اذهب لتدلى بصوتك فى الانتخابات اليوم! نوفمبر عاد ليذكرنا بانتخابات 2010 المشينة، وكأنه «كلاكيت تانى مرة» لإعادة فرصة الانتخاب، فهل ننجح فى تغيير «سيناريو» الانتخابات المزورة؟ أعلم أنه من المفترض أن مصر قامت بها «ثورة»، وبالتالى التغييرات من المفترض أن تكون بمدى جذرية هذا الحدث، لكن قد يكون الواقع الذى نعيشه يميل إلى إثبات أن التغيير فى مصر يأتى «ترميمياً، إصلاحياً» وليس على منوال «انسف حمامك القديم»، كما تمنى بعضنا، بل الكثيرون منا! فلنعترف بأن فى مصر قوتين أساسيتين، وهما قوة العسكريين وقوة تيار الإسلام السياسى، وقد كتبت فى يوليو الماضى أن هناك «توحيداً للمقامات» فيما بين هاتين القوتين، فى تقاطع مباشر مع مصالح الغرب أيضا بهدف استطاعة الجمع والطرح فيما بينهما وتقسيم السلطة عليهما بشكل يضمن «استقرار» مصر، رغم الضرائب الباهظة التى سيفرضها مثل هذا التقسيم الذى يُفضِّل كلاً من الهرمية العسكرية والهرمية الدينية على الحريات الفردية للمواطن المصرى. تحت هذا التصور الأشبه بباكستان - وهى دولة «إسلامية» حليفة للولايات المتحدة على عكس الهند «غير الإسلامية» والمتنافسة اقتصادياً معها - كان المفترض أن يستمر ما أطلق عليه «شهر العسل» بين العسكريين والإسلاميين فى مصر. ولكن ما حدث على مدى الشهور القليلة الماضية هو محاولة «استعراض القوة»، لدرجة أوحت للبعض بوجود صراع عميق بينهما. فى الواقع، لم يكن «صراعاً» وإنما كان تنافساً سياسياً، أشبه بلعبة شد الحبل. تارة يتحدث تيار الإسلام السياسى بنبرة عالية تتعدى جرعة الخطاب الدينى المسموحة له، وتارة أخرى يرد المجلس العسكرى بإجراءات وقائية تحفظ سلطته وسيطرته، كما جاء فى وثيقة السلمى مثلا. لعبة شد الحبل تلك بدت للبعض كأنها صراع عميق بين القوتين. فى حين أنها فى الواقع لم تكن سوى «نزاع موقوت»، سرعان ما أثبتت القوتان بعده أنهما فى «وفاق ما»، وفى معادلة واحدة بالفعل. تجلّت هذه العلاقة فى مشهد التحرير الأسبوع الماضى، حين حاولت بعض الحركات الشعبية وائتلافات الثورة الشبابية، والأحزاب الليبرالية الناشئة، الوقوف لإثبات وجودها أيضا والتهديد بقطع هذا الحبل والإيقاع بالقوتين على الأرض بنفس درجة شدهما له! يبدو أيضا أن هناك مفاهيم سياسية مازالت مغلوطة، فعندما نزلت التحرير للبحث الميدانى أيام الاثنين والثلاثاء والجمعة تبينت أن الناس محبطة من جميع الأحزاب، يميناً ويساراً، التى ترددت فى المشاركة فى البداية أو لم تشارك إطلاقا «وبانت على حقيقتها غير الثورية»، كما وصفوها! لكننى أريد أن أوضح أن الحزب السياسى ليس حركة شعبية، فكلاهما وظيفته مختلفة وقد تكون متناقضة. الحركة الشعبية تعتمد على الحشد والضغط الشعبى لإحداث نتيجة ما: دفع رئيس تونس السابق زين العابدين بن على إلى الهروب، أو دفع الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك إلى التخلى عن منصب رئيس الجمهورية. لكن الأحزاب السياسية هدفها تنظيم المشاركة السياسية. وأحد الثوابت فى العلوم السياسية هو: «لا مشاركة سياسية ديمقراطية واسعة النطاق دون مؤسسات سياسية». الحزب إذن ينظم المشاركة السياسية ويضعها فى خانات تقلل من «عشوائية المشاركة» وتُمنهج الإقبال الشديد عليها، والأحزاب تتنافس سياسيا من خلال انتخابات، وليس من خلال ضغط فى الشارع كحال الحركات السياسية. لذلك، فلتنتخب حزباً وأفراداً اليوم لتشارك فى إقامة مجلس شعب تشريعى ينتزع جزءا من السلطة المطلقة للمجلس العسكرى ويزن قوة الإسلام السياسى كيلا يحتكر السياسة وحده، ويُثقل تجربة الأحزاب الليبرالية لتختبر قوتها الحقيقية على الخريطة السياسية وليس فقط فى المكاتب أو الفضائيات. أيا كانت توجهاتك، اليوم انتخب! أما فى المستقبل، فاستخدم الميادين لإثارة قضايا حقوقية عامة تعبر سلمياً عنها وتحشد الدعم لها، فلا بديل للصندوق الانتخابى فى انتخابات حتماً يجب أن تكون نزيهة، للإتيان بسلطة مُتفق على شرعيتها! [email protected]