وصلت أسعار الذهب إلى مستوى تاريخي خلال الأسبوع الحالي وتخطى للمرة الأولى مستوى 1180 دولارا للأوقية أمس بسبب تراجع سعر الدولار على وجه التحديد، وكل تراجع للدولار يحث المستثمرين على شراء الذهب وكذلك المواد الأولية باعتباره ملاذا في مواجهة التضخم ، وقد وصلت نسبة ارتفاع الذهب منذ بداية العام الجاري إلى 30% وتتجه أسعاره إلى مواصلة ارتفاعها للعام التاسع على التوالي. وعزا المحللون الارتفاع في أسعار الذهب إلى انخفاض قيمة الدولار بنسبة 15% مقابل العملات الأخرى وارتباط قيمة الذهب بالدولار، واتفق معظم خبراء الاقتصاد على أن السبب الرئيسى لارتفاع أسعار المعدن الأصفر يرجع إلى انخفاض ثقة المتعاملين بالعملات الأساسية كالدولار واليورو فى السوق العالمية والتي ترتبط قيمتها بقوة اقتصاديات الدول الرأسمالية الكبرى مما شجع على التعامل بالمعادن النفيسة كالذهب وغيره. كما ساهم في ارتفاع سعر الذهب زيادة الطلب عليه في الأسواق الصاعدة خاصة فى أسيا إذ تسعى حكومات الدول ذات الاقتصاد المتنامى إلى تنويع احتياطياتها الأجنبية بشراء الذهب وتتجه الصين مثلا إلى بيع سلعها بأرخص الأسعار وتستبدل الدولار بالذهب وهو ما لجأت إليه أيضا الهند وسريلانكا وجزر موريشيوس وغيرها للاستحواذ على كميات كبيرة من الذهب. وقد سجلت أسعار الذهب ارتفاعا في 6 نوفمبر الجاري بأكثر من 30 دولارا لتصل إلى 1100 دولار فى أعقاب بيان مجلس الذهب العالمي عن انضمام سريلانكا إلى الهند فى شراء المعدن النفيس وسط انخفاض لسعر الدولار كما كانت أسعار الذهب قد ارتفعت فى الأسبوع الثانى من أكتوبر الماضى لتصل إلى 1070 دولارا بعد إعلان صندوق النقد الدولى عن بيع 200 طن من احتياطيه من الذهب إلى البنك المركزى الهندى مقابل 6.7 بليون دولار. ويعمل صندوق النقد الدولي على بيع الذهب فى وقت وصلت فيه أسعاره إلى القمة بهدف تعزيز رأسمال الصندوق حتى يتاح له تقديم المزيد من القروض للدول المحتاجة للمساعدة بسبب الأزمة المالية العالمية. وجاءت عمليات بيع الذهب من الصندوق في إطار برنامج كان مجلس إدارته قد أقره فى سبتمبر الماضي للتخلص من كمية 403.3 طن من مخزون الذهب لدى الصندوق بشكل تدريجي وعلى مدار عدة سنوات. كذلك ارتفعت أسعار الذهب بسبب محاولة المستثمرين الكبار تعويض خسائرهم في بورصات الأسهم المحلية والعالمية بالتوجه إلى الذهب باعتباره ملجأ آمنا يحقق أرباحا مرتفعة عن طريق مواصلة صعوده، ويشير المجلس العالمي للذهب إلى أن حجم الطلب من قبل المستهلكين الصين للمعدن الأصفر وصل فى الربع الثالث من العام الجاري إلى مستوى قياسى حيث بلغ 120.2 طن بارتفاع نسبته 12% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى. كما قام خلال الشهرين الماضيين عدد من المستثمرين السعوديين بشراء كميات من الذهب بلغت نحو 170 طنا بقيمة تصل إلى 22.5 بليون ريال عبر بنوك أوروبية وشرق أوسطية فى واحدة من أكبر المشتريات على مستوى العالم خلال الفترة الماضية. وأجمعت أراء الاقتصاديين على أن هناك أسبابا متعددة ومتنوعة دفعت باتجاه ارتفاع أسعار الذهب منها الأزمات المالية والاضطرابات الدولية التى تدفع بعيدا عن الاستثمار فى مختلف الجوانب عدا الذهب باعتباره مستودعا كاملا للثروة، كذلك زيادة الطلب على الذهب من قبل بورصة الذهب العالمية بحكم ازدياد رغبة صناديق الاستثمار فى شراء الذهب. ومن الأسباب الآخرى لارتفاع أسعار الذهب ندرة عنصر الذهب فى العالم مع زيادة الطلب عليه فعلى سبيل المثال الانخفاض المتوقع فى إنتاج السعودية من الذهب خلال العامين القادمين بمقدار الربع فى ظل نضوب المنجمين الرئيسيين فيها سيؤدى إلى تراجع إنتاج السعودية من الذهب إلى نحو 200 ألف أوقية سنويا ، كذلك تراجع إنتاج جنوب أفريقيا من الذهب بعد أن ظلت لعشرات السنين تتربع على عرش إنتاج الذهب وبعد أن كان النصيب النسبي لجنوب أفريقيا 68% من الإنتاج العالمى عام 1970 انخفض إلى 10% عام 2007 ثم تراجع ترتيبها إلى المركز الثالث عالميا عام 2008 بعد الصين وأمريكا. وقد انعكس تراجع إنتاج جنوب أفريقيا من الذهب على انخفاض الإنتاج العالمى والذى نقص من 2518 طنا عام 2005 إلى 2356 طنا عام 2008 ورغم تراجع الإنتاج الدولي فقد استمر الطلب العالمى على الذهب فى التزايد ووصل عام 2008 إلى 3804 ، فضلا عن ذلك فقد زادت تكاليف إنتاج أوقية الذهب 21\% منذ عام 2006. ويبدو أن الفلسفة الاستثمارية الحالية تتجه نحو اعتماد الذهب كمستودع للقيمة والثروة يضمن تلاشى مخاطر استخدام وسائل الاستثمار الأخرى في ظل تقلبات أسعار الصرف ومخاوف التذبذب فى أسواق البورصة. وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن ارتفاع سعر الذهب دفع أسعار معادن آخرى وهى الفضة والبلاتين والنحاس لتسجيل أعلى مستوياتها العام الحالى وذلك مع استمرار تدفق أموال المستثمرين نحو أسواق السلع الأولية. ويتوقع الخبراء أن يواصل الذهب ارتفاعه إلى 1200 دولار وإذا ما تجاوز هذا الرقم واستقر فإنه قابل لمواصلة الصعود إلى 1500 دولار أو أكثر بسبب اتجاه العديد من البنوك المركزية إلى تخفيض أسعار الفائدة لديها إضافة إلى تزايد الطلب على الذهب. وذكر تقرير عن بنك سيتى جروب أنه من المرجح أن يتجاوز سعر الذهب 2000 دولار نهاية عام 2010 نتيجة قيام البنوك المركزية فى العالم بإغراق الأسواق بالسيولة النقدية. وأشار إلى أن ذلك سينتهى لا محالة إما بصعود قوى للتضخم أو كساد اقتصادى كبير .. وفى الحالتين سيكون الذهب الملاذ الآمن ، ونبه التقرير إلى أن الصين تفكر حاليا فى رفع احتياطياتها من الذهب إلى 4000 طن بغرض تنويع احتياطياتها بدلا من التركيز على الأوراق المالية والسندات. وأثار ارتفاع أسعار الذهب تساؤلات حول احتمال إقدام أمريكا على بيع قسم كبير من احتياطيها من الذهب لاستخدامه فى تمويل عجز ميزانيتها خاصة أن مصرفها المركزى يمتلك ما يعادل ثلث كميات الذهب الموجودة لدى حكومات العالم كلها. وتقدر قيمة الذهب الموجود فى واشنطن حاليا بأكثر من 300 بليون دولار ورغم حاجة أمريكا إلى السيولة حاليا بسبب الأزمة المالية فإن الخبراء يشيرون إلى أن احتمال إقدامها على بيع احتياطيها من الذهب ضعيف لأنه سيمثل إشارة إلى ضعف الدولار مما يضر بالاقتصاد الأمريكى ، ويشيرون إلى أن الارتفاع القياسى للعجز المالى الأمريكى الذى يصل إلى حوالى 7ر1 تريليون دولار بسبب المبالغ المخصصة لخطط الإنعاش الاقتصادي يجعل من بيع الذهب أمرا عديم الفائدة بسبب الفارق الكبير بين المتطلبات المالية والأرباح المتوقعة من بيع الذهب. ويشيرون أيضا إلى أن أمريكا تحاول حاليا ترويج سندات الدين الأمريكية وبيعها إلى المصارف المركزية فى العالم لتمويل العجز لديها وبالتالى فإن طرحها لكميات الذهب الموجودة لديها فى الأسواق العالمية يدفع بالبنوك إلى إهمال السندات والانشغال بشراء الذهب المرغوب فيه بشدة حاليا على الصعيد العالمى. يذكر أن سعر الذهب قد شهد قفزات مهمة منذ مطلع سبعينيات القرن الماضى حيث ارتفع من 350 دولارا إلى 800 دولار للأوقية الواحدة، ثم تواصل الارتفاع إلى أعلى مستوياته عام 1980 عندما بلغ رسميا 850 دولارا للأوقية الواحدة وفى تسعينيات القرن العشرين اتجهت أسعار الذهب إلى الهبوط حتى وصلت عام 1997 إلى ما دون 300 دولار للأوقية ، ثم اتجهت أسعار الذهب إلى الارتفاع المستمر منذ عام 2002 وواصل الذهب رحلة صعوده منذ بداية العام من 908 دولارات خلال الربع الأول من العام إلى 922 دولارا فى الربع الثانى من العام لتتوالى قفزاته منذ أكتوبر الماضي.