وزير التنمية المحلية يُهنئ الرئيس السيسي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    محافظ القاهرة: القيادة السياسية تحرص على الاهتمام بالتعليم الفني    قيادي بمستقبل وطن: عمّال مصر هم عمود الدولة    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    أسعار الخضراوات اليوم 30 أبريل في سوق العبور    أيمن الجميل: إنجازات الطاقة النظيفة والزراعة الحديثة والاقتصاد الأخضر قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية    تراجع مؤشرات البورصة المصرية مع بداية تعاملات اليوم 30 أبريل    جهاز مشروعات التنمية الشاملة ينظم احتفالية لحصاد حقول القمح المنزرعة بالأساليب الحديثة    وزير الإنتاج الحربي يتفقد خطوط شركة أبو زعبل للصناعات الهندسية    خطوات ل فحص السيارة المستعملة قبل شراءها ؟    مدبولي: المباحثات مع رئيس وزراء بيلاروسيا تطرقت لتعزيز التبادل التجاري    صحيفة أمريكية: الناتو يستعد لمواجهة روسيا والتغلب على مشاكله الخاصة    الدفاع المدني الفلسطيني: لا بديل عن إنهاء المأساة الإنسانية في غزة    مساعد وزير الخارجية الأسبق: الجهد المصري لا يتوقف لتهدئة الأوضاع في غزة    أول زيارة رسمية.. بدء جلسة المباحثات المصرية البيلاروسية برئاسة رئيسي وزراء البلدين    تاريخ مواجهات ريال مدريد وبايرن ميونخ قبل موقعة اليوم في دوري الأبطال.. تفوق بافاري    رئيس الزمالك يعلن استمرار زيزو وعواد مع الفريق ويشيد بفتوح    الزمالك يلتقي بطل السنغال ببطولة إفريقيا للطائرة سيدات    فالفيردي: جاهز لمواجهة بايرن ميونيخ    القيعي: يجب تعديل نظام المسابقات.. وعبارة "مصلحة المنتخب" حق يراد به أمور أخرى    تحرير 149 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    السجن 10 سنوات ل6 أشخاص بالإسكندرية بتهمة استعراض القوة    ضبط 8 أطنان لحوم ودواجن وأسماك فاسدة بالمنوفية    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبي جرائم الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    أول بيان من «الداخلية» عن أكاذيب الإخوان بشأن «انتهاكات سجن القناطر»    وفد شركات السياحة المصرية بالسعودية يكشف تفاصيل الاستعداد لموسم الحج    المؤبد ل عاطل بتهمة حيازة «مخدر الميثامفيتامين» في الجيزة (تفاصيل)    ختام عروض الإسكندرية للفيلم القصير بحضور كامل العدد    تكريم نقيب الممثلين على هامش الصالون الثقافي لرئيس جامعة المنصورة    «بنك مصر» يشارك الأطفال احتفالهم بيوم اليتيم في 15 محافظة    مستشار زاهي حواس يكشف سبب عدم وجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن (تفاصيل)    ساويرس يوجه رسالة مؤثرة ل أحمد السقا وكريم عبد العزيز عن الصديق الوفي    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    هيئة الدواء تنصح الأهالي بالالتزام بمواعيد حصول الأطفال على التطعيمات الأساسية    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    هل الأسماك المملحة خطر فقط على مرضى ضغط الدم؟.. «بحوث الأغذية» تجيب    عملية طعن تستهدف شرطيين وعددا من المارة قرب محطة للمترو شمال شرق لندن    رئيس جامعة بنها يفتتح معرض الزهور الأول احتفالا بأعياد الربيع    رئيس اللجنة العلمية لمكافحة كورنا يحسم الجدل بشأن حدوث جلطات بعد تلقي اللقاح    "صدى البلد" يحاور وزير العمل.. 8 مفاجآت قوية بشأن الأجور وأصول اتحاد عمال مصر وقانون العمل    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    أقدس أيام السنة.. كيف تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع آلام السيد المسيح؟    وزير الإسكان: نعمل على الاستثمار في العامل البشري والكوادر الشبابية    مصادر: من المتوقع أن ترد حماس على مقترح صفقة التبادل مساء الغد    طلاب النقل الثانوى الأزهرى يؤدون امتحانات التفسير والفلسفة والأحياء اليوم    اليوم.. "الصحفيين" تفتتح مركز التدريب بعد تطويره    إمام: شعبية الأهلي والزمالك متساوية..ومحمد صلاح أسطورة مصر الوحيدة    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    الطيران الحربي الإسرائيلي يشن سلسلة غارات عنيفة شرق مخيم جباليا شمال غزة    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    أخبار 24 ساعة.. وزير التموين: توريد 900 ألف طن قمح محلى حتى الآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيمان سمير تكتب: الأماكن.. البيت القديم
نشر في المصري اليوم يوم 17 - 04 - 2024

كانت الشمس تستعد للمغيب، رغم وجود الضوء فى الأرجاء، وكانت خطاى المتسارعة قد هدأت عندما قادتنى من الشوارع المتسعة إلى هذه الضيقة، ومن ثم إلى هذا البيت الذى بدا كأنه حلمٌ بعيد عن صخب الحياة والناس أجمعين.. أرجو ألا يتحول إلى حلم بغيض تائه فى لحود من رمم، كم تمنيت لو نمت ليلة وحيدة رحيمة تخلو من حلم وجودى هنا، لم أَكَل يومًا من محاولاتى ولم تَكَل محاولاتى فى صدّى.
مررت بأناس لم أتذكرهم، تُرى من هذا الرجل الطاعن فى السن يرقد تحت قدميه كلبٌ هزيل أسود؟!.
دلفت داخل هذا البيت وكأننى فى غابة مسحورة شديدة الهدوء، وضعت قدمى على أولى درجات هذا السُلم المتهالك.. وهنا دار الحوار داخل نفسى، مادامت إرادة الله من غيبتنى وهى الآن من أتت بى إلى هنا، وما دام الصانع لكل هذا واحد أحد، فلماذا يرتعد الناس وممَ يخشون؟ فنحن أثمن عند جلاله من البضائع والزهور وأبراج الأثرياء ومعادن الأرض.
أبهجنى مس هواء المنزل لوجهى، فَرُحْتُ أغمض عينى، أشتم رائحته القديمة التى تخترقنى كسيف معدنى، تلمست بيدى هذا الباب الخشبى الثقيل، وأدرت مفتاحى القديم الصدئ، مع فتحه أحسست أن يدا قوية تقبض على روحى، فانتفضت متمنية الخلاص وانجلاء هذه الغمرة القاتلة، تحسست مفاتيح الكهرباء حتى أضأت هذا السراج ذا السلك النحيل المتدلى من السقف، هرعت أفتح شباكا وحيدا قريبا سمح بدخول بعض الضوء مع نسمة هواء فشلت فى إيقاظى من الماضى، كم وددت لو انقطعت ذاكرتى عن حجر أو شجر، تحركت معقودة اللسان موؤودة الأمل، دخلت أول غرفة عن يسارى، سوط الرقاد يعذب ذاكرتى، فهذه حجرتى أنا وأخى، سريران متقابلان تعلوهما مفارش حريرية مطرزة متقنة الصنع حتى الحواف، وهذه زجاجة عطر فواح قديم لأمى.
عاودت أدراجى حتى نظرت إلى هذا المطبخ الذى صنعه خالى، فكأنما قسم المنزل إلى نصفين، نظرت داخله فرأيت كل شىء على حاله، إبريق ماء قديما فارغا، وطبقا فضيا كان للفاكهة المجففة خصيصًا، كم شبعنا حتى ظننا أن لن نجوع أبدًا، وارتوينا من عطف والدينا حتى مات الظمأ.
أود دخول هذه الغرفة، ولكنى أرتل الخوف ترتيلا، فهى مكان جلوس أبى، يتملكنى شعور الغربة، يعصف بى كبلد غريب، كأنى أراه جاثيًا على الأرض بالظلمة يبتهل إلى الله فى ليلٍ غاب فيه القمر وطُمِسَ فيه الضياء، أسمع صلاته وتسبيحه كأن جمعٌ من الملائكة تنزل من السماء ليبارك هذه الرقعة من الأرض، هل السر هنا فى المكان أم أنه فى أرواحنا التى تفيض قداسة فوقها؟.
وهذه الطاولة التى كنا نجتمع حولها وخاصة وقت العشاء، نشاهد مسلسل الثامنة، أذكر الآن هذه الموسيقى ل «ليالى الحلمية» وبعدها «حديث الروح» ثم نشرة التاسعة.
آهٍ من صوت أبى وحكاياته عن الماضى، فلم يشأ أبدًا أن يبدد بسمتنا برواياتٍ فواجع وسرد صوادم السنين، كنت أحب حديثه فأشعر أنه يرفعنى إلى السماوات العُلا.
أتساءل الآن: ماذا أخذنا منه؟.. فقد يرث الأبناء النزوع للخطيئة والاستعداد لها، وقد نرث رجفة الإيمان.
تلمست كتبه ولفائف أوراقه، لم أستطع منع ما انفلت من دموعى وأنا أتذكر هذا العم الضال حين ظهر أمام ذاكرتى كشبح فر من قعر القبور، كم كان يهدد ويتوعد بعد وفاة أبى ثم ينظر إلينا كثعبان ارتوى بعد أن سكب فى وجداننا قطرات من سم لا ترياق له، فلا قداسة عنده للدم، ربما نسيناه وإن كنا لم نمتثل لجمال «أحبوا أعداءكم».
كسانى إرهاق العائد من سفرٍ بعيد، فسقطت جالسة على هذا المقعد حتى ظننت أنى وهو أصبحنا شيئًا واحدًا، ورفعت وجهى لصورة والدى على الحائط، رأيت عينيه الواسعتين المشوب بزرقة ممزوجة بعسلية ريفية كلها طيبة وذكاء، وبشرته الخمرية المائلة للحمرة، ما هذا البهاء الربانى الذى كان يحيطه؟.. خُيلَ إلى أن عينيه تطلان من صورته مشفقة علىّ كالأم التى تناغى رضيعها لأول مرة.
كم أرهقنى هذا البيت الذى دفنت به أسرار تفطر الآن حشاشتى! وكم اشتقت لأبوى مع أنى أعلم أنهما يستريحان الآن فى حضن سلام أبدى، وهل هما سعيدان بى الآن أم مشفقان على؟.. أيا والدى، لا تعجب من سطور أطهيها لجوعى الخبز والحرية، فلم أعد هذه الأنثى التى تتمنى أن تسلب لُبّ الجميع حتى الشيوخ الفانين، أيقنت أن الحياة بها كل شىء، فلا أندهش من أوراقى ومن قلبى ومن زمنى أو دنياى فهم لى شهود عدول، فكل الأعوام تحمل كل الفصول، وأنا لحنٌ واحد يحمل حزن الكمان وشجن الناى ورقص الطبول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.