مجلس النواب يحيل 10 مشروعات قوانين للجان المختصة    وزارة العمل: توعية في مجال السلامة والصحة المهنية بمحطة توليد كهرباء بشمال سيناء    وفد من "رجال أعمال إسكندرية" يزور ليبيا لبحث فرص التعاون    وزير الإسكان: مصر سوق واعدة للاستثمار العقاري    رئيس «صحة النواب»: تشجيع القطاعين الخاص والأهلي يحسن خدمات الرعاية الصحية    حصاد 394 ألف فدان قمح وتوريد 582 ألفا و217 طنا بالشرقية    تداول 11 ألف طن و821 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر خلال 24 ساعة    وزارة التجارة والصناعة تستضيف اجتماع لجنة المنطقة الصناعية بأبو زنيمة    زعيمة حزب العمال في الجزائر تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية    باحثة ب«المصري للفكر» تنتقد عجز مجلس الأمن عن إلزام إسرائيل بالانسحاب من غزة    رئيس «المصريين الأحرار»: لن يخرج فائز من الحرب على قطاع غزة    ترامب ينتقد بايدن مجددًا: «لا يستطيع أن يجمع جملتين معًا»    محاضرة فنية أخيرة من جوميز للاعبي الزمالك استعداداً لإياب نهائي الكونفدرالية    البدري: الأهلي قدم مباراة جيدة أمام الترجي .. وتغييرات كولر تأخرت    تصل ل45 درجة.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس ال6 أيام المقبلة    أسماء المتوفين والمصابين في حادث الطريق الدائري بالقليوبية    بسبب لهو الأطفال.. إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    السجن ل8 متهمين باستعراض القوة وقتل شخص وإصابة 5 آخرين في الإسكندرية    مشاهد من حفل زفاف ابنة سامح يسري.. إطلالة العروس تخطف الأنظار    في ذكرى وفاته.. محطات بارزة في تاريخ حسن مصطفى    تعرف على شروط مسابقة «التأليف» في الدورة ال 17 لمهرجان المسرح المصري    مايا مرسى تشارك في فعاليات افتتاح الدورة الثانية لملتقى التمكين بالفن    صور| باسم سمرة ينشر كواليس فيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    عوض تاج الدين: الرئيس السيسي يتابع منظومة التأمين الشامل أولا بأول    نصائح مهمة من صحة كفر الشيخ لمواجهة الموجة الحارة.. تعرف عليها    رئيس النواب: قانون المنشآت الصحية لن يؤثر على مجانية الخدمة المقدمة للمواطن    طريقة عمل الكمونية المصرية.. وصفة مناسبة للعزومات    رئيس النواب: الحق في الصحة يأتى على رأس الحقوق الاجتماعية    عقب مواجهة الترجي.. وصول بعثة الأهلي للقاهرة    رضا عبد العال: الأهلي حقق المطلوب أمام الترجي    القومي لحقوق الإنسان يستقبل السفير الفرنسي بالقاهرة لمناقشة التعاون المشترك    أحمد أيوب: مصر تلعب دورا إنسانيًا ودبلوماسيًا لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة    وزيرة التضامن تبحث ريادة الأعمال الاجتماعية مع نظيرها البحريني    مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعًا لبحث العملية في رفح    "اليوم التالي" يثير الخلافات.. جانتس يهدد بالاستقالة من حكومة نتنياهو بسبب خطة ما بعد الحرب    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    افتتاح دورة تدريبية عن تطبيقات تقنيات تشتت النيوترونات    شهادات تقدير لأطقم «شفاء الأورمان» بالأقصر في احتفالات اليوم العالمي للتمريض    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    بحضور وزير الشباب والرياضة.. تتويج نوران جوهر ودييجو الياس بلقب بطولة CIB العالم للإسكواش برعاية بالم هيلز    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024 بمستهل التعاملات البنكية    موعد عيد الأضحى 2024 وجدول الإجازات الرسمية في مصر    إعلام روسي: هجوم أوكراني ب6 طائرات مسيرة على مصفاة للنفط في سلافيانسك في إقليم كراسنودار    أخبار جيدة ل«الثور».. تعرف على حظك وبرجك اليوم 19 مايو 2024    تعليم الفيوم يحصد 5 مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية فى المسابقة الثقافية    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الأحد 19 مايو 2024.. الطماطم ب 5.5 جنيه    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    مصرع فتاة أسفل عجلات جرار زراعى بالمنوفية    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    نهائي دوري أبطال أفريقيا| بعثة الأهلي تصل مطار القاهرة بعد التعادل مع الترجي    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سر قوة هيكل العجيبة!
نشر في المصري اليوم يوم 21 - 02 - 2016

«كان فى الواقع صارماً لحد لافت فى طقوسه، كما حكى وكتب كثيرون. ولم يتخل- إلا فيما ندر- عن دروع الهيبة التى يعرف أسرارها وكيفية إضفائها على أى مشهد يتصدره. أخذتنى فى الأسابيع الأولى هذه الطقوس. علاقته بالوقت، والمظهر، دقة اختيار اللفظ، وحرص مبالغ فى كل التفاصيل. حتى ما بدا منه عفوياً أو تلقائياً، فعليك أن تعرف أنه لا شىء بالصدفة فى مكتب الأستاذ. قررتُ التمرد على ذلك بوسائل كثيرة، لم تمر عليه بالطبع، بل سمح هو بها، وأسقط الدروع بقرارٍ منه. ربما بعض الحنو بحكم تقدم العمر وقت التقينا».
مقالات متعلقة
* لماذا انهارت حضارة مصر القديمة؟
* العصور الوسطى
هذا ما كتبه الأستاذ شريف عامر، المحاور التليفزيونى اللامع، فى جريدة الشروق (السبت 20 فبراير). السطور تلمسُ شيئاً عاينه كلُ من اقترب من الراحل محمد حسنين هيكل، وكتب عنه وعن عالمه. هذا «الشىء» يُمثل سر قوة هيكل الأسطورية. سر تأثيره الممتد، المتجاوز للأحقاب، العابر للأجيال. السرُ فى عبارة موجزة يكمن فى أن هيكل شخصٌ صاحبُ أسلوب، وهذا أمرٌ- لو تعلمون- عظيم.
المثل الإنجليزى يقول إن «الأسلوب هو الرجل». المعنى أن أسلوب المرء، فى المأكل والمشرب والملبس واختيار الألفاظ ولغة الكتابة وطريقة الحديث وطبيعة العلاقات مع البشر، هو ما يعكس جوهر شخصيته الأصيل. تبدو الفكرة، من فرط بساطتها، وكأنها شىء مفروغ منه. الحقيقة أنها ليست كذلك.
كم من الناس حولك لديهم «أسلوب»؟ كم من الناس تُعنى بتربية «أسلوبها» وصقله؟ كم من الناس يتفردون بأسلوب حياتهم، حتى يصيروا فلتات نادرة تلفتُ الانتباه وتبعث على الإعجاب والافتتان؟ الإجابة: قلة قليلة، ربما كان هيكل هو الأبرز بينهم فى الحياة الفكرية والاجتماعية فى مصر. بل قد يكون الرجل من آخر من يُمكن وصفهم بالرجال المصقولين، ذوى الثقافة المتنوعة والذوق الرفيع، والأسلوب الأخاذ، والقدرة الآسرة على انتزاع الاحترام والمكانة. هذه النوعية من الرجال تكاد تنقرض فى مصر. قليلٌ من مشاهير اليوم يُمكن أن يُدعى حقاً «جنتلمان»، أو باللغة الشعبية: «برنس». هيكل كان هذا «البرنس»، تماماً كما كان محمد عبدالوهاب حتى آخر أيامه.
ليس هذا مقالاً عن تركة هيكل الفكرية والسياسية. لهذا مجالٌ آخر، وربما كان لصاحب السطور رأى فيه يُزعج محبيه الكثيرين. هذا مقالٌ عن هيكل «كأستاذ للأسلوب». فى هذا الجانب من حياة الصحفى الكبير ما يُفيد الناس على اختلاف مشاربهم واهتماماتهم. أن يكون للمرء «أسلوب» هو أمرٌ لا غنى عنه للنجاح فى أى مجال. الناجحون من يفرضون «أسلوبهم» على من حولهم.
كيف يكون للإنسان أسلوب مميز؟
الأديب والسياسى الإيطالى «كاستليونى»، الذى عاش فى مطلع القرن السادس عشر، هو واحدٌ من أهم من بحثوا هذا السؤال. كتابه ظل لعقود العمدة فى كيفية تكوين الرجل المهذب، متعدد المواهب، واسع الاطلاع. عنوان الكتاب هو Il cortegiano، ويعنى «رجل البلاط». جمع المؤلف مادته عندما عمل فى بلاط «أوربينو»، إحدى الإمارات الإيطالية فى عصر النهضة. غرض «كاستليونى» كان وضع معايير عملية لسلوك وثقافة من ينتمون للطبقة السياسية المُحيطة بالأمير.
رجل البلاط عليه أن يكون مُحبباً، واسع المعرفة. عليه أن يكون صاحب أسلوب بليغ آسر، حديثاً وكتابة. عليه أن يكون على دراية بالفنون والآداب. أن يكون متذوقاً للشعر والموسيقى. إلا أن أهم ما يُميز «رجل البلاط» هو قدرته على فعل كل شىء ببساطة ورشاقة وجمال. يقول «كاستليونى»: «القاعدة الذهبية فى اكتساب الرشاقة والجمال هى البعدُ عن التكلف والتصنع. أن يكون المرءُ كالسهل الممتنع. أن يصير قادراً على إخفاء جهده فيما يقول ويفعل، حتى تبدو حركاته وكلماته كأنها تأتى بلا مجهود، أو أنه يُقدِم عليها عفواً من دون تفكير».
هذا هو جوهر «اللعبة». سرُ الصنعة. ألا يظهر تكلفٌ فى الأسلوب. أن يبدو كل شىء وكأنه طبيعى وعفوى، بينما هو فى واقع الأمر حصيلة تدريب متواصل، وترتيب مقصود، وصقل مستمر للمهارات. نتاج اعتناء مضنٍ بالأسلوب والتفاصيل فى كل شىء. هكذا كان «هيكل»: كل حركة بحساب. كل سكنة مقصودة. كل لفظ فى مكانه. لون رابطة العُنق لا يُترك للصدفة. ما يُقال لهذا غير ما يُقال لذاك. الكلام فى حضرة الرؤساء له أصول (هو صاحب تعبير «مقام الرئاسة»). الظهور العام له طقوس.
عندما قرر هيكل الانتقال من مجال الكلمة المقروءة إلى التليفزيون، اقتربنا أكثر- كمُشاهدين- من أسلوبه. من طريقته فى الكلام، واختيار اللفظ، وجذب انتباه المتلقى. الرجلُ يحرص فى كل مرة أن يُرصع حديثه بما يلتصق فى ذهن السامع من مأثور القول، شعراً ونثراً. علاقته بالشعر عجيبة. يحفظ آلاف الأبيات ويستخدمها فى موضعها. يبدو لنا العرض كله كأنه «السهل الممتنع». يتنقل بين السياسة والفنون والتاريخ بسلاسة العارف، وبذوق الفنان، وبراعة الحكّاء.
هيكل لم يكن مُفكراً كبيراً. لا أظن أنه ادعى ذلك يوماً. فى المقابل، هو كان أهم كثيراً من مجرد جورنالجى كما اعتاد أن يصف نفسه تواضعاً (تذكر أن تمام الصنعة هو إخفاؤها!). هيكل كان «رجل بلاط» من طراز نادر رفيع. «جنتلمان» حقيقى صنع نفسه بنفسه. هو جمع مقومات الأستاذية فى هذه الصنعة التى لا يُجيدها سوى القلة. أضفى عليها بهاء وسحراً وقبساً من المهابة والترفع والاعتزاز بالنفس. من فرط إتقانه لصنعته، ومن فرط اعتنائه بصقل أسلوبه فى كل شىء يفعله، صار أكبر من البلاط وأبقى من الأمير. ذهب «أميره» وظل هو ملء السمع والبصر.
عبر مسيرته الطويلة، سجل هيكل علامات مهمة فى تاريخ الصحافة العربية. ترك تلاميذ وأفكاراً ومواقف. استن سنناً وممارسات مستمرة معنا إلى اليوم، بخيرها وشرها، بنافعها وخبيثها. على أن أهم إنجاز لهذا الرجل النادر هو تلك القطعة الفنية الساحرة التى ظل يعمل عليها بدأب طول حياته: هيكل نفسه!
[email protected]
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.