أثناء متابعة كارثة بورسعيد عبر قنوات التليفزيون، شاهدت الفضائية المصرية، وراعنى حوار مذيع مع وزير الداخلية، فقد كان المذيع منفعلاً على نحو يفتقد ألف باء المهنية، بل ألف باء اللياقة، فالمذيع ليس من حقه أن ينفعل، وواجبه يحتم عليه أن يكون محايداً فى أى حوار مع أى شخصية، وكم كان العقاد على حق عندما قال إنه كلما ارتفع الصوت كان ذلك يعنى انخفاض الحجة! والمدهش أن وزير الداخلية طلب من المذيع أن يهدأ أكثر من مرة، ومع ذلك ظل ثائراً.. وهكذا فهم المذيع كيف يتغير التليفزيون من جهاز يخدم الحكومة إلى جهاز يخدم الشعب الذى ينفق عليه وعلى الحكومة، ومن البدهى أن هذه الطريقة فى الحوار لو حدثت قبل الثورة، وكان ذلك من المستحيل، لتمت إقالة وزير الإعلام، وليس المذيع فقط.. لكن التغيير المطلوب ليس الانتقال من خطأ إلى خطأ من نوع آخر، وإنما من الخطأ إلى الصحيح، أى الالتزم بالقواعد المهنية. إن متابعة أحداث أثناء وقوعها فى التليفزيون هى الامتحان الأكبر لمهنية هذه القناة أو تلك، وهذا المذيع أو ذاك، والمشاهد يرى التليفزيون ليعرف معلومات دقيقة، ويطلع على آراء خبراء لهم مصداقيتهم العلمية والأخلاقية، وليس ليرى مدى انفعال هذا المذيع أو ذاك بالحدث. وما إن انتهى الحوار مع وزير الداخلية حتى شاهدت ما لا يحدث ولا حتى فى تليفزيون مدرسة ابتدائية يبث فى قرية نائية، فقد خرج علينا مذيع آخر يعتذر لضيفه عالم الدين الإسلامى عمر عبدالكافى عن قطع الحوار معه لمتابعة الكارثة، لكن المذيع لم يكتف بالاعتذار الذى قبله الضيف مقدراً الموقف، وإنما بدأ يهاجم إدارة القناة ويتهمها بتعمد قطع برنامجه، ويخص بالهجوم ما يسمى «قطاع الأخبار» فى التليفزيون، ويدخل فى تفاصيل صغيرة تتعلق بالصراعات الداخلية التى لا تهم أحداً. ومرة أخرى، كان من المدهش أن نرى الضيف يطلب من المذيع أن يهدأ أكثر من مرة، ومع ذلك ظل ثائراً، ولم يملك الضيف سوى أن يقول «ربنا يهديكم»! هذا الهزل فى وقت كارثة على الفضائية المصرية يؤكد من جديد مدى الحاجة الملحة إلى تغيير اتحاد الإذاعة والتليفزيون فى مصر تغييراً جذرياً وشاملاً، ولدينا من الخبراء ما يكفى لتحقيق ذلك، وما يتناسب مع المليارات التى ينفقها الشعب على هذا الاتحاد. [email protected]