بقلم د. ياسر الدرشابي لماذا تأتي دائماً فرحة المصريين و معها قلق شديد، لماذا يكون كل مكسب يحققونه معه خوف جارف أن يأخذه احد منهم. نريد أن نفرح و لا ترتسم البسمة علي الشفاة، نريد أن نصرخ و لا يخرج منا صوت، نسابق الزمن بكل أمل في مستقبل مُشرق و لكن اليأس يسبقنا إليه. أردنا أن نفرح بخبر حبس سوزان مبارك و لكن ذُهلنا عندما شاهدنا قدرتها و قدرة من حولها علي القيام بتمثيلية الإشتباه في الإصابة بالذبحة القلبية. أردنا أن نفتخر بسيادة القانون علي أرض هذا الوطن و تطمئن قلوبنا علي سيف العدالة، فصَدمنا الشعور بالهوان و الشك في كل ما يحدث. قالوا أن الحشود في التحرير شعرت أمس بالإرتياح عندما أعلن خبر حبس سوزان ثابت 15 يوماً و لكنهم غادروا الميدان و قد إعتلت وجوههم الكثير من علامات الإستفهام و التعجب و داست أقدامهم علي أرض الشك الخصبة لزرع الوقيعة مرة أخري عندما علموا بأنه لن يتم ترحيلها إلي السجن بسبب إشتباه إصابتها بالذبحة. حتي مقدمي البرامج و نشرات الأخبار أصيبوا بالأرتباك و أختلط عليهم الأمر و تلعثمت الكلمات في حناجرهم فليس هناك أسوء من أن تُعلن للناس خبر أنت نفسك لا تصدقه، و ما أسوء أن يجعلك عملك تقول و تفعل ما لا تحب و ترضي. فقد قال أكثر من مذيع أمس، بل و كُتب علي الأشرطة الإخبارية أن سوزان أصيبت بإشتباه ذبحة صدرية، و الأصح طبياً و لغوياً أن يقال أن هناك إشتباه في الإصابة بذبحة صدرية. و في كلا الحالتين لا ذنب للذبحات الصدرية و لا ذنب للإرتجافات الأذينية فيما يدعون، فقد تتعدد الأسباب و البقاء في شرم الشيخ واحدٌ. أما الشيء الذي يدعو للأمل في هذه التمثيلية، هو أن أطباء مستشفي شرم الشيخ قاموا بحجز السيدة صاحبة الزمة الواسعة في قسم الرعاية المركزة بسبب إرتفاع ضغط الدم و إدعاء آلام في الصدر مما يؤشر علي تقدم الرعاية الصحية في مصر بصورة مذهلة تفوقت فيها علي الرعاية الصحية في أي من دول العالم. فإذا كانت للرعاية الصحية في مصر توصيات بحجز كل مريض يرتفع ضغطه بالعناية المركزة فلاشك أننا بحاجة ماسة لتوفير أماكن و أسرة تكفي لإستقبال ما يقرب من نصف الشعب المصري في أقسام الرعاية المركزة بمختلف مستشفيات الدولة. و هذا قد يكون من شأنه توفير الألاف من الوحدات السكنية التي لن يحتاجها هؤلاء المرضي علي الأقل لحين إستقرار حالتهم الصحية. أما و إن كانت حالتهم مثل حالة سوزان فقد لا تستقر أبداً كما هو الحال مع المخلوع أيضاً. ومن الطريف أن هناك ظاهرة طبية جديدة في مصر يجب دراستها و العمل علي بحث أسبابها لأن من الممكن لهذه الظاهرة العجيبة أن تغير وجه الطب في العالم كله. فيبدو أن هناك فئة معينة في مصر تستطيع أن تتحكم في توقيت إصابتها بالأمراض، فتمرض متي تشاء و تشفي في الوقت الذي تريده، بل و تستطيع أيضاً الإصابة بأمراض معينة لمنع ضرر أكبر كالنقل إلي طره أو إلي القناطر علي سبيل المثال. و علي جانب أخر فإن عبير مفجرة أزمة إمبابة لم تكن علي مستوي الذكاء و الدهاء و البجاحة لتدعي المرض عسي أن يتم حجزها في مستشفي شرم الشيخ الخاص بدلاً من سجن القناطر و خصوصاً و أنها أم معها طفلة صغيرة. و لكننا لانستطيع لوم سيدة بسيطة العقل و التعليم مثل عبير علي انها لم تكن ذكية، فأيضاً صدام حسين نفسه لم يكن ذكياً و إلا لكان إدعي الإصابة أو إشتباه الإصابة بالإرتجاف أو الذبحة و كان بذلك تفادي حبل المشنقة التي إضطر أن يذهب إليها بقدميه في صلابة و رباطة جأش لا يعرفهما إلا الرجال. أما عن أطباء مستشفي شرم الشيخ "المتعاونين" فيجب علينا شكرهم علي الشفافية والمصداقية والأمانة التي شاركوا فيها كل أطباء مصر. هو يا تري، في فمصر كام دكتور ؟ عظيمة يا مصر