يمثل التطرف الدينى فى أفريقيا أكبر تحدٍّ لدول القارة السمراء فى السنوات الأخيرة، إذ تمادت الحركات الإرهابية فى تصدير مفاهيم التكفير وشن الهجمات الانتحارية والبحث عن تمويلها من مصادر مختلفة، استغلالا للفقر والجهل والبطالة لتوسيع مساحات الصراع. وهناك أوجه تشابه عديدة بين حركة «جيش الرب» ذات الأصول المسيحية فى أوغندا، والتى تقاتل ضد حكم الرئيس يورى موسيفينى، وجماعة «بوكو حرام» الإسلامية المتطرفة غرب أفريقيا، وحركة شباب المجاهدين فى الصومال، من حيث النشأة والفقر والجهل، مما جعل أفريقيا تدفع ثمنا باهظا أدى لمقتل مئات الآلاف من أبنائها. انطلق (جيش الرب) بدعاوى دينية لمؤسسة جوزيف كونى- المولود فى 1961 بقرية أوديك شمال أوغندا لأبوين مزارعين وبدأ حياته شماسا فى كنيسة قريته ثم أصبح مداويا بالسحر- وعندما تولى موسيفينى الحكم ثارت عليه قبيلة «أشولي» إحدى القبائل الاستوائية، ومن ضمنها «كونى» الذى ادعى أنه يتولى قيادة حركة الروح المقدس التى أصبح بعد ذلك يطلق عليها (جيش الرب)، وبدأ نشاطه الفعلى عام 1988، وينادى بقيام حكم دينى يتأسس على العهد الجديد والوصايا العشرة. وتشير «يونيسيف» إلى أن (جيش الرب) جندت 40 ألف طفل، ويمثلون 80% منها، مما دعا محكمة الجنايات الدولية تصدر أمرا باعتقاله باعتباره مجرم حرب، وذكرت الأممالمتحدة أن (جيش الرب) قتلت 100 ألف شخص، واختطفت أكثر من 50 ألف طفل، وهجرت 2.5 مليون شخص من مناطقهم. وظلت الحركة تتنقل بين شمال أوغندا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى، معتمدة أسلوب «حرب العصابات» الذى يشبه حرب الشوارع بالاعتماد على المباغتة والاستفادة من الغابات الاستوائية لاستنزاف الجيش الأوغندى، وأصبح «كونى» واحدا من أبشع الشخصيات العالمية بعد أن أصدر المخرج الأمريكى جيسون روزيل فيلمه الشهير (كونى 2012) حول خطورة جرائم جيش الرب، ودخلت القوات الأمريكيةأفريقيا الوسطى عام 2016 لمحاصرة جيش الرب بالتنسيق مع القوات الأوغندية، وسرعان ما خرجت الولاياتالمتحدة عام 2017 وأعلنت إضعاف المجموعة المسلحة، وتبقى معه أقل من 100 مقاتل يختبئون فى الأحراش النائية. وتمثل «بوكو حرام» الوجه الآخر للتطرف الدينى فى أفريقيا بعد أن استنزفت موارد نيجيريا والكاميرون. وتأسست الجماعة عام 2002 فى ولاية بورنو شمال نيجيريا بزعامة محمد يوسف، الذى ترك الدراسة مع مجموعة من الطلاب احتجاجا على التعليم الغربى، ويعنى اسم الجماعة «التعليم الغربى حرام» بلغة الهوسا أكبر قبائل نيجيريا، وشنت الجماعة أول هجوم فى 2009 بشمال نيجيريا، وأغلب مسلحيها عاطلون عن العمل، وفى نيجيريا 40 مليون عاطل، بجانب سوء التعليم، وتشير إحصائيات رسمية إلى أن حوالى 20 ألف شخص لقوا مصرعهم من هجمات «بوكو حرام»، وتنفذ الجماعة عمليات انتحارية خارج نيجيريا شملت التشاد والنيجر. ويقول الدكتور صبرى محمد خليل، أستاذ الفلسفة بجامعة الخرطوم، إن الأصول الفكرية لجماعة بوكو حرام تنطلق من مفاهيم أهمها العمل على تأسيس دولة إسلامية بالقوة، وتكفير جميع العاملين فى الدولة، وتطبيق الشريعة الإسلامية فى جميع ولايات نيجيريا التى يشكل المسلمون 68% من سكانها. وينشط تنظيم «القاعدة» الإرهابى فى أفريقيا، وأثار خبراء الاتحاد الأفريقى للسلم والأمن مخاوف من تنامى الإرهاب والفكر المتطرف فى منطقة الساحل ووسط أفريقيا، بسبب الصعوبات الأمنية فى دول تستقبل المهاجرين غير الشرعيين، بجانب عودة المقاتلين فى العراق وسوريا، وعبّر التنظيم عن ظهوره لأول مرة عام 1996، وتبنى تفجير السفارة الأمريكية فى كينيا بعد عامين، وانضمت له جماعات متشددة قادمة من الجزائر وأفغانستان وجنوب ليبيا. ويقول الباحث الموريتانى محمد محمود أبوالمعالى إن أصول تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب تعود إلى تسعينيات القرن الماضى بسبب «الجماعة الإسلامية المسلحة فى الجزائر»، التى ظهرت عقب إعلان السلطات إلغاء انتخابات 1988 التى فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وحظر الحزب واعتقال قادته، وظل تنظيم القاعدة ناشطا فى الغرب الأفريقى، وأعلن ولاءه ل«داعش» فى 2015، بينما اعتمد «داعش» على «بوكو حرام» التى سيطرت فى 2014 على أكثر من 35% من مساحة نيجيريا. نشر المركز الأمريكى المتخصص فى الشؤون الأفريقية فى فبراير الماضى تقريرا حول نفوذ التنظيمات الإرهابية فى شمال أفريقيا، أكد فيه تراجع «داعش» مقابل توسع «القاعدة» فى عملياته الإرهابية، وأكد التقرير تراجع هجمات «داعش» عام 2017 إلى 43 عملية مقابل 319 عام 2016، خلفت 239 قتيلا معظمهم من عناصر التنظيم.. فى المقابل تضاعفت هجمات تنظيم القاعدة إلى 157عملية فى 2017 مقابل 56 فى 2016. وتظل حركة الشباب الصومالية فى المرتبة الأولى ضمن الجماعات الإسلامية الأكثر دموية ب 1593 قتيلا، فيما نفذت «بوكو حرام» 500 هجوم، وما يجمع تلك الجماعات الإرهابية «الاختطاف للحصول على التمويل وفرض الحماية، والسرقة والاتجار بالبشر، والسلاح، وتهريب المخدرات عبر الصحراء الكبرى إلى أوروبا».