«الأولة بلدي».. غناء الثورة يطرب الشعب

ينتج الحراك الشعبي دائما ثقافة معبرة عنه تتمثل في روايات ودوواين شعر، وأغان وموسيقي مغايرة للسائد، وتبقي تلك الإبداعات شاهدة علي ما حدث، وتمثل ميراثا باقٍ لأجيال قد لا تسعفها كتب التاريخ الرسمي في معرفة الحقيقية، مثل أغاني الشيخ إمام أثناء انتفاضة الطلبة أوائل سبعينات القرن الماضي، وقصيدة أمل دنقل الشهيرة «الكحكة الحجرية» عن نفس الأحداث، وأيضا رواية فتحي إمبابي «مراعي القتل».
ويمثل الشيخ إمام تحديداً، ورفيق دربه الشاعر أحمد فؤاد نجم، أعلي تجليات «الغناء الثوري» في تاريخ الغناء المصري، ودفعا الاثنان ضريبة انحيازهما بالسجن والنفي والتشريد، فضلا عن المنع والتعتيم علي انتاجهما الفني البارز، وعلي دربهما الفني يسير الفريق الغنائي «الأولة بلدي»، المعني بتخليد تراث الشيخ إمام، المؤسس علي يد الشيخ علاء إبراهيم، وهو من تلميذ إمام عيسي، وبرفقته مجموعة من المطربين الشباب، وعازفي العود المتميزين، ما يمثل استعادة جديدة لفن الشيخ الراحل.
وأحيى «الأولة بلدي»، مساء الخميس الماضي، حفلاً غنائيا في مسرح القاضي في شارع المعز، وكان لافتا الحضور الجماهيري من أبناء الحي الشعبي العريق «الجمالية»، ما يمثل استعادة لتراث طويل من الغناء التحريضي، وقبلها شارك الفريق، ب9 ديسمبر الجاري، في إحياء الذكري ال27 للانتفاضة الفلسطينية الأولي، والذكري ال47 لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في نقابة الصحفيين.
وفي احتفالية نقابة الصحفيين، صنعت صورة جورج حبش، مؤسس الجبهة الشعبية وقائدها التاريخي، وأحمد سعدات أمين العام الحالي المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وكلمة الفدائية الفلسطينية الشهيرة ليلي خالد، عضو المكتب السياسي للجبهة، مع أغان «يا فلسطينية»، و«الفلاحين»، «جيفارا مات»، حالة من التوهج وتعانق الهم الفلسطيني مع ضبابية المشهد القاهري الراهن.
وفي حفل شارع المعز، بدا التفاعل الجماهيري مع أغانٍ عمرها تجاوز الثلاثين عاما، تأكيدا جديدا علي أن الروح الساكنة في الوجدان الجمعي للمصريين مازالت تحتفي بالغناء الثوري، وتهاجم «اللي ناموا في حضن كارتر وزاروا جولدا ماير وغالوا السجاير»، حسب الأغنية القديمة للشيخ إمام، وكأن المصريون يذكرون المراهنين علي جدوي الحلول الأمريكية، أن الأباء المؤسسين لتلك الفكرة مازال الوجدان الشعبي يعتبرهم «واقفين علي تخوم الخيانة»، ولا يستطيع التسامح مع ما اقترفوه في حق الوطن بدعوي «السلام».
تراهن «الأولة بلدي»، علي الطبقات الكادحة والمهمشين، وتقدم أغانٍ بنفس لغتهم وتحرضهم علي «الحرية» والمطالبة بحقوقهم المهدرة، تجسيدا لمقولة جورج أورويل «الأمل يكمن في عامة الشعب»، احتفاءً ب«ابن البلد»، و«الجدع»، وبمن «يبدلون الكتان بالكاكي»، «عبد الوادود الرابض علي الحدود»، وتعتمد علي آلات بسيطة لا تتجاوز العود والإيقاع، وتعوض غياب الإمكانيات بحضور مدهش لفنانيها، يظهر بتلويحات يد سارة إبراهيم العصبية، وأيضا بتوهج صوت هالة هشام، بالإضافة إلي التدخلات الموفقة للشيخ علاء إبراهيم، حينما يشير إلي «الغارقنين في المؤكلات والمبلوسات، الدافيين ومولعين الدفيات، ولاد....»، في أغنية جيفارا مات، فضلا عن تميز صوت هشام الرفاعي الذي يختصر كل نضالات الفقراء وأحلامهم في طياته، وكل أعضاء الفريق.
ويتكون الفريق من الشيخ علاء إبراهيم، مؤسس وقائد الفريق، وأحمد النجولي، وهشام الرفاعي، وأحمد الرفاعي، هالة هشام، وسارة إبراهيم، وسارة علي، وألاء عبده، والعازفون أحمد نبيل «عود»، وزين العابدين «إيقاع»، وعمر مصطفي «عود»، وأشرف يسرى «إيقاع».
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة