رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة المدنية بين الليبرالية والمرجعية الإسلامية (1)
نشر في المصري اليوم يوم 07 - 05 - 2011


كتب د.عمرو احمدين
مما لا شك فيه أن هناك الكثير من الغموض الذي لا يزال يكتنف معني الدولة المدنية الحديثة و آلية تحقيقها علي الرغم من كل ما كتب و قيل و نشر في هذا الشأن في الآونة الأخيرة في ظل الحديث عما يجب أن يكون عليه شكل النظام السياسي في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. و إذا أمعنا النظر جيداً في الأسباب الحقيقية وراء هذا الغموض، سنجد أنه لا ينبع بالأساس من غموض في تعريف الدولة المدنية بقدر ما ينبع إما من جهل المتحدثين عنه بحقيقة مفهومها و آليات تحقيقها و كيفية تطبيقها أو بسبب تعمدهم عدم الوضوح و الغموض و الضبابية أو إخفاءهم لنواياهم الحقيقية بإستخدام مفردات و ألفاظ في غير مكانها أو بممارسة نوع من المراوغة الكلامية في الحوار بغية تحقيق مصالح شخصية أو مكاسب حزبية سياسية و استمراء العامة من الناس للتصويت لهم في الإنتخابات التشريعية المقبلة. و لاستجلاء الأمر و استيضاحه، نقول أن هناك الآن تياران اساسيان فاعلان في المشهد السياسي المصري: التيار الإسلامي و التيار الليبرالي. أما التيار الإسلامي فأعني به هنا تيار الإسلام السياسي الذي يدعو صراحة في كل مناسبة إلي قيام الدولة المدنية بمرجعية إسلامية تستند إلي مباديء الشريعة الإسلامية كمظلة تشريعية ثابتة تدور في فلكها منظومة القيم والأعراف المجتمعية و تتحرك في اطارها جميع التشريعات و القوانين الوضعية التي تمر من خلال السلطة التشريعية المنتخبة في الدولة بحيث لا تصطدم بتلك المباديء أو تتعارض معها. أما التيار الليبرالي فأقصد به هنا جميع القوي و الأحزاب السياسية التي تصف نفسها بالليبرالية و أجمع معها في هذا السياق التيار اليساري و العلماني و أغلبية الأقباط مع علمي اليقيني بإختلاف المرجعية الفكرية و الأيدلوجية التي ينطلق كل تيار منها.
و في هذا المقال، سأحاول فك الإلتباس و استجلاء الأمر و بيان مكمن الخلاف و الإختلاف بين كل من التيارين السياسين، الليبرالي و الإسلامي، في تعريفهما للدولة المدنية في محاولة للخروج بتعريف الدولة المدنية من مرحلة العشوائية المصطلحية التي يمر بها الآن و الوصول به إلي نوع من الدقة التعريفية وذلك عن طريق فصل تعريفه الإصطلاحي عن الوظيفي و الذي قد يختلف من تيار سياسي إلي آخر. كما سألقي الضوء أيضاً علي معني المرجعية الإسلامية في الدولة المدنية و ما إذا كانا يتكاملان أو يتعارضان مع بعضهما البعض. و أخيراً سألقي الضوء علي ماهية النظام السياسي في الدولة الإسلامية مبيناً خصائصه التي يتميز بها و كيف يمكن أن يستوعب في ظل اطاره الحضاري الواسع كل المذاهب الفكرية و الأيديولوجيات الأخري.
تعريف المصطلحات
---------------------
و قبل الشروع في التعرف علي معني الدولة المدنية من منظور الأحزاب الليبرالية و الإسلامية، فإنه من الضروري أن نحرر أولاً مجموعة من المصطلحات السياسية الشائعة من توظيفها السياسي و هو الهدف من هذه الفقرة.
الدولة المدنية:
----------------
تقوم الدولة المدنية علي عدة ركائز رئيسية:
1) الشعب هو مصدر السلطات الثلاثة في الدولة (التشريعية و التنفيذية و القضائية) بمعني أنه يوكل من بين افراده من يحكمه و يقوم برعاية شئونه السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و يمارس السيادة عليه. و تأتي هذه السيادة بأن يتنازل كل فرد في المجتمع - بكامل ارادته و برضا كامل - عن شيء من سيادته التي يمارسها علي نفسه لصالح كيان يسمي "الدولة أو المجتمع" لتمارس من خلال تلك السيادة "الممنوحة لها "مهامها في نظام الحكم و فرض القانون بالقوة الجبرية.
2) توزيع السلطات الثلاثة في الدولة بين مؤسسات و كيانات سياسية و اقتصادية و إجتماعية مستقلة و الفصل بينهم بما يضمن عدم احتكار الحاكم لها أو استغلال أي منها في تحقيق مصالح شخصية أو إشباع أهواءه و رغباته في الخلود علي كرسي الحكم إلي أن تفيض روحه إلي بارئها.
3) التداول السلمي للسلطة بحيث تنتقل من حاكم إلي آخر بعد فترة زمنية محددة.
4) التمثيل العادل لكل أفراد المجتمع و طوائفه المختلفة في مؤسسات تعبر عن آراءه و مشاكله و همومه و تحقق آماله و طموحاته.
5) إيجاد آلية يتمكن الشعب بواسطتها من مراقبة الحاكم و محاسبته حال خطأه و بل عزله عن منصبه إذا لزم الأمر.
و الدولة المدنية بهذا المعني هي علي النقيض من الدولة الدينية التي يحكم فيها رجال الدين بمقتضي الحق الآلهي بعيداً عن الإرادة الحرة للشعب الذي لا يمكنه في هذه الحالة أن يراقب حاكمه فيما يفعله أو أن يحاسبه إن أخطأ لما لديه من سلطة مطلقة.كما أنها أيضاً بهذا التعريف هي علي النقيض من الدولة العسكرية التي يحكم فيها رجال العسكر جميع المؤسسات و الكيانات في الدولة و تتركز جميع السلطات في أيديهم.
الديمقراطية:
-------------
الديمقراطية يمكن تعريفها بأنها مجرد الآلية أو الوسيلة التي توصل اليها العقل البشري الحديث ليتمكن بواسطتها التعرف علي ارادة المواطين في الدولة و اتاحة الفرصة الكاملة لهم أن يمارسوا حق الإختيار الحر لممثليهم في مؤسساتها و كياناتها المختلفة بنزاهة و شفافية كاملين. و ما الإنتخابات البرلمانية و الرئاسية إلا مجموعة من الترتيبات و التنظيمات التي تحقق الديمقراطية علي أرض الواقع. كما يمكن ايضا تعريف الديمقراطية بأنها قيد علي الحرية المطلقة للفرد، تكبح جماحها و تمنع تحولها إلي حالة من الفوضي المجتمعية. و بمعني ثالث، الديمقراطية هي حكم الأغلبية الذي يمنع الأقلية الحاكمة التي تملك رأس المال أو النفوذ أو السلطة من الإستبداد بالقرار الذي يخص الجماعة.
المواطنة:
----------
المواطنة هي مبدأ من مباديء إدارة الدولة والمجتمع و تعني المساواة الكاملة أمام القانون بين كل من يحمل نفس جنسية الدولة ممن يقيم علي أرض الوطن أو كان من المغتربين، في كل الحقوق والواجبات لاسيما الحقوق المدنية والسياسية و المواطنة بهذا المعني، تمنع التمييز بين المواطنين علي أساس اللون او الدين أو العرق أو النوع.
المرجعية:
-----------
لفظ المرجعية من الألفاظ التي تلتبس علي الكثير من الناس فهم دائماً ما يتساءلون عن مضمونها و محتواها. و بتبسيط لا يخل بالمعني، فإن المرجعية تعني المصدر الأساسي للتشريع في الدولة. و في هذا المجال، يمكن تصنيف المرجعية إلي صنفين أساسين: الاول المرجعية الدينية أو العقائدية و الثاني العلمانية أو الدنيوية أو اللادينية. و تنقسم العلمانية بدورها، بحسب تعريف الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله، إلي علمانية جزئية و أخري شاملة. فالعلمانية الجزئية، فهي كما يطلق عليه الدكتور المسيري، العلمانية الأخلاقية أو العلمانية الإنسانية و هي التي تؤمن بالقيم المطلقة كتلك الموجودة في الكتب السماوية أو المذاهب العقائدية. و من الجدير بالذكر في هذا السياق، أن هذا النوع من العلمانية هو السائد في معظم الدول العربية. أما العلمانية الشاملة فهي كما يعرفها الدكتور المسيري "هي رؤية شاملة للكون بكل مستوياته ومجالاته، لا تفصل الدين عن الدولة وعن بعض جوانب الحياة العامة وحسب، وإنما تفصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتم نزع القداسة تماماً عن العالم، بحيث يتحول العالم (الإنسان والطبيعة) إلى مادة استعمالية." و هذا النوع من العلمانية هو السائد في معظم الدول الغربية و إن إختلف تطبيقه من دولة إلي أخري بإختلاف المرجعية الثقافية و منظومة القيم و الأعراف السائدة و التاريخ و الجغرافيا. و علي النقيض من المرجعية العلمانية، فإن المرجعية الدينية هي التي تستند في التشريع إلي مباديء دين أو معتقد معين فعلي سبيل المثال يسنتد التشريع في مصر إلي مباديء الشريعة الإسلامية كمظلة تشريعية ثابتة تدور في فلكها منظومة القيم والأعراف المجتمعية و تتحرك في اطارها جميع التشريعات و القوانين الوضعية التي تمر من خلال السلطة التشريعية المنتخبة في الدولة بحيث لا تصطدم بتلك المباديء أو تتعارض مع أصل من أصولها أو ثابت من ثوابتها. و في حقيقة الأمر، هذا التعريف للمرجعية الإسلامية يكاد يكون متطابقاً مع تعريف العلمانية الجزئية، فسنجد أنه في حالة مصر علي سبيل المثال، بينما تستمد الكثير من القوانين و التشريعات مشروعيتها من مباديء الشريعة الإسلامية ما زال هناك البعض منها مستوحا من القانون الفرنسي.
الليبرالية:
----------
قبل أن نعرف مصطلح الليبرالية يجب أن ننبه علي أمر هام. إنه نظراً لنشأة فلسفة الليبرالية تاريخياً في أوروبا في في ظل بيئة علمانية شمولية تجعل من الإنسان مركزاً للكون كما سبق و عرفناها فإن كل تعريفات الليبرالية المتاحة، تفترض عملها في إطار علماني صرف تكتسب معه مدلولها السلبي الذي يرتبط أساساً بالعلمانية. فأصبحت الليبرالية مقترنة أو مرادفة للعلمانية مع اختلافهما في محتوي كل منهما. فماذا تعني الليبرالية؟ سأستعير هنا تعريف الليبرالية كما جاء في موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة " هي مذهب فكري يركز على الحرية الفردية، ويرى وجوب احترام استقلال الأفراد، ويعتقد أن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين مثل حرية التفكير، والتعبير، والملكية الخاصة، والحرية الشخصية وغيرها. ولهذا يسعى هذا المذهب إلى وضع القيود على السلطة، وتقليل دورها، وإبعاد الحكومة عن السوق، وتوسيع الحريات المدنية. ويقوم هذا المذهب على أساس علماني يعظم الإنسان، ويرى أنه مستقل بذاته في إدراك احتياجاته. " و لكنه، و كما سيتضح لاحقاً في الجزء الثاني من هذا المقال أنه يمكن تطبيق مباديء الليبرالية كحرية التعبير و التفكير و غيرها في إطار اسلامي لا يسمح بتغول الفكر العلماني في المجتمع و يمنع تفشي مبادئه التي يدعو إليها. و بالتالي يمكن القول أن هناك نوعان من الليبرالية: ليبرالية علمانية أو أخلاقية تجعل من حرية الفرد قيمة مطلقة لها قدسية لا يمكن المساس بها أو الإقتراب منها و تعمل الدولة بجميع سلطاتها علي حمايتها و ليبرالية لاعلمانية أو سياسية تمنع إستبداد الأغلبية الحاكمة في الدولة بالاقليات الدينية أو العرقية فيها و الليبرالية بهذا المعني السياسي ليبرالية حميدة تتوافق و مباديء الشريعة الإسلامية .
الدولة المدنية في المنظور الليبرالي
-------------------------------------
و إذا بدأنا بتعريف التيار الليبرالي للدولة المدنية، نجد انه يقوم بالأساس علي ثلاثة مباديء أساسية: المواطنة و سيادة القانون و حقوق الإنسان. أما المواطنة فهي مساواة جميع المواطنين في الحقوق و الواجبات أمام القانون رغم الإختلاف الديني أو العرقي أو بسبب اللون أو الجنس أو غيره من مواطن الإختلاف بين مواطني الدولة الواحدة. فعملا بمدأ المواطنة، تنتفي الهوية الدينية لكل من المسلمين و المسيحيين و تصبح جنسية الدولة المصرية هي العامل المشترك الوحيد الذي تستمد منه المواطنة شرعيتها و التي مبقتضاها يتمتع المسلمون و المسيحيون بنفس الحقوق و الحريات و يلتزمون بأداء ذات الواجبات المنصوص عليها في الدستور. أما سيادة القانون فتعني أن يصبح القانون سلطة مطلقة يعلو سلطانه فوق كل صاحب نفوذ أو سطوة أو رأس مال بحيث لا يفرق بين غني و فقير، رجل أو إمرأة، مسلم أو مسيحي، طالما أنهم جميعاً يتمتعون بحقوق المواطنة. كما يعلي التيار الليبرالي من قيم حقوق الإنسان و يرفع من شأن كرامته و ينادي بسن قوانين و تشريعات تؤمنه ضد كل من يحاول المساس بانسانيته أو نزع آدميته و يدعو إلي تجريم كل من يقوم بأفعال من شأنها إمتهان كرامته. و الجدير بالذكر هنا أن أصحاب التيار الليبرالي لا يفصحون عن مرجعية الدولة التي يأملونها: هل يريدونها ليبرالية "علمانية شمولية" علي غرار النموذج الروسي، لا تفصل التشريع في الدولة عن الدين فحسب، بل هي علمنانية كارهة لجميع للأديان، طاردة له، يقتصر الدين فيها علي الحياة الخاصة للفرد و لا يحق له أي للفرد أن ينتقل بمظاهر تدينه من الحياة الخاصة إلي الحياة العامة و إلا يكون قد ارتكب جرما يعاقب عليه القانون. أم أن الليبراليون يريدونها دولةليبرالية "علمانية" علي غرار النموذح الأمريكي يسمح للفرد أن يمارس حرياته الدستورية بأن يخرج بمظاهر دينه، كارتداء المسلمات للحجاب أو النقاب أو ارتداء المسيحيين للصليب، من الحياة الخاصة إلي الحياة العامة لكن مع إقصاء الدين تماماً عن كل ما يتعلق بسلطان التشريع في الدولة و الإحتفاظ بمرجعيتها العلمانية في هذا الإطار؟
الدولة المدنية من منظور التيار الإسلامي
------------------------------------------
و إذا انتقلنا إلي تعريف التيار الإسلامي للدولة المدنية، تجده فضفاضاً بعض الشيء، لا يرتكز علي أسس ثابتة يمكن الإستناد إليها. فنجدهم تارة ينادون بالدولة المدنية التي يكون فيها الشعب هو مصدر السلطات، و هو من ينتخب حاكمه و ينصحه و يقومه و يعزله إن لزم الأمر ذلك بموجب العقد الدستوري التوافقي بينهم و بينه و تارة اخري يلمحون في بطن تصريحاتهم الصحفية أو الإعلامية برغبتهم في قيام الدولة الدينية التي يدعي فيها الحاكم ملكيته للتفويض الآلهي أو الإرادة الربانية للحكم و أنه هو وحده دون الناس من يملك حق التشريع في الدولة بمقتضي الصلاحيات الممنوحة له مباشرة من قبل الوحي السماوي. و في هذا السياق، يقول أصحاب التيار الإسلامي، أنهم يسعون وراء تأسيس دولة مدنية بمرجعية إسلامية للتشريع فيها. و لكنهم في حقيقة الأمر يقفون عند هذا الحد و لا يعطون تفاصيلاً كافية لرؤيتهم الشرعية في الكثير من القضايا الشائكة كتلك المتعلقة علي سبيل المثال لا الحصر، بتولي مرأة أو مسيحي رئاسة الجمهورية، بموقفم من البنوك التي يعتقد الكثيرون منهم أنها بنوك ربوية لا يمكن أن تظل عصب الإقتصاد و شريانه الرئيسي في ظل مرجعية إسلامية، بموقفم إزاء إقامة الحدود كقطع يد السارق و رجم الزاني و الزاني، رؤيتهم لمستقبل السياحة ف مصر، و غيرها من القضايا التي يحتاج فيها المجتمع المصري و هو مقبل علي عهد جديد في تاريخه سوف يتشكل فيه مستقبله و مستقبل ابنائه و أحفاده لسنوات طوال قادمة، إلي شفافية كاملة و مكاشفة و مصارحة لا مواربة و مراوغة و الإفصاح عن كل ما تخفيه الصدور أو تبطنه القلوب من نوايا و اغراض.
و بعد هذا العرض و بالنظر إلي كل من التعريف الإصطلاحي و الوظيفي للدولة المدنية علي التوازي، يتبين لنا أن الدولة المدنية من المنظور الليبرالي، هي دولة مدنية ليبرالية تقوم علي أساس المواطنة و لكنها بدون مرجعية واضحة بينما هي علي الناحية الأخري، من منظور الأحزاب الإسلامية، دولة مدنية بمرجعية إسلامية لم يتضح بعد ما إذا كانت تقوم علي أساس المواطنة الكاملة أو الليبرالية السياسية. و من ثم فإنه من الضروري بمكان، أن نستوضح معني المرجعية الإسلامية بصورة أكثر تفصيلاً و أعم نظرة تسمح لنا بأن نتعرف علي حقيقة مضمونها و ما تشتمل عليه من خصائص و ملامح للنظام السياسي الذي تقوم عليه و هو ما سنتطرق له في الجزء الثاني من هذا المقال إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.