لا أعرف من أين أبدأ، أنا بحكم «الرقم القومى»: شاب عمرى 21 عاما تخرجت من كلية نظرية بإحدى المدن الساحلية، لكننى ولدت وعشت في قرية بعيدة عنها، أنتمى لأسرة ميسورة الحال نمتلك أراضى زراعية يديرها أبى، وأنا «كما أختاروا لى» ولد وحيد على ثلاثه بنات.. إكتشفت في طفولتى أننى لا أميل للعنف ولا لألعاب الأولاد، فلم ألعب الكرة مرة واحدة في حياتى ولم تستهوينى متابعتها، كنت أفضل اللعب مع إخوتى البنات بالعرائس وكانت لعبتنا المفضلة أن أرتدى ملابسهن حتى بدأت أمى تنهرنى بشدة وتضربنى أحيانا وتقول لى: «خليك راجل»!. وفى المدرسة إختلطت بزملائى وإكتشفت في الحمام أننى مختلف عنهم من الناحية الجسدية.. وخبأت سرى في نفسى وأصبحت أبتعد عن الجميع وأنغلق على همى وأحزانى.. لم يكن بجسدى تلك العلامات التي تظهر على أي «مراهق» ولم يتغير جسدى.. وكانت أمى جاهزة بالتبرير –كالعادة- أنى «طالع بنوته لإخواتى». كانت فرصتى الوحيدة للتنفس حين إبتعدت عن أسرتى للدراسة، فأخذت أتابع الإنترنت بشغف أقرأ وأشاهد برامج تليفزيونية كثيرة أشاهد فيها حالات تعانى مثلها، وبعضها أجرى عملية «تحول جنسى» وأعلن عن طبيعته وحقيقته للناس وواجه المجتمع بكل قسوته.. وحالات أخرى جلست –مثلى- في حيرة تخشى أن تتحرك فتكون مجلبة العار لأهلها وتفقدهم أو حتى تفقد حياتها. فكرت كثيرا في الذهاب إلى طبيب متخصص لكنى حتى لم أعرف ما هو التخصص العلمى لحالتى ؟.. كل ما هدانى تفكيرى اليه هو إنتظار بلوغى سن الرشد لأكون قادر على إتخاذ القرار وتنفيذه.. رغم أننى لا أمتلك مالا يمكننى من تنفيذ أي قرار جراحى أتخذه أو يقرره الطبيب. كل ما أعرفه أننى «بنت» أنجذب للشباب عاطفيا وليس العكس، جسمى ناعم جدا رغم وجود علامات واضحة تؤكد «النوع» الذي أنتمى إليه جنسيا وهو الذكورة.. لكنها ذكورة منقوصة بلا شهوة ولا رغبة بل ويرفضها عقلى وتتمرد عليها مشاعرى.. أصبحت أخجل من صوتى من حجم صدرى من ضعف عضلاتى أمام الناس.. ولكنى أسعد بكل هذا حين أقف في المرآه. أنا أسكن وحدى في شقة مفروشة، ومكنتنى وحدتى من إقتناء ملابس نسائية وإرتداءها كلما سمحت الفرصة.. وكأنى أمارس أنوثتى الحقيقية وأنا وحيدة. لا يمكن أن أصف لك تعاستى بهذا التخبط الذي أعيشه، ولا كوابيس المستقبل وأنا أفكر في أننى أنثى سجينة جسد ذكر.. ولا خوفى من بطش أهلى وقلة المعلومات المتاحة أمامى.. فكل ما عرفته عن عمليات تغيير النوع أنها تستلزم موافقة الأزهر الشريف ونقابه الأطباء.. ورأيت واحدة فقط مصرية في أحد البرامج عانت ما عانيت لكنها نجحت في العبور إلى الجهة الأخرى من النهر. أنا أخشى نظرات الناس الآن، وأخاف من لعنتاهم غدا، أخشى على أسرتى وأخشى منهم إن عرفوا حقيقتى.. ولا أعرف من أين أبدأ ولا كيف أواجه الغد. بالطبع لدى الكثير من التفاصيل لا أستطيع أن أكتبها، لقد فكرت في الإنتحار أكثر من مرة لأهرب من حصار المجتمع وضغوط ميولى الجنسية.. لكنى تراجعت في النهاية.. ولا أعرف الآن كيف أهرب من حقيقتى ومن الدور الذي يتوقعه أبى في أن أكون «رجلا» يتحمل مسئولية أهله وأرضه من بعده.. أرجوك خذى بيدى ربما أجد سبيلا للنجاه بنصيحتك. يا صديقى/ صديقتى: بداية أنا مقدرة تماما لما تعانيه من تعارض عقلك مع جسدك، ومن واقعك الأكثر إضطرابا من شخصيتك وهويتك الجنسية.. وأتفهم مسافة الإختلاف الواسعة بين النوعين بكل ما لديهما من تفاصيل خاصة أو معلنة.. وأحترم خصوصيتك في الإحتفاظ ببعض ما تعانيه سرا لنفسك. لكن ما يهمنى أن تنتبه أنك قفزت على المراحل ،( الخطاب بلغة المذكر ينطبق على الذكر والأنثى)، فلا أنا ولا أنت نستطيع أن نحدد هويتك الجنسية.. لقد إكتفيت بميولك ومشاعرك وقررت من «عواطفك» أنك «أنثى».. بينما الأمر أكثر تعقيدا من رغبتك رغم أنها تٌحترم ويأخذها الأطباء في الحسبان. لقد ركزت كل تفكيرك على جراحة التحول الجنسي transgenderبإعتبارها الحل الأمثل لتتخلص من مواجعك النفسية، رغم ما فيها من مخاطر وتكلفة مادية ورغم ما يتعلق بها من رفض مجتمعى وعداء مع الأهل.. وكان لابد أن تبدأ من تحديد هويتك الحقيقية أولا. فالمرض المعروف ب «إضطراب الهوية الجنسية» يحتاج إلى فحوصات دقيقة وتحاليل للهرمونات، لتحديد نوعك البيولجى، وقد تكون «ثنائى الجنس» وبالتالى فالقرار في يد الطبيب وحده.. وأتصور أنك في البداية لابد أن تزور طبيب تخصصه أمراض تناسلية أو مسالك بولية لتعرف حقيقة تكوينك البيولوجى.. وبعدها قد يحتاج الأمر إلى زيارة طبيب نفسي أو علاج مبدئى بالهرمونات ،(إن كنت تحتاج علاجا).. وهنا سيكون للأطباء معك وقفة يٌتخذ فيها القرار.. إما الإكتفاء بالعلاج النفسى وضبط الهرمونات.. أو أن تستكمل مسارك العلاجى لتصل إلى عملية تصحيح الجنس أو كما يسمونه يسمى trans-sexual بمعنى العبور إلى الجنس الاخر. والطب وحده هو صاحب القرار لإنتزاع موافقة الجهة الدينية أو الطبية المعنية بمثل حالتك.. وبالتالى فعليك أن تكون جاهزا نفسيا وماديا لهذه الخطوة إذا ما إحتجت إليها (رغم علمى بأن مواجهة الأهل مهمة صادمه وصعبة).. فيجب أن تنظر إلى المستقبل جيدا فلن يكون خاليا من المتاعب حتى في مرحلة الزواج وكلها أعباء عليك أن تستعد لها.. وعليك أن تتحمل النتائج وتقبلها بصبر ورضا. لا تتعجل أو تستسهل الحل الجراحى فخلفه عده لجان مسئولة بما فيها رأى الطب النفسي.. ولا تتصور أن الحياة تنتهى بإعتقالك في جسد ضد حقيقتك ولا تتوقع أن المتاعب أيضا تنته بالعبور إلى الجانب الآخر من النهر . [email protected]