حكايات أبناء «الرشيد» في «قاهرة المعز» خلال رمضان.. «هنا الأهل واللمّة والعيلة»

في كل الوطن العربي يمكن أن تقيس مأساة كل دولة بمعدل هجراتها إلى قاهرة المعز حاضنة العرب وقبلتهم الأولى مصر المحروسة، وحسب المعلومات يمكن أن ترى ذلك في أهل حضارة الرافدين العراق الذي يعيش نحو 3 ملايين شخص تقريبا من أبنائه في أماكن متفرقة في القاهرة الكبرى خاصة منطقة 6 أكتوبر ويحولونها في رمضان إلى وطن صغير مغروس بحب العراق ومصر، فكيف يعيشون خلال الشهر الكريم؟.
في عام 1958 تحديدا كانت الهجرة الأولى لمثقفين عراقيين إلى القاهرة بينما لم تكن أعداد كبيرة في هذا الوقت إلى أن جاءت الحرب الأمريكية البريطانية على بغداد في عام 2003 لينزح عدد كبير وقتها إلى القاهرة ملاذ العرب الأول.. واحد من هؤلاء كان الدكتور عبدالكريم الوزان الذي يشير إلى أنه قضى في القاهرة نحو 20 رمضان جميعها جعلته مصريًا بالتمام لا يفرق في محبته للدولة وأهلها شيء.
يشير أستاذ العلوم السياسية الذي يقضي رمضانه العشرين إلى أن الشهر الكريم تحديدا في القاهرة مختلف كليًّا عن أي مكان في العالم زاره، حيث تتزين القاهرة بالأهل والأصدقاء ويعيش الجميع في موائد مختلفة ولا يمكنك أن تسأل حينها عن جنسيته بإمكانك أيًا من تكون أن تدخل وتمد يدك وتأكل وهذه عظمة القاهرة بأنها حاضنة لكل العالم ومع ذلك مصريتها طاغية على من يدخلونها مهما كانت أعدادهم وليس العكس.
يقول: «رمضان في مصر له نكهة لم أرها في حياتي حتى في بلدي العراق حقيقة لا تملقا ولا يعني ذلك مغايرة في أي شيء للكلام. نعم هنالك الكثير في العراق كان سابقا وعلى حسب مسامعي الآن اختلف بعض الشيء لكن هنالك بعض الأمور لا تزال متواجدة في العراق ألا وهي التزاور فيما بين الأهل والأصدقاء والجيران بشكل خاص وتبادل الأكلات. ما لذ وطاب. كما هو اعتدنا عليه سواء في شهر رمضان أو الأشهر الأخرى. لكن هنا في مصر حقيقة. وهنا الكثير من إخوتنا العراقيين المتواجدين في مصر وفي القاهرة بشكل خاص أو من يقطنون مدينة أكتوبر وبعض المحافظات منها الإسكندرية. تعلمنا أن نكون ضمن الطبيعة المصرية. لماذا؟ لأن هنالك طباعًا كثيرة جدا متشابهة ومتقاربة ما بين المصريين والعراقيين صراحة».
ويحدد القانون المصري الإقامة للأجانب لمدة سنة واحدة وتجدد عاما بعام وتؤخذ إما عن طريق الدراسة أو عن طريق تأسيس شركة أو شراء عقار مسجل في عقارات الدولة قيمته أكثر من 50 ألف دولار وهناك من لديه إقامة متواصلة في البلد لمدة 10 سنوات وتخطى عمره ال60 عاما، فعندها يحصل على إقامة خماسية له هو وعائلته.
ويقضي رمضان في مصر الملايين من اللاجئين والمقيميين على أراضيها حيث تزداد الجلسات والأكلات المختلفة التي احتوتها القاهرة وأضافت عليها بفضل التآخي بين كافة الموجودين على أراضيها سواء مصريين أو عربًا أو أجانب لتزداد محبتها في قلوب الجميع خاصة خلال شهر رمضان الكريم.
محمد عاصم هو الآخر يعيش في القاهرة من سنوات بعدما ترك العراق، خلال شهر رمضان الحالي على سبيل المثال من عام 2024 أرسل لنا صورته مع أحد القساوسة المصريين ممن أفطر معهم أحد أيام الشهر الفضيل ما يعتبره أمرًا لا يمكن أن يتحقق إلا في مصر التي تميز الشهر الفضيل مثلما يميزها عن غيرها من أي دولة على مستوى العالم.
ويضيف ل«المصري اليوم» أن الأكلات العراقية متنوعة وجميلة ولا يمكن إنكار الإضافة المصرية عليها حيث يحب المصريون الطعام ويضيفون عليه وينوعون من استخداماته وخلطاته وهو ما يتفننون فيه خاصة خلال شهر رمضان المبارك، مشيرًا إلى أنه حتى يوم السابع من شهر رمضان تلقى العديد من الدعاوى من أصدقائه للإفطار عندهم.
إبراهيم من أربيل جاء هو الآخر خلال آخر عامين ويعيش في القاهرة لتأدية فترة الدراسة حيث يدرس في إحدى الجامعات الخاصة المصرية، ويشير إلى أنه كان شديد الخوف في البداية من كونه سيترك بلده ووطنه ويبقى وحيدا في القاهرة إلا أنه تصادف أول مرة وجوده خلال شهر رمضان المبارك ووجد مئات الموائد منها العراقي في تجمعات مصرية عراقية جعلته يشعر بسعادة غامرة.
كان رمضان سببا رئيسيا في استكمال إبراهيم دراسته وتشجيعه على مواصلة مشواره التعليمي خارج العراق، في الوقت الذي لم يعتقد فيه أنه يمكنه ترك أهله ووطنه ومع ذلك يقضي رمضان الثالث تقريبا هذا العام في القاهرة التي ارتبط فيها بأصدقاء من جنسيات مختلفة خاصة من المصريين الذين يطلبون منه شخصيا أكلات عراقية خلال شهر رمضان.