مازالت أزمة كوفيد 19 العالمية تلقى بظلالها الوخيمة على القطاع السياحى الجريح فى العالم بأسره، وبطبيعة الحال فإن الأزمة التى طالت السياحة فى مصر بددت الآمال فى موسم شتوى يداوى ولو القليل من الجراح التى يئن منها المستثمرون والكوادر العاملة فى السياحة على حد سواء، والذين أكدوا أن السياحة الداخلية والخارجية مازالت تنظر بعين الحذر لمخاوف العدوى الوبائية، رغم الإجراءات الاحترازية، بينما تعزز هذه النظرة الحالة الاقتصادية العامة التى أعادت ترتيب الأولويات وتهميش اختيار الرفاهية، وكان لذلك دوره المؤثر فى انخفاض معدل تدفق الزوار لمناطق السياحة الثقافية الأكثر دفئا فى أجواء الطقس الباردة بكل من مدينتى الأقصر وأسوان، ورغم بعض مؤشرات التفاؤل حول عودة السياحة الروسية، ووصول رحلات من الشارقة وأخرى من إسبانيا إلا أن الخبراء اتفقوا على أن توقعات تعافى السياحة قريبا لا يمكن الحديث بشأنها قبل شهور أخرى قادمة. سامح حويدق، نائب رئيس جمعية مستثمرى البحر الأحمر، قال إنه، رغم أن نسبة الفنادق العاملة بالبحر الأحمر لا تتجاوز 40% من إجمالى العدد الموجود بالمحافظة، إلا أن معدل الإشغالات خلال الفترة الحالية يتراوح ما بين 10 و15%، وهو ما يعد أسوأ نسب إشغال على الإطلاق فى مثل هذا الوقت من السنة مقارنة بالمواسم الماضية، موضحا أن مبادرة «شتى فى مصر» لم تنعكس إيجابيا على القطاع السياحى فى الغردقة وهو ما يدعم البحث عن وسائل أخرى لتحفيز العمل بالقطاع السياحى خلال الفترة القادمة. وطالب حويدق بضرورة تعجيل الإجراءات التى أقرتها الدولة لدعم القطاع السياحى، وأهمها مبادرة الإقراض من البنك المركزى بفائدة 5% وهى المبادرة التى مازالت تشهد تعثرا عمليا فى تطبيقها رغم الضمانات التى قدمتها وزارة السياحة والحكومة فى هذا الشأن، مضيفا أن مقترح وزارة الطيران بتسيير خط مباشر بين كل من ألمانياوالغردقة مقترح جيد إلا أنه يعتمد على سماح الجانب الألمانى بذلك دون إجراءات معقدة يتراجع معها اختيار السياح لمصر كواجهة سياحية مفضلة. وأشاد حويدق بقرار شركة الطيران الألمانية «كوندور» تسيير 3 رحلات أسبوعية من المانيا إلى الغردقة اعتبارا من مارس المقبل بدلا من رحلة واحدة، مؤكدا أنها خطوة جيدة تبعث بالتفاؤل وتزيد من الحركة السياحية لفنادق الغردقة، مؤكدا أن بدء توافر اللقاحات المضادة لفيروس كورونا يعد أهم العناصر المبشرة لتنشيط السياحة خلال الفترة القليلة المقبلة، متوقعا تزايد التدفقات السياحية نسبيا خلال الصيف القادم، ويعزز ذلك إعلان إنجلترا رفع قيود السفر عن مواطنيها منتصف شهر يوليو القادم. ويرى تامر مكرم، رئيس جمعية مستثمرى شرم الشيخ، أن مبادرة شتى فى مصر حققت الأهداف التى سعت إليها، مشيرا إلى ما أسفرت عنه من جلب ما يقدر بنحو 2800 نزيل أسبوعيا بمعدل 400 راكب على 4 طائرات يوميا، وهو ما يعنى بيع تذاكر الطيران التى عملت المبادرة على تسويقها بشكل كامل وهذا نجاح للمبادرة بالطبع. وقال: لقد نجحت المبادرة فى عرض أسعار حفزت المصريين على الانطلاق فى إجازة نصف السنة، ما أشاع قدرا من النشاط فى القطاع السياحى استطاع كسر حالة الركود الكبير جراء أزمة كورونا العالمية، مشيرا إلى أن عدد الغرف الفندقية بشرم الشيخ يبلغ نحو 62 ألف غرفة منها 40 ألفا تكتمل استعداداتها لاستقبال زبائن، أى أن العدد المطلوب لتحقيق نسب إشغال مطلوبة نحو 85 ألف سائح وهو عدد لا يمكن أن تحققه المبادرة وحدها ولكنه يحتاج ظروفا وأجواء هى غير متوافرة محليا أو عالميا. وقال مكرم إذا كانت أزمة الوباء العالمى التى أطلت بآثارها السلبية على العالم خلال عام واحد فإن شرم الشيخ تعانى من تراكمات عديدة طوال 10 سنوات مضت تفرض ضغوطا وتحديات كبيرة على المستثمرين السياحيين بها، مشيرا إلى أن المستثمر الذى حرص على الاحتفاظ بالكوادر العاملة لديه رغم هذه الظروف الصعبة يستحق التشجيع وتقدير الدولة لأنه أثبت جديته وتعاونه التام لتحقيق الصالح العام. وأضاف أن العديد من المؤشرات الإيجابية تلوح فى الأفق حول عودة السياح الروس إلى مصر خلال الفترة القادمة، رغم وجود مؤشرات عالمية أخرى تتوقع استمرار الآثار السلبية المصاحبة لقيود السفر التى فرضتها معظم بلدان العالم، مؤكدا عدم الإفراط فى التفاؤل حول عودة السياح الروس إلى مصر لأن ذلك لا يعنى انتعاشة متوقعة والعمل بجدية فى كافة المسارات لجذب المزيد من مختلف الأسواق السياحية لتقليص فترة التعافى المتوقع ألا تقل عن عامين أو ثلاثة أعوام قادمة. وأوضح مكرم أن بدء تعاطى اللقاح عالميا يعزز التدفقات الإيجابية، مؤكدا أن توفير اللقاح لعموم الناس سوف يدعم ثقة السائح الأجنبى فى مصر كمقصد سياحى آمن لتكون ضمن أهم اختيارات وجهاته المفضلة مع حلول الصيف القادم، معربا عن أمله فى سرعة تطعيم الكوادر العاملة فى القطاع السياحى للتعجيل بتوفير الثقة والحافز التشجيعى لقدوم السائح إلا أنه أكد قناعته بالأولويات التى وضعها صانع القرار فى مصر بما يملكه من رؤية أشمل. وأكد محمد عثمان، رئيس لجنة التسويق السياحى للأقصر، مؤكدا أن بدء وصول أول رحلات الطيران القادمة من الشارقة يعد نافذة هامة للغاية لجلب سياح من بلدان شرق آسيا، قائلا إن الرمزية التى تعبر عن الرحلة مهمة للترويج والتسويق السياحى لمدينتى الأقصر وأسوان بصرف النظر عن معدل التدفق السياحى فى مرحلة البداية. أضاف أنه مع حلول 23 مارس سوف يستقبل مطار الأقصر رحلة طيران أسبوعية من إسبانيا تحمل نحو 100 سائح وتستمر حتى نهاية إبريل، وسوف تساهم تلك الرحلة فى المزيد من الرواج السياحى الثقافى، معربا عن أمله فى تقديم الحافز التشجيعى الملائم لمنظمى الرحلات ووكلاء السفر القائمين على هذه الرحلات ولو بالتكريم من جانب الدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار فى إطار احتفالية سوف يتم إعدادها للاحتفال بوصول الزوار على متن رحلات الطيران المذكورة. وقال إنه جار التعاون والتنسيق حاليا مع هيئة «تراثنا» التى تعمل فى مجال التسويق السياحى لاستثمار ما تنفرد به السياحة الثقافية المصرية من إمكانات بيئية وتراثية فريدة؛ دفعا لتسويق السياحة الثقافية. وتضم المبادرة برنامجا لزيارة السائحين لقرية الفنان المعمارى حسن فتحى، ذات الطابع المتميز، والمقامة منذ عام 1938 وتضم مبانى رائعة ومكونات تعبر عن المصرى البسيط، كما تضم ثانى مسجد فى مصر بمآذنه ذات سلالم خارجية بعد مسجد أحمد بن طولون، موضحا أنه وفق البروتوكول المبرم مع الهيئة المذكورة، سوف نعمل على جلب السياح الأجانب لاكتشاف حياة المواطنين والتراث على أرض مصر، مضيفا أن الأفكار تتضمن استئجار مجموعة من الأتيليهات لإتاحة فرصة للهواة والدارسين للرسم لممارسة نشاطهم، خاصة فى المناطق البيئية المتميزة بمناطق دير المدينة أو وادى الفنانين، وهى أشهر المناطق التى تتوافر بها جداريات تعرض طبيعة الأنشطة اليومية للمصرى القديم، مشيرا إلى أن ذلك يأتى فى إطار إنتاج روافد جديدة لدعم وترويج السياحة الثقافية، خاصة أن مثل هذه المناطق نادرة فى العالم. وأكد عثمان أنه رغم الانتقادات التى وجهها البعض لمبادرة «شتى فى مصر»، إلا أنها حققت الكثير من أهدافها، ويأتى فى المقدمة إحداث رواج ملحوظ فى حركة البيع بالمحلات والبازارات، بينما كان معدل إشغال رحلات البالون مرتفعا طوال فترة المبادرة، كما تم الدفع بنحو 18 دهبية لاستيعاب الطلب فى إطار إجراءات التباعد الاجتماعى. وعبر صبرى ينى، عضو غرفة شركات السياحة، عن أسفه لانخفاض الطلب على حجوزات الفنادق العائمة خلال فترة إجازة نصف السنة، مؤكدا أن معدل الإشغالات لم يتعد 40% ومعظمهم من المصريين، مشيرا إلى أن التأثيرات السلبية لفيروس كورونا على أنشطة السياحة والسفر طالت العالم كله وليس المقاصد المصرية وحدها. وقال ينى، إن أى وباء يصاحبه ترد فى الأوضاع الاقتصادية، واصفا السياحة بأنها أول النشاطات التى تتأثر سلبيا جراء هذا، فضلا عن كونها آخر النشاطات التى يطولها التعافى باعتبار أن أولويات الناس تنصب فى البداية على توفير الضروريات قبل التفكير فى الفسحة والرفاهية، مضيفا أنه رغم الظروف الصعبة يتقاسم المستثمرون ما يتاح لهم من الرزق مع الكوادر العاملة معهم، وهو ما يستدعى قيام الدولة بالمزيد من إجراءات دعم العاملين بالقطاع السياحى ليتمكنوا من الصمود أمام أزمة مرشحة للتصاعد أو الاستمرار خلال الفترة الزمنية المقبلة. وأكد ينى أنه لا توجد رؤية واضحة للفترة المقبلة، خاصة فى ظل الإجراءات التى تطبقها معظم الدول الأجنبية لتفادى الموجة الثانية من موجة كورونا، وهو ما دفعنا إلى توقف أكثر من 90% من الفنادق العائمة بسبب عدم تواجد يذكر للسائح الأجنبى الذى كنا نعول عليه كثيرا خلال الموسم الشتوى، وبالتالى فإن السياحة الثقافية هى الخاسر الأكبر بسبب أزمة جائحة كورونا.
