حين أطرح مسألة أخلاقيات الثورة وأخلاقيات الإعلام للنقاش.. كأنما أقطع شيئاً من جسدى.. فربما يبدو الأمر من أوله، أن هناك اتهاماً للثورة وللإعلام فى وقت واحد.. يعنى هناك خطأ، يصل أحياناً إلى حد الخطيئة.. وقد يكون الأمر كذلك، وقد يكون هناك انحراف.. فلا الثورة تعنى الفوضى.. ولا حرية الإعلام تعنى قلة الأدب.. وهى مسائل تزعج المصريين.. بعد أن أصبحت لافتة للرأى العام! لا يختلف أحد على أن ثورتنا كانت ثورة أخلاقية.. ومن هنا كان سر عظمتها وروعتها.. وربما كان ذلك سبباً كى يتحدث عنها زعماء العالم، بالطريقة التى تليق بها.. فقال أوباما: «نحن نريد أن نعلم أبناءنا أن يكونوا مصريين».. وهناك أقوال أخرى مأثورة لبيرلسكونى وساركوزى وغيرهما.. فقد كان الثوار يرددون سلمية سلمية.. ثم ينظفون أماكنهم آخر النهار.. وتحول ميدان التحرير إلى ما يشبه الحرم! هذه واحدة لا يصح أن يشكك فيها حاقد ولا جاهل.. لكن كان ذلك قبل أن تنحرف قلة بالثورة عن مسارها.. حتى ظهرت أخلاقيات جديدة.. وظهرت بلطجة فى الشارع، وبلطجة أخرى فى الصحف والفضائيات.. وشيئاً فشيئاً بدأنا نفقد طعم وحلاوة الثورة.. لا نعرف من الثائر ولا مَن الفلول؟.. ولا نعرف من الثائر ولا من البلطجى؟.. ولا نعرف مَن الإعلامى ولا مَن القاضى؟.. تحولنا إلى قضاة وجلادين! لم نعد نعرف أى شىء.. اختلطت القيم واختلط الحابل بالنابل.. حتى إننا فى ميدان التحرير كنا نسمع من يقول: ليس هؤلاء من الثورة.. الذين يشتمون ليسوا من الثورة.. والذين يتهجمون على الناس ليسوا من الثورة.. والذين يقطعون الطرق ليسوا من الثورة.. ثورتنا كانت أخلاقية.. وثورتنا كانت سلمية.. لا تحمل سلاحاً ولا تطلق رصاصة.. ولا تلقى ورقة فى الشارع.. وهذه هى أخلاقيات الثورة! أما أخلاقيات الإعلام والصحافة بشكل عام، فقد بدت مسألة تستحق المراجعة، خاصة أنها بدأت بالمتحولين والمنقلبين والمنفلتين.. وهنا جاء من ينافق الثورة كأنه صانعها.. وكأنه كان فى الميدان، قبل الذين كانوا فى الميدان.. لم يعد أحد يصدق ما يحدث.. الكل يكتب عن الفساد.. صحف الحكومة وصحف المعارضة.. لم يعد هناك انفلات أمنى فقط، فهناك انفلات أخلاقى أيضاً! وباسم الثورة ارتكبت جرائم كثيرة.. لأن هناك من ينافق الثوار.. وباسم الحرية نشرت الصحف بيانات كلها تضليل وتدليس.. فأصبحنا ننشر الشىء ونقيضه.. دون تدقيق.. لأن الضحايا لا يملكون حق الرد، ولا الرأى العام يريد أن يسمعهم.. وليس هذا هو المناخ الذى نريده.. وليس هذا هو العالم الذى نصنعه.. الصحافة رسالة قبل أن تكون مهنة.. أخشى أن نكون أسأنا إليها! الحرية لا تعنى الاجتراء على الحقيقة، ولا تعنى الفبركة.. فليست حرية ولا صحافة أن تهين أحداً.. ولا أن تستهدفه.. الأصل أنك محايد.. والأصل أنك نائب عن الناس.. لست قاضياً ولا جلاداً.. أقول هذا بعد أن أصبح عندنا نوعان من المحاكمات.. محاكمات قضائية، ومحاكمات على الهواء، وصفحات الصحف.. فهل كل ذلك فى الثورة مقبول؟.. وهل التدليس والفبركة يصنعان حقيقة؟! الآن، أوجه كلامى إلى الثوار: احموا ثورتكم بالأخلاق.. وأسأل نقابة الصحفيين: أين دورك فى حماية المهنة، وحماية القيم وميثاق الشرف؟.. وأقول لنقابة الإعلاميين الوليدة: جاء دورك، وليكن شعارك: مهنة وحياد ومصداقية.. فمصر تتغير بالأخلاق، والإعلام يكبر بالحرية.. وينتحر بالفبركة والتضليل والتدليس!