يسحرنى الثلج حين يعترش الجبال والحقول كعرائس الأساطير المتبخترة على بساط لؤلؤى.. تزفها قلوب عذراء تتساقط رذاذا ثلجيا كزهور الياسمين.. ليأخذنى ذلك فى رحلة غيبوبة رومانسية تفك إسار الروح وتطلقها من سجن الحيرة والتناقضات والصراعات ونار الفوضى إلى دفء الطبيعة النفسىّ رغم كل ما يجتاحها من صقيع.. ثلاث ساعات بين «بورشجرن» و«مطار أوسلو» كنت أمنّى فيها النفس بالتحرر ولو لساعات من قيود الواقع لولا رسالة جاءتنى محمولة على وردة حمراء تقول «هابى فالنتاين» أيقظتنى من حلم أبيض على كابوس دموىّ حتى تهيأ ت لى خيوط الجليد الزجاجية المتدلية من بين الصخور كأنها رؤوس سيوف.. والجداول دماء كأننى والسعادة فى خصام وإن كان من أجل وهم.. فهكذا يُسْتَفَز غضبى الأزلى كلما حلّ عيد الحبّ «الفالنتاين» كأن الحبّ الذى يجسد الإنسانية بكل تفاصيلها لا تجود به إلا ذكرى «قتيل الحب.. القديس فالنتاين» ووردة صاخبة اللون و«دبدوب» أحمر.. متناسين أنه احتفالية حياة مع كل نبضة قلب سليم.. وكلّ قطرة عرق تنضح من جبين الوفاء من أجل بناء وطن.. وكلّ نيّة تجرّدت عن المصالح الحزبية والطائفية والعرقية والشخصية تتبلور عملاً من أجل رفعة وأمن واستقرار وطن.. وباقات ورود وفاء تُنثر تحت قدمى ذكرى كل شهيد بذل دماءه من أجل شرف الوطن.. الحب لا يعبّر عنه يوم يتيم فى السنة نكفّر به عن ذنوب تُرتكب فى حق الوطن والآخرين.. ولسان حالنا يتمتم «ما بين عيد حبّ والآخر كفارة لما بينهما من أحقاد وحسد وخلاف وعبث وجرح مشاعر وذبح حلم».. فأى عيد هذا الذى يزيدنا جهلاً فوق جهل الجاهلين.. وأى طقوس مستوردة تلك التى تستهلك طاقات ومجاملات ومال فى غير موضعه؟! كأننا عالم لا يعرف غير الثرثرة والنوم والإسراف الذى تجاوز الخمسة مليارات سنويا على شعوذة وسحر ومناسبات لهو.. بينما تستهلك إسرائيل تسعة مليارات سنويا لبناء مؤسستها العسكرية! وأى عيد حبّ والشعب يذبح فى سوريا والنظام يصول ويجول فى ساحات القتل تحت أنظار العالم لا يضع حسابا لإنسانية ودين ومنظمات حقوق إنسان وعدل. متحصنا بروسيا والصين وإيران وحزب الله والعراق؟ وهناك من يستنجد بجيوش الغرب وأمريكا للتدخل لحماية المدنيين من بطش النظام، بينما جيوشنا مشغول بعضها بصدّ الحجارة والبعض يغفو على أكوام أسلحة عليها صدأ الاستعراضات والمنطقة يعمّها الخوف من أى مغامرة أمريكية حمقاء سواء ضد سوريا أو إيران تشعل فتيل حرب مدمرة. أى عيد حبّ وموائد التقسيم عامرة بالخطط والمرتزقة المنفّذين وعلى رأسهم منظومات إعلام فاسدة أسقطت قطرة الحياء فى وحل الفتنة واستفزاز طرف ضد الآخر علنا ودون وازع من ضمير، وإسرائيل تترقب لتلتهم ما تصبو إليه وما يؤمّن وجودها ويحقق حلم الدولة الكبرى؟.. أى عيد حب ورغبة سقوط الدولة والحرب الأهلية تداعب أحلام الجياع لأوصال الوطن تحت مسمى «اللهو الخفى».. والديمقراطية الحلم صارت مجرد مادة للادعاءات يفضحها التناحر على الكراسى وديكتاتورية الرأى والحوار؟.. أى عيد حب نريد ونحن أجهل الناس بما نريد؟ أى حبّ؟.. الحب الحقيقى وثيقة تُكتب بالخشوع والسجود فرضاً ونافلة.. ولسان رطب معطّر بذكر من تحب.. وأنفاس تتصاعد دعاء صادقا معززاً بالعمل لعودة الاستقرار وصفاء النفوس.. فلا تبعث لى عزيزى «وردة فالنتاين الحمراء» بل وردة حب صاف بيضاء تجديداً لعقد ولاء وعهد وفاء لمن نحب.