهاصاتها أثناء السبى البابلى، وهى تجديد للخطاب الدينى التوراتى، ونسخ لتوراة موسى عليه السلام، وقد اشترك فى وضعها عدة أجيال من علماء اليهودية (ربيون) وقد قامت عدة محاولات لتجميع هذه التشريعات وتنسيقها، أشهرها المحاولة التى تنسب للربى عقيفا، والمحاولة التى تنسب للربى ميئير، وآخرها المحاولة التى قام بها يهودا هناسى فى مطلع القرن الثالث الميلادى. فيهودا هناسى لم يكتب التلمود (كما جاء فى المقالة) ولم يكتب المشنا، ولكن يرجع الفضل إليه فى بلورة تشريعات المشنا وتنسيقها فى مجموعات. وقد استبعد مجموعة كبيرة من التشريعات أطلق عليها اسم «برايتا». فالمشنا إذن ليست عملا فرديا ولم تدون أو تكتب فى القرن الثالث الميلادى، وظلت تروى وتدرس شفاهة فى المعاهد الدينية ومراكز الدراسة فى بابل وفلسطين. وقد جاء فى تفسير سفر الخروج الكبير (شموت رابا) أن اليهود قد نهوا عن تدوين الشريعة الشفاهية إذ جاء : أمر الرب موسى عليه السلام أن يدون أسفار التوراة والأنبياء والمكتوبات، ونهاه عن تدوين التفاسير (مدراشيم) والتلمود. أما «الجمارا» وهو الشق الثانى من التلمود، فهو عبارة عن تسجيل حى للنقاش المفتوح الذى كان يدور بين الدارسين والمتفقهين فى المعاهد الدينية «بيت همدراش» فى بابل فى شهرى (آذار وأيلول)، وكانوا يدرسون كل شهر باباً واحداً من المشنا ويحددون باباً آخر للدراسة فى الفترة القادمة. وكانت إدارة النقاش تتم وفق نظام ثابت ومحدد. 2- هناك خطأ فى المقالة يتعلق بتأريخ تدوين التلمود. فلم تكتمل كتابة التلمود (المشنا والجمارا) فى القرن الخامس الميلادى (كما جاء فى المقالة)، فلا يعرف بالتحديد متى دونت هذه الشريعة الشفاهية، ولم يفصل إلى الآن فى زمن تدوين التلمود، ويبدو أن اليهود اضطروا إلى تدوينه، وتعدوا ما نهوا عنه، عند شعورهم بالخطر بعد ظهور الإسلام وانتشاره بسرعة فائقة، وبعد دخول الكثير من أحبار اليهود فى الإسلام، فقد أدرك اليهود عندئذ أنهم إن لم يدونوا هذا التراث الشفاهى فإن مصيره إلى الفناء والاندثار لا محالة. ولقد وجد علماء اليهود فى كتب التفسير الإسلامية النموذج والقدوة فنقلوا عنها الكثير من المصطلحات التى لا يتسع المقام لذكرها، ولهذا السبب تتعمد معظم المصادر اليهودية أن تذكر أن الشروح التى قامت على متن التلمود قد انتهت فى نهاية القرن الخامس الميلادى لكى تستبعد وتنفى أى احتمال لوجود تأثيرات إسلامية فى التلمود، على الرغم من أن أقدم نص مكتوب للتلمود وهو مخطوط أوكسفورد يرجع إلى عام 1123م، ويضم أبواباً متفرقة من التلمود البابلى، ويرجع مخطوط المتحف البريطانى للقرن الثانى عشر الميلادى أيضاً وهو يضم بعض أبواب من التلمود. وبناء على ما سبق، فالتلمود لم يدون فى عصر فقهائه، ولكن تم تدوينه بعد تدوين كتب التفاسير الإسلامية، التى بدأ تدوينها فى القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى)، وقد تأثر التلمود بها. 3- أما عن ترجمة التلمود إلى اللغة العربية، فأحب أن أوضح أن أول ترجمة عربية لمبحث من مباحث المشنا، هى الترجمة التى قامت بها د. أمينة سرور عام 1982، لمبحث النكاح «قيدوشين». وقد أرفقت بالترجمة تعليقاً على النص العبرى وعقدت مقارنة بينه وبين أحكام النكاح فى كتب الفقه الإسلامى. ثم توالت بعد ذلك ظهور ترجمات لنص المشنا، فقمت فى عام 1995 بترجمة مبحث عقود الزواج «كتوبوت» من المشنا وهو يعد بمثابة قانون الأحوال الشخصية عند اليهود. وقد توليت الإشراف على العديد من أطروحات الماجستير والدكتوراة فى مجال دراسة المشنا والتلمود سواء من الناحية اللغوية أو من الناحية التشريعية أو الفقهية. وقد حرصنا فى جامعة عين شمس على أن يلحق الباحث ترجمة للمبحث أو للمباحث موضوع الأطروحة. وسيصدر خلال أيام بإذن الله، ترجمة المبحث الأول من التلمود وهو الدعاء «براخوت»، وسيصدر عن الدار الثقافية للنشر فى ثلاثة أجزاء وهو عمل مشترك يجمع بينى وبين تلميذى علاء تيسير، المدرس المساعد المتخصص فى الدراسات التلمودية. كما سيصدر خلال أيام أيضاً عن الدار نفسها كتاب لى تحت عنوان مدخل إلى دراسة التلمود مع ترجمة نماذج مختارة. 4- أما عن المحاولة (المصرية/ اليهودية) لترجمة التلمود التى صدر منها جزء واحد، فقد أسعدنى الحظ ودعانى أستاذى د. رشاد الشامى رحمه الله، إلى كتابة مقدمة نقدية تحليلية لهذه الترجمة، وقد صدرت فى كتاب عن الدار الثقافية للنشر عام 2004، تحت عنوان «التلمود أصله وتسلسله وآدابه». أستاذ الدراسات التلمودية كلية الآداب – جامعة عين شمس