داخل إحدى المراكِب العائمة في مدينة دسوق، كفر الشيخ، ارتدت الطفلة «ندى» لم يتعدّ عمرها 15 سنة فستانًا، فيما زيّنت وجهها بمساحيق التجميل، وبرفقتها الطفل «فارس»، 15 سنة، والذي ارتدى بدلة كاملة، ربمّا يبدو المشهد وكأنه فصل من لعبة «عريس وعروسة»، لكن المشهد كان جزءًا من خطوبة الطفلين؛ فارس وندى. «معملناش حاجة غلط»، هكذا جاء الرد الأول من السيّدة سهير، والدة الطفل فارس، عقب سيل التعليقات المُعترضة على الانتهاك الواضح لحقوق الطفولة، إذ قالت عبّر مداخلة هاتفية لبرنامج «مساء Dmc»: «فارس عنده 15 سنة في 3 إعدادي، وندى عندها 14 سنة»، وأضافت: «بينا صلة قرابة وده الطبيعي، إحنا كُنا عاوزين نأكد على الفكرة إن (فارس هيبقى لندى)، قررنا نعمل خطوبة ونلبّس الشبكة». تم تداول صور خطوبة الطفلين عبّر مواقع التواصل الاجتماعي، وسط استهجان لمّا حدث، الأمر الذي وجدته السيّدة سهير، «غير مقبول»، إذ برّرت ذلك قائلة: «فارس ممكن يكون بالنسبة لكم صغير سنًا، لكنه كبير عقلاً، هيشتغل بعد انتهاء الدراسة مع والده، هُم الاتنين بيحبوا بعض، دلوقتي الحُب مش بالسن، ده جيل إنترنت وفيسبوك». وتابعت، خلال المداخلة الهاتفيّة المذكورة سابقًا: «إحنا معملناش حاجة غلط، هم لسّه متجوزوش، بيحبوا بعض، فقررنا نخلّي الموضوع رسمي، لو شايفة ابني مش قد مسئولية الخطوبة مكنتش هوافق، إن شاء الله يكملوا مع بعض». زواج الأطفال تعرّف منظمة الأممالمتحدة للطفولة «زواج الأطفال» بأنهُ: «ارتباط أو زواج رسمي، أو اقتران غير رسمي، قبل بلوغ سن 18 عامًا، وهو حقيقة واقعة بالنسبة للفتيان والفتيات، على الرغم من أن الفتيات أكثر تضررًا بشكل غير متناسب، وقد تم تزويج نحو ثلث النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة في العالم النامي في مرحلة الطفولة، إذ يُعد زواج الأطفال الأكثر شيوعًا في جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لكن هناك اختلافات كبيرة في انتشاره بين البلدان المختلفة في نفس الإقليم». يُذكر أن الأدلة تُشير إلى أن الفتيات اللائي يتزوجن في سن مبكر يتركن التعليم الرسمي ويُصبحن حوامل، في كثير من الأحيان، كما أن الوفيات «النفاسية» المرتبطة بالحمل والولادة تعتبر عنصرًا هامًا لوفيات الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15و19 عامًا في جميع أنحاء العالم، إذ تتسبّب في 70000 حالة وفاة سنويًا. أشارت «اليونسيف» أيضًا إلى أن انتشار زواج الأطفال، يعد بمثابة عادة اجتماعية، إذ يُعد تزويج البنات دون سن 18 عامًا متجذرًا في التمييز بين الجنسين، وهو يشجع على الحمل في سن مبكرة والحمل المستمر وتفضيل تعليم الأولاد على البنات، كما أن زواج الأطفال استراتيجية للبقاء الاقتصادي، حيث أن الأسر تزوج بناتها في سن مبكرة للحد من الأعباء الاقتصادية عليها. مخالفة قانونية وحقوقية وفقًا للمادة 80 من الدستور المصري، ومن بعده المادة 2 من قانون الطفل «12 لسنة 1996»، وما أدخل عليه من تعديلات في القانون «126 لسنة 2008»، فإن سن الطفولة لا ينتهي إلا ببلوغ 18 عامًا، وخلال تلك الفترة يحق للطفل التمتع بالرعاية بصورة قد يعيقها تسريب فكرة «الارتباط العاطفي، زيجة كان أو خطبة» لعقل الطفل، الذي حظر القانونان تعريضه ل«الخطر، أو الإهمال، أو سوء المعاملة» بأي من صورها، والتي رأى مسؤولون وحقوقيون أن منها أمور «الخطبة أو الزواج». حالات مُتكررة في يناير 2018، تداول رواد موقع «فيس بوك»، الأربعاء، صورًا من حفل خطوبة طفلين من قرية قبريط التابعة لمركز فوة فى كفر الشيخ، ويبلغ عمر العريس 11سنة، والعروس 12 سنة. وقال حميدة الشريف، والد العروس، إنه كان عامل نظافة بنظام السركى بالمجلس القروى لأكثر من 10 سنوات ولم يتم تثبيته، وحاليًا بلا عمل، مطالبًا بإعادته لعمله وتثبيته ليتمكن من الإنفاق على أسرته المكونة من حبيبة، العروس، 12 سنة، ورحمة، 9سنوات، ومحمود، 8 سنوات، مريض بالقلب ويحتاج لعملية قلب مفتوح، وفردوس، 4 سنوات، إضافة إلى زوجته. وأضاف أن موضوع الخطوبة بدأ بطلب من شقيقة زوجته، مصابة بالجلطة، خطبة ابنته لابنها محمد جابر الفخرانى، الذى يبلغ 11 سنة، بسبب رغبتها فى الاطمئنان عليه إذا ماتت، لأن لديها 3 أطفال غيره. وتابع حميدة: «قبلت الخطوبة، وتمت إقامة حفل بسيط على سطح المنزل وقدم العريس لخطيبته دبلة وخاتما، واتفقنا أن يتم الزفاف خلال 8 سنوات حينما نكمل عش الزوجية لأن الظروف الاقتصادية صعبة وأنا غير قادر على تجهيزها». في أواخر 2017، أثارت صور خطوبة طفلين في الفيوم، داخل قرية منشأة رحمي، بمركز أطسا، جنوب غرب القاهرة، جدلاً كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ حدثَ خطبة الطفل أحمد شعبان عيد، 12 سنة، على عروسة تكبُره بأربعة أعوام، الأمر الذي اعتُبر مخالفة للقوانين، إذ يُشترط إتمام العروسين سن 18 عامًا. في 2016، شهدت قرية المعصرة التابعة لمركز بلقاس بالدقهلية، عقد قران وزفاف «أصغر عروسين في العالم»، وفقًا لتعبير حاضري الحفل. وبدأت بقيام أسرتي الطفلين فارس السعيد عبدالعزيز، 12 سنة، بالصف الأول الإعدادي، ونانسي، 10 سنوات، بالصف الخامس الابتدائي، بعمل حفل الزواج في سرادق كبير بالشارع، وسط مشاركة كبيرة من الأهل والأصدقاء وأهالي القرية، بمشاركة فرقة موسيقية و3 راقصات. واستمرّ الحفل حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، وارتدت العروسة فستانًا وردي اللون بدلًا من الأبيض، حتى لا يتقدم أحد بشكوى ضد أسرتيهما، ويتم الزواج دون مشاكل قانونية، حسب تأكيد شهود عيان من أهالي القرية. في 24 ديسمبر 2015 تمت خطوبة طفلة تُدعى نبيلة، 8 أعوام، على ابن عمها أحمد، 9 سنوات، بعزبة الجزار التابعة لمركز شربين بمحافظة الدقهلية، وكان الكوافير زيّن الفتاة على اعتبار أنها ستحضر حفل عيد ميلادها، ليفاجأ الموجودون بأن الطفلة تستعد لحضور حفل خطوبتها، وبرر الأهالي ذلك بأنهم يعدّون مفاجأة للطفلة، وقد نشر الكوافير صور الفتاة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» وقال ما حدث، ما أثار الجدل بين مستخدمي الإنترنت، نظرًا لصغر سن الطفل والطفلة. في 15 سبتمبر 2015 أتمّ الأهالي خطوبة طفلة تُدعى نهى، 11 عامًا، على فتى يُدعى وجيه، 17 عامًا، بقرية كفر شبرا اليمن التابعة لمركز زفتى بمحافظة الغربية، والعروس هي ابنة عم العريس، الذي غار عليها من كثرة تقدّم العرسان لخطبتها، فقد تقدم لخطبتها 5 أشخاص، فقرّر أن يبادر هو بالارتباط بها فخطبها، وهي لا تبلغ سوى 11 عامًا. وأقام أهل نهى ووجيه حفل خطوبة كبيرًا في الشارع، واشترى العريس الشبكة التي هي عبارة عن «خاتم ودبلة ومحبس وسوار»، كما ذهبت الطفلة للكوافير للتزين، وارتدت فستان خطوبة، فيما حضر الفتى بملابسه العادية، والتقطت لهما الصور والفيديوهات خلال حفل الخطوبة بحضور الأهالي والجيران. في شهر يوليو عام 2015 نشر أب صور خطوبة ابنته في الصف الثالث الابتدائي من ابن خالتها في الصف الرابع، حيث أقام حفل خطوبة لهما، ونشر الصور على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» وكتب عليها: «تم اليوم بحمد الله خطبة ابنتي سلمي عيد البنا، ثالثة ابتدائي، إلى ابن خالتها يوسف وائل، رابعة ابتدائي، والزفاف بعد التخرج إن شاء الله» ليلقى ردود أفعال عنيفة من مستخدمي الإنترنت. وظهر الطفل في الصور مرتديًا بدلة، فيما ظهرت الطفلة مرتدية فستانًا وتضع تاجًا من الورود على رأسها، فيما التُقطت لهما صور وهما يضعان يدًا في يد. في عام 2013 تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لخطوبة طفل يُدعى شمس، 13 عامًا، في الصف الأول الإعدادي، وطفلة تُدعى إيمان، 10 أعوام، في الصف الخامس الابتدائي، من أبناء السنبلاوين بالدقهلية، وكان الطفل يرتدي أيضًا بدلة فيما ارتدت الطفلة فستانًا وطرحة وحملت باقة من الورود، كما وضعت المكياج على وجهها لكي تبدو كفتاة، وظهر في الفيديو أهالي الطفلين مسرورين يباركون الخطوبة، فيما نُشِرَت صور لهما في جلسة تصوير بأحد الاستوديوهات، وهما يقومان بأوضاع تصوير كالعريس والعروس في يوم زفافهما. ويقول أهالي الطفلين إنهم أقدموا على إتمام خطبتهما، لرغبتهم فى ارتباط العائلتين بالنسب بعد أن ربطتهم علاقة مودة طيبة منذ زمن، ولكن الطفلين لم يفهما ما يحدث سوى أن أهلهما يرغبون في ذلك، كما قالت الطفلة. إدانة وإجراء قانوني نجح المجلس القومي للطفولة والأمومة في إحباط زواج طفلين بمحافظة كفر الشيخ، إذ انتشرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» صور لطفلين في حفل خطوبة تظهر فيه الطفلة مرتدية فستان خطوبة، والطفل مرتديًا بدلة كاملة. وقالت الدكتورة عزة العشماوي، الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة، في بيان له، اليوم الاثنين، إنه تم رصد هذه الواقعة عن طريق خط نجدة الطفل (16000) وتم تسجيله برقم (148479)، وعلى الفور تم تكليف اللجنة العامة لحماية الطفولة بمحافظة كفر الشيخ لأعمال شؤونها والتقصي عن هذه الواقعة وتقديم تقرير بشأنها. وأكدت «العشماوي» أنه تم اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة في هذا الشأن، إذ تقوم اللجنة العامة لحماية الطفولة بمحافظة كفر الشيخ بتوعية أسرة الطفلين بمخاطر الزواج المبكر وأخذ التعهد اللازم على والدي الطفلين بحسن رعايتهما، وعدم تكرار ذلك ووقف أي إجراء في هذا الزواج لحين بلوغ الطفلين للسن القانونى للزواج، حتى يكون لديهم الوعى الكامل لتحمل المسؤولية في هذا الشأن. وفى هذا الصدد، أدانت الأمين العام للمجلس هذا الزواج والذى يعد انتهاكا صارخ لحقوق الطفل، مشيرة إلى أن نشر مثل هذه الصور هو تشهير بالأطفال ومخالف للمادة «116» مكرر ( أ )من قانون الطفل، مناشدة رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعدم تداول هذة الصور لما فيها من انتهاك لحقوق الطفل. ونوهت «العشماوي» أن المجلس يقوم بدوره الفعال في مناهضة زواج الأطفال، مشددة على اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها حماية الأطفال من أي انتهاكات أو عنف يمكن أن يتعرضون له، موضحة أن السن القانونى للزواج سواء للفتيات أو الذكور هو 18 عامًا وذلك وفقا لقانون الأحوال المدنية وقانون الطفل.
