فى أجواء شابها التوتر الشديد، أجرت قرغيزستان انتخابات رئاسية، فاز من خلالها رئيس الوزراء القرغيزى، ألمازبيك أتامباييف، أمس، لكن منافسيه الخاسرين اعتبروا أن «الانتخابات زورت»، وطالبوا بالتحقق من التوقيعات فى منطقة واحدة على الأقل، وهددوا بإطلاق احتجاجات، مما ينذر باندلاع ثورة جديدة فى هذا البلد، الذى لم يعش انتقالاً سلمياً منذ استقلاله عام 1991. وشهدت قرغيزستان، وهى جمهورية سوفيتية سابقة، فى مارس 2005، ثم فى أبريل 2010، ثورتين داميتين وأعمال عنف طائفية دموية فى يونيو 2010، أطاحت بالرئيس كرمان بك باكييف، واستهدفت الأقلية الأوزبكية، على وجه الخصوص، فى جنوب البلاد. وأدت أعمال العنف العرقية إلى فرار ربع مليون شخص من قرغيزستان، فى حين كان عدد القتلى يفوق التوقعات بناء على معلومات شهود العيان ومنظمات دولية، وأكد بعض المراقبين الدوليين آنذاك بأدلة تفيد حدوث أعمال قتل عشوائية. ولم تكن أحداث العنف التى شهدتها البلاد عفوية، بل كان مخططاً لها مسبقا، وكانت هناك أيد خارجية تشعل وقود الفتنة العرقية، وفقاً لما أكدته منظمات دولية وإقليمية. ورغم أن قيرغيزستان كانت الأسبق فى الثورات من بين الأنظمة المشابهة لها فى السنوات القليلة الماضية، والوحيدة على وجه الخصوص فى دول آسيا الوسطى، فإنها لاتزال تعانى من مشكلات عدة، أبرزها تدنى الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، وقيام الشعب القيرغيزى، فى أقل من 10 سنوات، بثورتين من أجل إسقاط النظام الموجود فى البلاد. وكان الظلم وغياب العدالة وتدنى الخدمات المعيشية وارتفاع مستوى الدخل والفقر المدقع، من الأسباب الرئيسية فى اندلاع الثورات فى قيرغيزستان أكثر من مرة، مع أن البلد كان يمتلك احتياطيا ضخما من الذهب فى بداية انهيار الاتحاد السوفيتى. وأدلى نحو 60% من الناخبين المسجلين فى البلاد وعددهم 3 ملايين ناخب بأصواتهم، حيث شهدت المنطقة الشمالية من البلاد أقوى نسبة إقبال من الناخبين. وأظهرت نتائج الانتخابات الرسمية، شبه النهائية، بعد فرز أكثر من 80% من الأصوات، فوز أتامباييف، المدعوم من روسيا، بنسبة تتجاوز 64% من أصوات الناخبين، بينما احتل المرتبة الثانية، كامتشى بيك تاشييف، زعيم حزب «أتا جورت» (الوطن) الذى احتل الطليعة فى الانتخابات البرلمانية عام 2010، والثالثة أداخان مادوماروف، رئيس البرلمان الأسبق، وزعيم حزب «بوتون قرغيزستان» (قرغيزستان الموحدة). وينص دستور قيرغيزستان الجديد، على انتخاب رئيس البلاد لمدة 6 سنوات، ولا يمكن إعادة ترشحه لفترة ثانية، فى حين كان يحق للرئيس البقاء فترتين رئاسيتين مدة الواحدة منهما 5 سنوات حسب الدستور السابق، وقد وفت الرئيسة الحالية للبلاد، روزا أوتونبايفا، بوعدها أمام الناخبين بعدم الترشح لولاية ثانية، وهى تشغل هذا المنصب منذ الثورة التى أطاحت بالرئيس كورمانبيك باكييف فى أبريل 2010. وبينما انتقد عدد من المرشحين سير الانتخابات التى شهدت برأيهم «خروقات كثيرة»، وتوعدوا بإنزال أنصارهم إلى الشوارع، حذر وزير الداخلية القرغيزى من أن الأجهزة الأمنية «تعتزم التصدى بقوة لأى محاولات للتظاهر أو لأى أعمال عنف». وأعلن 6 من المرشحين للانتخابات الرئاسية، خلال مؤتمر صحفى بالعاصمة بيشكيك أمس الأول، أن الانتخابات الرئاسية «شهدت انتهاكات فظة للغاية». وأكد تاشييف، وهو ملاكم سابق، أن حزبه لن يعترف بنتائج الانتخابات، وقال: وندعو الحكومة للتفكير جيدا وإلا ستعاقب من خلال قوة الدولة»، وقال مادوماروف إن «لجنة الانتخابات المركزية ارتكبت خلال عملية التصويت انتهاكات غير مسبوقة..ويلاحظ استغلال واسع للصلاحيات الإدارية لصالح أتامباييف».وأشار مادوماروف إلى أن مجموعة من المرشحين المعارضين عازمة على «الدفاع عن حقوق الناخبين بشتى الوسائل الممكنة». وهدد مادوماروف بتنظيم تحركات احتجاجية. وطالب المرشحون ب«التحقق من التواقيعات فى منطقة واحدة على الأقل». يأتى ذلك، بينما أكد سيرجى ليبيديف، السكرتير التنفيذى لمنظمة «كومنوليث» الدول المستقلة، التى أرسلت مراقبين للإشراف على الانتخابات، أن الانتخابات «كانت حرة ونزيهة». وأضاف «كانت هناك بعض المشاكل ولكنها محدودة ولم تؤثر على النتيجة النهائية للتصويت». ويعتبر استقرار قرغيزستان أمرا أساسيا بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية، التى تملك فيها قاعدة عسكرية جوية مهمة لانتشار قواتها فى أفغانستان، كما تملك روسيا فى هذا البلد بنى تحتية عسكرية. وتشهد قرغيزستان، البالغ عدد سكانها 5.5 مليون نسمة (القيرغيز69%، الأوزبك 14.5%، الروس 8.1%)، انقسامات كثيرة بين القيرغيز والأوزبك، وبين الشمال المتمدن نسبيًا، والجنوب الفقير، الذى يغلب عليه الطابع القروى، وأيضا بين المحسوبين على النظام السابق وأولئك التابعين للنظام الجديد.