على الرغم من أن القرن الحادى والعشرين هو قرن الحرية والديمقراطية، وبعد قيام ثورة 25 يناير مازالت بعض الوزارات والهيئات تمارس الديكتاتورية وتنكر طابع الديمقراطية الذى يجب أن يسود فى مصر فى عصرها الجديد، وقد علمنا فى الماضى أثناء دراستنا القانون الإدارى والدستورى بالمقولة المشهورة لحاكم فرنسا الديكتاتور المستبد لويس الرابع عشر، التى قالها بلغته الفرنسية: «Je suis létat et Létat, cést moi»، والتى تعنى باللغة العربية «أنا الدولة والدولة أنا»، كما تعنى باللغة الإنجليزية«I am the state and the state is me» وهى عبارة مقيتة مغضوب عليها فى الفكر السياسى والدستورى وفى الشريعة الإسلامية التى نادت بالشورى، حيث يقول الله تعالى فى كتابه الكريم: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» من الآية 38 من سورة الشورى، وفى موضع آخر جاء الذكر الحكيم ليؤكد مبدأ الشورى كما فى قوله تعالى؟ «... وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ...» من الآية 159 من سورة «آل عمران» وكذلك فى قوله تعالى: «... فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا....» من الآية 233 من سورة «البقرة». كما أنها مخالفة لدساتير العالم والاتفاقيات الدولية التى نادت بمبدأ الفصل بين السلطات، وهو ما يطلق عليه باللغة الفرنسيةSéparation des pouvoirs، أو ما يطلق عليها باللغة الإنجليزيةSeparation of powers، هذا من ناحية معنى العبارة اللغوى، أمّا المعنى الفعلى لهذه العبارة فهو الأخطر، حيث تعنى أن أى نقد لممارسات نظام الحكم ومؤسساته يُعد نقداً للدولة وانتقاصاً من هيبتها، وخدمة لأعدائها، فهذا هو المعنى الذى أراده الحكام الطغاة وانتهجوه فى سلوكهم الذى أسقطته الثورات العربية، وأكدت عدم صحته - بجلاء - الدماء العربية التىسالت فى تونس ومصر وليبيا وغيرها من البلاد العربية. لقد كنا فى النظام السابق على ثورة مصر نرتكب خطيئة لا تغتفر إذا حاولنا أن ننتقد النظام أو مؤسساته، وكان أقل ما يتعرض له من يجرؤ على هذا النقد هو تلفيق التهم والزج به فى السجون أو حرمانه من عمله أو نفيه خارج البلاد، وإذا حَنّ قلب النظام يكتفى بالتهديد والوعيد أول مرة وبعد ذلك تنفيذ التهديد والوعيد إذا تمادى الشخص فى نقد نظام الحكم ومؤسساته - كما حدث من قبل مراراً وتكراراً - ولعل ما نراه اليوم هو تقريباً صورة طبق الأصل من الماضى، فلا حوار ولا قبول للآخر، ورجعنا لزمن الديكتاتور الفرنسى لويس الرابع عشر الذى قال مقولته الشهيرة: «أنا الدولة والدولة أنا»، التى أصبحت مضرب المثل فى الديكتاتورية والاستبداد فى الفكر الدستورى، وكأن مصر مكتوب عليها أن تعانى دوماً من مرض الديكتاتورية فلا تكاد تشفى من هذا المرض حتى تصاب به مرات ومرات. وخلاصة القول – كما يقول الشيخ عبدالرحمن الكواكبى - إن الاستبداد داءٌ أشد وطأةً من الوباء، أكثر هولاً من الحريق، أعظم تخريباً من السيل، أذل للنفوس من السؤال. داءٌ إذا نزل بقوم سمعت أرواحهم هاتف السماء ينادى القضاء القضاء، والأرض تناجى ربها بكشف البلاء. الاستبداد عهدٌ؛ أشقى الناس فيه العقلاء والأغنياء، وأسعدهم بمحياه الجهلاء والفقراء، بل أسعدهم أولئك الذين يتعجلون الموت فيحسدهم الأحياء. وفى النهاية أقول لشعب مصر بكل طوائفه من حكام ومحكومين، اتقوا الله فى مصر، واعملوا من أجل رفعتها، واجعلوا مصر دائماً هى الغاية وليس أى شىء آخر. حمى الله مصر الكنانة من شر الديكتاتورية القديمة والجديدة، ومن شر ذوى الطباع المستبدة الذين حذر منهم العالم الإسلامى عبدالرحمن الكواكبى فى كتابه «طبائع الاستبداد». والله ولى التوفيق * الرئيس بمحكمة استئناف الإسكندرية أستاذ القانون الإدارى والدستورى