فلسطين.. وصول شهيدان إلى المستشفى الكويتي جراء غارة للاحتلال على منزل شرقي رفح    مسؤول أمريكي: الضربات الإسرائيلية على رفح لا تمثل عملية عسكرية كبرى    العاهل الأردني: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بالتسبب في مجزرة جديدة    لاعب الأهلي السابق: شوبير يستحق حراسة مرمي الأحمر أمام الترجي وليس الشناوي    عبدالجليل: جوميز يتحمل خسارة الزمالك أمام سموحة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    كاسونجو يتقدم بشكوى ضد الزمالك.. ما حقيقة الأمر؟    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    لا تصالح.. أسرة ضحية عصام صاصا: «عاوزين حقنا بالقانون» (فيديو)    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء 7 مايو بالصاغة    موعد مباراة الأهلي والترجي في نهائي دوري أبطال إفريقيا والقنوات الناقلة    صندوق إعانات الطوارئ للعمال تعلن أهم ملفاتها في «الجمهورية الجديدة»    4 ساعات فارقة.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف أماكن سقوط الأمطار في مصر    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    عملت عملية عشان أخلف من العوضي| ياسمين عبد العزيز تفجر مفاجأة.. شاهد    التصالح في البناء.. اليوم بدء استلام أوراق المواطنين    الأردن: نتنياهو يخاطر بتقويض اتفاق وقف إطلاق النار بقصفة لرفح    بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 7 مايو بالمصانع والأسواق    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال اليوم بعد إصابته أمام فيوتشر    ياسمين عبد العزيز: لما دخلت الإعلانات كان هدفي أكون مسؤولة عن نفسي    ياسمين عبدالعزيز عن بدايتها الفنية: «مكنتش بحب التمثيل.. وكان حلمي أطلع ظابط»    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    «الصحة العالمية» تحذر من أي عملية عسكرية في رفح: تفاقم الكارثة الإنسانية    برلماني يطالب بإطلاق مبادرة لتعزيز وعي المصريين بالذكاء الاصطناعي    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    مصرع شاب التهمته دراسة القمح في قنا    القومية للأنفاق تبرز رحلة بالقطار الكهربائي إلى محطة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية (فيديو)    العمل العربيَّة: ملتزمون بحق العامل في بيئة عمل آمنة وصحية كحق من حقوق الإنسان    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    فيديوهات متركبة.. ياسمين عبد العزيز تكشف: مشوفتش العوضي في سحور وارحمونا.. فيديو    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    تعرَّف على مواصفات سيارات نيسان تيرا 2024    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 7-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    ياسمين عبد العزيز: «كنت بصرف على أمي.. وأول عربية اشتريتها ب57 ألف جنيه»    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنت هناك...في ليبيا....تجربة شخصية
نشر في المصري اليوم يوم 28 - 02 - 2011

فرق كبير بين ان تتابع الأحداث عن بعد و بين ان تكون في قلبها...!
فرق كبير ايضا ان تندلع ثورة شعبية في بلدك و تكون مشاركا فيها و لك موقف قوي وواضح مما يحدث فيها و بين ان تندلع (ثورة) في بلد محظور عليك ان تشارك و لو بإبداء تعاطفك مع الشعب خوفا من ان تكون أحد (العناصر ) الأجنبية المحرضة للفتنة..!!
ما حدث في ليبيا منذ السابع عشر من فبراير و حتى الأن لا يمكن ان يحدث مثله في اي بلد أخر...و لا اظن انه قد يحدث مثله مستقبلا في اي مكان على كوكب الأرض...!!
قبل يوم 17 فبراير 2011 كانت الحياة في ليبيا تسير في مسارها المعتاد.....شعب طيب بسيط...حياته روتينية تماما....الإستيقاظ مبكرا....الذهاب للعمل....الراحة وقت الظهيرة....العودة للعمل ....ثم النوم مبكرا
كانت هذه هي حياة اغلب الليبيين ....حياة بسيطة غير مرفهة على الإطلاق...وسيلة الترفيه لدى الشباب الليبي هي متابعة الدوريات الأوروبية خاصة الدوري الإيطالي الذي يشاهدونه و يتابعونه بإهتمام بالغ و تتوزع الإنتماءات الكروية للشباب الليبي بين (ميلاني) و (يوفنتساوي).....الخ
لا حديث بين افراد الشعب عن السياسة و همومها اطلاقا....فالحديث في السياسة من (المحرمات) بالطبع....او هكذا كنا نظن...ما حدث فيما بعد أثبت لنا ان النار كانت تحت الرماد....و أن ما يتداول في الغرف المغلقة عكس ما نراه نحن تماما...!!
فصور القائد في كل مكان...و عندما أقول (كل مكان) فأنا بالفعل اعني تماما المعنى الفعلي للكلمة....كل مكان...يتبع الدولة او لا يتبعها...منشآت ليبية أو أجنبية لا يهم...فصور القائد و أقواله المأثورة في كل مكان...في الشوارع...في المحال التجارية...في الفنادق....في المكاتب...في كل مكان..!!
لا تملك الا ان تؤمن تماما ان هذا الشعب يعشق قائده.....عندما ترى مظاهر هذا العشق في كل مكان في ليبيا مع وجود جهاز إعلامي لا يبث الا حكمة القائد و عظمته و بطولاته و أمجاده...و مع عزوف الليبيين في الحديث عن مثل هذه الموضوعات الشائكة مطلقا....فعليك ان تنحي ارائك و قناعاتك السياسية جانبا فلا مجال في هذا البلد للحديث في السياسة...فالعواقب وخيمة...!!
كانتا الثورتين التونسية و من بعدها المصرية نقطتين فاصلتين في نظرة الليبيين للتونسيين و المصريين و ايضا نظرة الشعبين لهم.., قبل الثورة كان الليبيون ينظرون للمصري على وجه الخصوص بأنه شخص بلا مبدأ...خانع....يفعل اي شيء...اي شيء مهما كان حقيرا في سبيل لقمة العيش....ربما لا يظهرون لك هذه المعتقدات في العلن...و لكنها للأسف هي الحقيقة..!!
بعد الثورة المصرية في 25 يناير تبدلت هذه النظرة تماما...تبدلت من نظرة اشفاق و عطف على مواطن عربي فقير الى نظرة فخر و اعتزاز بأخ شقيق رفض الظلم و الفساد و ثار عليه..!!
كنت المح نظرة في عين كل ليبي يهنئني بثورة مصر...نظرة لا تحمل الا كلمة واحدة (عقبالنا)...لحظتها فقط أدركت ماذا يخفي هذا الشعب في صدره...أدركت ان النار تحت الرماد...و ان في الصدور الكثير و ان ما حدث في مصر و تونس قد يحدث في ليبيا و لكن ربما امامهم عشر سنوات لتحقيقه...أو ربما لن يحدث هذا في ظل الوضع القائم اطلاقا...!!
عندما ظهرت دعوات على الفيسبوك تدعو لجعل يوم 17 فبراير يوما للغضب في ليبيا...قابله الجميع بنوع من الإستهزاء...و أن ليبيا تختلف تماما عن مصر و تونس....و ان الشعب الليبي غير قابل للإنتفاضة ...و ان النظام الليبي غير النظامين السابقين لمصر و تونس ..فالقتلى سيكونون بالألاف...و انه قادر على نسف ليبيا بأكملها.
ليلة 16 فبراير كانت ليلة من نوع خاص.....كنت اتابع (تويتر) في وقت متأخر من الليل....و اذا افاجأ بورود انباء من بنغازي بوقوع مظاهرات هناك و اشتباكات من الواضح انها ستتطور بشدة خلال الساعات القادمة ...يبدو فعلا ان يوم الغضب سيكون حقيقيا ...يبدو ان الدعوة جادة و ان عدوى الغضب قد انتقلت لليبيا فعلا رغم تأكيدات الجميع ان ليبيا غير...!!
لم أنم ليلتها...اتصلت بأكثر من صديق اغلبهم كان يغط في نوم عميق و من منهم قام بالرد علي استخف بالموضوع برمته و اكد لي ان بنغازي معتادة دائما على مثل هذه المناوشات بين الشعب و القائد الذي سرعان ما يقوم بقمع مثل هذه الإحتجاجات في مهدها ليستتب له الأمر مرة أخرى....فلا يوم غضب و لا يحزنون و لا داعي للقلق اطلاقا...!!
استمرت الإحتجاجات و اشتعلت في بنغازي و المدن المجاورة و أخذت تتصاعد يوما بعد يوم...و كلما تصاعدت الإحتجاجات كلما زاد قلقنا على اصدقائنا العاملين ببنغازي...فيوما عن يوم يصبح الإتصال بهم أصعب...و يوما بعد يوم تزداد الأخبار الواردة من بنغازي سوءا و قلقا على احوال الجميع هناك مصريين و ليبيين فالجميع على خط النار و مشاهد جثث الشهداء داخل مشرحة مستشفى الجلاء ببنغازي تتصدر المشهد في نشرات الأخبار العالمية و رغم كل الأخبار المتواترة من شرق ليبيا حول صعوبة الأوضاع هناك....الا ان الكثيرين كانوا لا يزالوا يشككون في كونها الثورة ...فالأمر لا يعدوا كونها إحتجاجت و تمرد سرعان ما سؤدها الزعيم...فكيف ل 42 عاما من الحكم يضيعوا هكذا هباءا...!!
كل هذا و طرابلس في عالم أخر....يوم الخميس 17 فبراير 2011 كان يوما مميزا في طرابلس مثلما كان مميزا في بنغازي و لكن شتان الفارق بين المشهدين...!!
بينما كانت الحرب تدور في شوارع بنغازي و المدن المجاورة و القتلى يتساقطون بالمئات...كانت طرابلس تحتفل بالقائد و تعتبر يوم 17 فبراير يوما للوفاء للقائد العظيم...!!
سيارات تجوب الشوارع تحمل صور القائد....اغاني وطنية في كل مكان....مسيرات تجوب شوارع طرابلس...اتوبيسات تنقل المؤيدين و تتجول بهم في كل مكان داخل العاصمة...الساحة الخضراء اشهر ميادين طرابلس و اوسعها اكتظ بالمؤيدين الذين رقصوا على انغام الأغاني الليبية في جو كرنفالي ينبىء بأن كل شيء تحت السيطرة و ان الأمن مستتب و لا عزاء لقتلى الشرق..!!
كل هذا و طرابلس لا تزال بعيدة كل البعد عن تطورات الأحداث في بنغازي و مدن الجوار و كأننا نعيش في دولتين منفصلتين لا رابط بينهما على الإطلاق....
تتعقد الأمور اكثر فأكثر في مدن الشرق....قطع خدمات الإنترنت و التليفون و احيانا الكهرباء عن بنغازي و مدن الجوار....مشاهد فيديو تم تسريبها من هناك لجثث ملقاة في المشرحة...انباء عن اشتباكات عنيفة تدور بين الثوار و بين قوات افارقة (مرتزقة) تم جلبهم لقتل الثوار و سحلهم..!!
كل هذا و لا تزال الأمور هادئة في طرابلس مع بدء ظهور احتجاجات و بوادر تمرد في المدن الغربية....اي ان الثورة تنتقل من الشرق الى الغرب....اي ان طرابلس مهددة.....!!
بدأت بوادر الأزمة تنتقل الى طرابلس مساء الجمعة 18 فبراير عندما بدأت محاولات لقطع خدمة الإنترنت عن طرابلس مثلما هو الحال في بنغازي....و لكنها كانت مجرد فترات طفيفة سرعان ما تعود بعدها خدمة الإنترنت للعمل حتى تم حجب مواقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك و تويتر) تماما مع بطء شديد في سرعة الإنترنت و صعوبة الدخول الى مواقع معينة كموقع العربية و ايضا موقع الجزيرة.....عندها فقط ادركنا ان طرابلس لن تكون في مأمن و ان هي الا مسألة وقت ليس الا.
بدأ الجميع صبيحة السبت 19 فبراير ينتبه ان الثورة هي ثورة (ليبية) و ليست فقط (شرقية)...و بالتالي فطرابلس ليست بالحصن الحصين...وجوه الجميع تعلوها حالة من الترقب..الحياة تسير عادية تماما...الا ان القلق يعلو وجوه الجميع...في محلاتهم...في سياراتهم...كل شيء يشي الجميع ينتظر حدثا ما...!!
بدأت الشركات الأجنبية العاملة في ليبيا تنتبه للخطر المحدق بموظفيها العاملين بطرابلس بعدما كان همهم الأكبر خلال الأيام السايقة هو إنقاذ موظفيهم بالمنطقة الشرقية....بدأت الشركات في اتخاذ اجراءات اجلاء موظفيها من ليبيا بإرسال جوازات سفرهم الى مصلحة الجوازات للحصول على تأشيرة الخروج...تم التنبيه على الجميع بضرورة الإستعداد للمغادرة قبل ان تتطور الأحداث اكثر فأكثر...فالموقف بدأ في التعقيد...!!
الا ان تسارع الأحداث كان اسرع مما توقع الجميع..فكانت ليلة السبت هي بداية ليالي الجحيم التي عشناها في طرابلس ...!!
كانت هذه الليلة هي بداية الليالي التي يسمع فيها اصوات طلقات نارية مساءا....اصوات انفجارات و اسلحة تأتي الى اسماعك من جهات ما في العاصمة لا تستطيع ان تميزها...تختلط اصوات الأسلحة الألية مع اصوات قنابل الغاز المسيل للدموع...طلقات سريعة و اخرى بطيئة...اصوات ضخمة و اخرى قوية و ثالثة ضعيفة...اصوات مختلفة لأنواع مختلفة من الأسلحة لا تستطيع ان تجزم بدقة ماهية هذه الأسلحة...و لكنها جميعا تصيبك بالرعب و انت جالس في منزلك و لا تعلم ما هي الخطوة القادمة و هل مصدر هذه الأصوات قريبا منك ام بعيدا عنك...؟
بعد قضاء ليلة السبت الرهيبة على اصوات النيران.....جاءت صبيحة الأحد ...قررنا ان ننزل الى الشارع لنكتشف الوضع على حقيقته...لم نجد اي اثر لإشتباكات الأمس...الحياة تسير في المدينة بشكل شبه طبيعي...السيارات تجوب الشوارع....وجوه الناس عليها مسحة هي مزيج من الخوف و الرعب و الإنزعاج و التوتر و الترقب....!!
مر يوم الأحد والأعصاب بدأت في الإلتهاب بل الإشتعال خاصة مع عدم وجود اخبار عن صدور تأشيرات (خروج و عودة) لنا لكي نتمكن من مغادرة الجماهيرية قبل اشتعال الموقف اكثر و اكثر في طرابلس...!!
حتى كان مساء الأحد عندما استمعنا الى كلمة ابن العقيد القذافي (سيف الإسلام) التي ان اردت ان تلخصها في جملة واحدة فيمكن تلخيصها في (اقتلوا المصريين و التوانسة) فهم رأس الفتنة و هم المحرضون و هم الحاقدون على ليبيا و ثرواتها و هم الذين يريدون احتلال ليبيا لليبطرة على نفطها و ثرواتها الطبيعية...!!!
استمعنا لهذا الخطاب والخلفية اصوات انفجارات و اسلحة خفيفة و ثقيلة غير معلومة المصدر و لا من يطلق النار على من...؟ و لا اين يتم اطلاق النار بالأساس...؟!!
صبيحة الأثنين 21 فبراير ايقنا ان جوازات سفرنا لن تكون بحوزتنا بأي حال من الأحوال واذا اردنا ان نغادر طرابلس فعلينا ان نستخرج ما يسمى (وثائق سفر) بديلا عن جواز السفر من القنصلية المصرية بطرابلس...و للعلم فإن القنصلية المصرية بطرابلس توجد في شارع عمر المختار احد اهم شوارع مدينة طرابلس و الذي يصب في الساحة الخضراء اهم ميادين طرابلس و الذي يعتبر الوصول اليه في مثل هذه الظروف من المستحيلات...!!
اتجهنا بالسيارة في محاولة للوصول الى القنصلية المصرية من اجل الحصول على هذه الوثائق...مررنا بعدة شوارع في طرابلس للوصول الى شارع عمر المختار عبر الطرق الخلفية...طرابلس تحولت الى مدينة للأشباح....المحال التجارية مغلقة تماما...الشركات و المكاتب موصدة الأبواب...شاهدت بعيني موظفين لإحدى الشركات الأجنبية يقوما بخلع لوحة عليها اسم الشركة خشية ان يتعرض مقر الشركة لأي اذى في حال اندلعت اعمال شغب و سلب و نهب...!!
اقسام الشرطة التي مررنا عليها محترقة بالكامل....سيارات متفحمة.....بعض المبان مهدومة.....كتابات على حوائط المبان في حي (فشلوم) كلها تطالب بسقوط نظام العقيد...!!
ما جعلني اكاد ان ابكي هي جملة وجدتها مكتوبة بخط كبير على جدار في حي فشلوم كتبها احد الثوار اثناء المعركة الطاحنة التي كانت تدور هناك ليلا...لقد كتب اغنية الثورة المصرية
"صوت الحرية بينادي......في كل شارع في بلادي"
يبدو ان ثورتنا لم ينحصر تأثيرها في مصر فقط...يبدو ان الثورة ستشتعل خارج حدود الوطن...!!
استمرينا في السير بالسيارة في الشوارع الخلفية حتى وصلنا لشارع عمر المختار حيث توجد القنصلية في منتصفه....و ياللقدر...لقد دخلنا الشارع من احد الشوارع الجانبية التي توجد امامه القنصلية المصرية...!!
دخلنا القنصلية المصرية وجدنا عدد المتواجدين في القنصلية قليل جدا...و طبعا السبب معلوم و هو صعوبة الوصول اليها في ظل هذه الأجواء المتوترة....طلبنا منهم استخراج وثائق سفر لنا..طلبوا منا بعض الأوراق التي كنا بالفعل اعددناها قبل الذهاب الى هناك...صورة جواز السفر-صورة بطاقة الرقم القومي-صورة شمسية....!!
اعطينا لهم المستندات المطلوبة و انتظرنا ريثما يتم تجهيز وثائق السفر الخاصة بنا و زوجاتنا...و دار بخلدي ساعتها سؤالا....ماذا لو لم تكن معنا في مثل هذه الظروف صور شخصية...الم تكن لتستخرج لنا القنصلية وثائق السفر..؟!!
اجابة السؤال كانت اسرع مما كنت اتصور......
سرعان ما دخل القنصلية مجموعة من الأسر المصرية من رجال و زوجاتهم و اطفالهم و بعض السيدات الكبيرات في السن...يبدو على الجميع من مظهرهم انهم من العمالة المصرية التي تمتهن بعض المهن اليدوية كالسباكة او البناء (عمالة بسيطة)...هؤلاء الممواطنون المصريون البسطاء اخطأوا في حق نفسهم خطأ جسيم...لا توجد معهم صور شمسية لهم و بالتالي لن تستطيع القنصلية ان تستخرج لهم وثائق السفر الخاصة بهم و بأسرهم..!!!!!!!
و كأن المفترض و البديهي في مثل هذه الظروف ان يحمل الجميع معه صورة شمسية حاصة بكل فرد من أفراد أسرته او ان يمر على ستوديو تصوير فوتوغرافي وسط النيران و التدمير لكي يت م التقاط صورة له و هو مبتسم و متفائل بمستقبله و اسرته..!!
صرخات و مشاحنات بين الموظفين بالقنصلية المصرية المتمسكين بالصور الشمسية بإعتبار انه لا بديل عنها لإصدار وثائق السفر و بين العمال المصريين و اسرهم الذين لا يمتلكون صور شمسية شخصية لهم و لأطفالهم و لا توجد محال للتصوير مفتوحة في هذه الظروف المأساوية بالإضافة الى ان خطاب سيف الإسلام القذافي قد تسبب في ان يقتحم بعض الليبيين مساكنهم الخاصة و يطردونهم منها و أسرهم شر طردة انتقاما من المصريين العملاء المخربين...!!!
بيروقراطية مصرية لا محل لها اطلاقا في مثل هذه الظروف و لكنها عادة مصرية اصيلة اعتقد انها لن تنقطع ابدا....!!
لا اعلم حتى الأن كيف تم حل مشكلة الصور الشمسية بين المصريين و قنصليتهم و لكننا حصلنا على وثائق السفر الخاصة بنا من القنصلية و اتفقنا ان نتقابل بعد ساعة في مكان محدد لكي نتوجه جميعا الى المطار قبل حلول الليل....اتفقنا ان نتقابل في الخامسة مساءا مع العلم ان موعد طائرتنا للقاهرة في العاشرة من صباح الغد...و لكنا قررنا بعد ليلة الأمس و اصوات الإنفجارات و الطلقات التي سمعناها ..و ما شاهدناه بأعيننا اليوم من تدمير و تخريب و شوارع مغلقة و سيارات مدرعة تغلق بعض الشوارع..و ما سمعناه بأنفسنا من تزايد و ترديد نغمة المصريين دعاة الفتنة الطامعين و الحاقدين على هذا البلد...قررنا ان نبيت ليلتنا هذه في المطار...هذا ان استطعنا الوصول اليه سبيلا...!!!
انتظرت طويلا ...الخامسة...الخامسة و النصف....السادسة....و لم يأت احد في الموعد المتفق عليه...اصوات الرصاص تتناهى الى مسامعنا و نحن منتظرون امام المنزل....مسامع طلقات الرصاص تأتي من جميع الجهات...أدركت ان عواقب الإنتظار ربما ستكون اسوأ بكثير من عواقب الذهاب بمفردنا (انا و زوجتي) الى المطار...!!
أثناء تأهبنا للذهاب للمطار بسيارتي ...مر علي اخيرا احد اصدقائي و اسرته بسيارة اجرة قام بإستئجارها لتوصيلهم للمطار...فأصبحنا سيارتين بدلا من سيارة واحدة و هذا وضع افضل كثيرا في مثل هذه الظروف....!!
كان الخروج الى الشارع الرئيسي مسألة ليست بالسهولة المتوقعة مع قيام الأهالي و قبل حلول الليل بإغلاق معظم الشوارع الجانبية و قيامهم بنصب لجان شعبية للدفاع عن بيوتهم و ممتلكاتهم..., أخذنا نلف حول نفس النقطة و كلما دخلنا احد الشوارع وجدناه مغلقا ....فنضطر للدخول في شارع أخر و هكذا حتى خرجنا الى احد الطرق الرئيسية...!!
وصلنا المطار من طرق لم اكن اعرف انها موجودة في طرابلس اساسا...فالطريق الرئيسي المؤدي للمطار كان مغلقا ...ففي بدايته يقع مقر (القيادة) و بالتالي فالوصول الى المطار من الطرق التقليدية كان دربا من المستحيلات..!!
الا اننا تمكننا بفضل الله من الوصول للمطار في حوالي السادسة و الربع من مساء الإثنين...لنجد المطار اشبه بسوق عكاظ....اعداد تقدر بالألاف تقف امام المبنى الرئيسي للمطار عاجزة عن الدخول...فكيف هو الحال بداخل المبنى نفسه....؟!!
تجمعنا امام مبنى المطار بعدما عجزنا عن الإلتقاء في المكان المحدد لنا بسبب اغلاق الشوارع و ايضا قطع شبكات الهاتف المحمول الا ان الله سلم ووصل الجميع الى المطار كل بمعرفته...!!
اثناء انتظارنا خارج مبنى المطار حدث امران غاية في الخطورة.....
اولهما سماعنا لأصوات عالية جدا و ابواق سيارات خارج حرم المطار و اذا بنا نفاجأ بمظاهرة تأييد للعقيد القذافي تقتحم حرم المطار.....!!
ايقننا اننا هالكون لا محالة...فنحن مصريون....و النغمة السائدة الأن ان المصريين هم رؤوس الفتنة و هم سبب ما فيه البلاد حاليا من فوضى....معنا سيدات و اطفال....الوضع في غاية الخطورة...!!
قمنا بوضع السيدات و الأطفال في السيارات و وقفنا بجانبهم تحسبا لأي طارىء.., الا ان الله وقف بجانبنا مرة أخرى...و مرت تلك المسيرة المؤيدة بسلام بدون حدوث اية احتكاكات بينهم و بين الأجانب المتواجدين بالمطار استعدادا للإجلاء..!!
ثاني الأمران هو اننا علمنا انه قد بدأت عمليات قصف بالطيران لبعض مناطق طرابلس..و بالتالي من من اصدقائنا و معارفنا لم يصل للمطار ففي الغالب فإنه لن يتمكن من الوصول اليه هذه الليلة...!!
أحد اصدقائي ممن لم يتمكنوا من الوصول للمطار في هذه الليلة أخبرني انه فوجىء صباحا بعدد من الجثث ملقاة في الشارع بالقرب من منزله...!!!
دخلنا مبنى المطار فعليا حوالي الساعة الواحدة صباح الثلاثاء بعد ان هطلت الأمطار بشدة و اصبح الطقس قارس البرودة و بعد ان خفت حدة الزحام الرهيب خارج المطار لننتقل للمشهد داخل مطار طرابلس العالمي...!!
مطار طرابلس العالمي تحول الى ساحة لإيواء اللاجئين من جميع الجنسيات...مصريين..اردنيين...سوريين...تونسيين...اتراك...روس.....الخ
جميع الجنسيات كانت ممثلة داخل مطار طرابلس العالمي بأمتعتهم...لك ان تتخيل المطار ذو المساحة الضيقة اصلا و ساحته مكتظة بكل هذا العدد من الفارين من جحيم الإقتتال بالخارج و الباحثين على مأوى يبيتون فيه ليلتهم قبل البحث عن طائرات تقلهم الى بلادهم ربما في الصباح او بعد يوم او يومين او حتى اسبوع...لا يهم...لا يهم متى سنرحل عن طرابلس...الأهم اننا في المطار ....بعيد عن كل الفوضى و القتال التي تحدث بالخارج...!!
قضى الجميع ليلته في المطار....او بالأحرى مفترشين ارض المطار...في انتظار المجهول....بلا جوزات سفر...وثائق سفر صادرة من القنصلية المصرية مع أخبار مؤكدة عن رفض السلطات الليبية الإعتراف بهذه الوثائق كإثبات شخصية و بديلا عن جواز السفر و بالتالي لا سفر على الرحلة القادمة و بالتالي علينا ان نحجز على رحلة أخرى...قإذا وجدنا حجزا على رحلات أخرى, فالمشكلة لا تزال قائمة...أين جوازات السفر....؟!!
اي اننا نبيت ليلتنا في المطار ليس انتظارا لرحلة طيران ستقلك الى بلدك....فهذه الرحلة في ظل هذه الأوضاع تكاد تكون في حكم المستحيلات...و لكن المطار بمثابة المأوى الذي سيحميك انت و اسرتك من رصاصة طائشة او قذيفة غادرة قد تفتك بك في اية لحظة...!!!
عندما حانت الساعة السادسة من صباح الثلاثاء 22 فبراير...قررنا اتخاذ اجراءات فعلية نحو محاولة اللحاق بطائرة تقلنا الى القاهرة...او اي مكان اخر في العالم تمهيدا للسفر منه الى القاهرة....قررنا ان ننتقل بأمتعتنا الثقيلة و نساءنا و اطفالنا الى صالة السفر...و لن احكي لكم عن مأساة التنقل بكل هذه الأمتعة في وجود اطفال في هذه المساحة الضيقة المكتظة بالبشر الواقفين و النائمين و الجالسين على امتعتهم او بجوارها....مهمة كانت في غاية المشقة و العناء خاصة ان من يقومون بها هم اناس لم تغمض لهم جفن منذ يومين على الأقل...!!
انتقلنا بأمتعتنا الى صالة السفر في انتظار الإعلان عن بداية قيام الرحلات الى مدن العالم المختلفة لتقل هؤلاء الألاف المنتظرين بالمطار وسط شائعات قوية عن عدم تسيير اية رحلة جوية اليوم الى اية دولة في العالم بعد الإعلان ليلة أمس عن إغلاق المجال الجوي لطرابلس العاصمة...!!
اعلان عن قيام رحلة الى اسطنبول مرورا بحلب.....ثم بعد نصف ساعة يتم الإعلان عن إلغاء الرحلة....!!!
إعلان عن عن قيام شركة الخطوط التونسية بفتح باب الحجز لرحلتها الى تونس ....يتدافع التونسيون الى (الكاونتر) املا في الحجز......تم إلغاء الرحلة....!!
أمل ثم إحباط....ثم يأس....ثم أمل و هكذا.....!!
تم الإعلان عن الغاء جميع رحلات شركة الليبية للطيران المتوجهة الى كل من القاهرة و تونس و الجزائر...!!
اي ان الرحلة المقرر سفرنا عليها قد تم الغائها...اي ان مشكلتنا الأن ليست في وجود وثائق السفر الغير معترف بها من قبل السلطات الليبية...و إنما في البحث عن رحلة طيران تقلنا الى القاهرة او الى اية عاصمة أخرى و منها الى القاهرة...!!
تواترت اخبار ان هناك رحلة لمصر للطيران يتم الإعداد لها الأن ..و يتم الأن الحجز من خلالها مقابل 100 دينار ليبي للفرد الواحد....قمنا بتجميع المبلغ من كل فرد منا...و توجهنا فورا للحجز على الطائرة...فهي طوق النجاة الوحيد بالنسبة لنا و هي التي ستنقذنا من مصير غير معلوم....!!
عاد من ذهب منا للحجز بخيبة أمل رهيبة......فالسادة مسئولي مصر للطيران لا يريدون الإعتراف بوثائق السفر الصادرة من القنصلية المصرية....!!
أي ان شركة الطيران (المصرية) لا تريد الإعتراف بوثائق السفر (المصرية) الصادرة من القنصلية (المصرية) لمواطنين (مصريين)...!!!!
اية مهزلة تلك التي نعيشها....؟!! انهم فيما يبدوا لا يشعرون بأننا في كارثة على الإطلاق...؟!!
يبدو ان لا ثورة 25 يناير و لا مليون ثورة قادرة على ان تغير العقلية البيروقراطية العتيقة للموظف المصري في اي مكان و كل مجال....!!
ولكنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لنا....إما ان نسافر على هذه الرحلة...و إما ان نعرض حياتنا و حياة الأطفال الذين معنا لخطر الهلاك....فالعدد في المطار رهيب...و الحشود تتدفق اليه من جميع الجنسيات ...و بدأت تظهر حالات من الإختناق و ضيق النفس...ناهيك عن نقص شديد في المواد الغذائية اذا بقينا في المطار لمدة اطول من ذلك...!!
ايضا فكرة العودة من المطار للمنازل مرة أخرى فكرة في غاية الصعوبة بل هي مستحيلة في ظل الأوضاع الأمنية في طرابلس...و اذا افترضنا اننا عدنا للمنزل...فهل نضمن اننا سنتمكن من العودة للمطار مرة أخرى....؟!!
قررنا ان نجعل من نساءنا و اطفالنا دروعا بشرية لكي نتمكن من السماح لنا بالسفر......نحيب و بكاء و صراخ من النساء و الأطفال كان كفيلا بأن يرق قلب المسئول عن الحجز بشركة مصر للطيران و يوافق لنا على السماح بسفرنا على هذه الطائرة بوثائق السفر دون الجوازات...!!
وافق الرجل على ان نسافر بوثائق السفر (على مسئوليته الشخصية) و مجانا...و رد لكل فرد منا مبلغ ال100 دينار...فطائرات مصر للطيران ستجلي المصريين من ليبيا مجانا...و لا أعلم من كان صاحب شائعة ال 100 دينار تلك...!!
مسئول الحجز بشركة مصر للطيران رق قلبه لبكاء و نحيب اطفال و نساء و تغاضى عن الروتين المصري الخانق و تنازل عن شرطه الوحيد لقبول سفرنا بهذه الوثائق و هو ضرورة تواجد اي مسئول من السفارة او القنصبية المصرية بمطار طرابلس للتأكد من ان هذه الوثائق صحيحة و ليست مزورة....؟!!
نعم......ما فهمته صحيحا مائة في المائة.........لم يتواجد شخص واحد من بين جيش الدبلوماسيين والموظفين العاملين بالسفارة او القنصلية المصرية بطرابلس في مطار طرابلس للإشراف على إجلاء الرعايا المصريين من ليبيا....!!!
كل مسئولي و العاملين و الموظفين بالسفارة و القنصلية (فص ملح و داب)..لا أثر لهم على الإطلاق...جميع التليفونات الخاصة بالسفارة أو القنصلية لا ترد على اية اتصالات...من الواضح ان السادة الدبلوماسيين المصريين العاملين بليبيا قد فروا من المركب قبل ان تغرق ضاربين بعرض الحائط جميع الأعراف الأخلاقية و الوظيفية و المهنية التي تحتم عليهم بقائهم حتى خروج أخر مواطن مصري من ليبيا....!!!
و لكن هذا هو الفكر الديبلوماسي في البعثات الدبلوماسية التي تحترم مواطنيها و تعتبر نفسها خادمة لمواطني دولهم و ليس العكس....!!
اذا كنا قد تمكننا من انقاذ ارواح زوجاتنا و اطفالنا و السفر على اول طائرة الى القاهرة فسيكون بسبب شهامة موظف مصر للطيران الذي للأسف لا اعرف اسمه الذي قرر ان يكسر جمود الروتين و ان يحكم عقله و ضميره قبل ان ينتظر تعليمات من أناس بلا ضمير فروا و تخلوا عن مسئولياتهم في أحلك الأوقات و أشدها قسوة و فتكا...!!
أخيرا تمكننا من الحجز على رحلة مصر للطيران التي ستقلع في الواحدة و النصف ظهر الثلاثاء 22 فبراير...بعد ان قضينا حوالي 20 ساعة بمطار طرابلس الذي يزداد الوضع فيه قسوة و معاناة كل لحظة عن تلك التي تسبقها..!!
الحشود تتدفق على المطار من جميع الجنسيات...و الزحام يزداد ....و الوضع اصبح مزريا بمعنى الكلمة....يمكن ان تطلق على الوضع بمطار طرابلس (كارثة انسانية) بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
أقلعت الطائرة في موعدها الواحدة و النصف ظهر الثلاثاء 22 فبراير قادمة من طرابلس و على متنها اثر من 300 راكب جميعهم يحملون في قلوبهم و عقولهم ذكريات لأيام كانت جميلة و أحلام كانت عريضة سرعان ما تحولت لكابوس مظلم مؤلم لا أحد يعلم متى سينتهي هذا الكابوس..و هل سنعود يوما ما الى تلك البلاد التي احببناها و التي تركنا فيها احلامنا و مستقبلنا مثلما تركنا أموالنا و ممتلكاتنا.....؟!!!
خواطر:
* بقاء وزير الخارجية أحمد أبو الغيط في منصبه على الرغم من تدني أداء أغلب البعثات الدبلوماسية في الخارج حتى في اوقات الكوارث و الأزمات يثبت ان (في حاجة غلط) ....و أن بقاء الوزيرفي منصبه تم لأسباب أخرى خفية ليس من بينها كفاءته أو اداء وزارته لواجباتها على النحو الأكمل..!!
* من سيحاسب السفير المصري في ليبيا أو القنصل المصري بطرابلس على هروبهم و تقاعسهم عن مساعدة المصريين في تلك الكارثة و عدم تواجد أي مسئول من البعثة الدبلوماسية المصرية لتأمين خروج المصريين من ليبيا.....و لماذا لا يرد أحد في القنصلية او السفارة على الإتصالات الهاتفية....؟!!
* اذا كنا نحن سافرنا مجانا...فلدي الكثييرن من الأصدقاء التي فرضت عليهم أتاوات من بعض أفراد الشرطة الليبية بمطار طرابلس من أجل السماح لهم بالسفر....!!
الإتاوات تراوحت بين 50 دينارا و 600 دينار للفرد الواحد مع تواتر معلومات عن شبهة (فساد) لأحد افراد شركة مصر للطيران داخل المطار ...!!
* لن يفوتني ان اسجل تعاون بعض افراد الشرطة الليبية المكلفة بتأمين الدخول لمبنى مطار طرابلس و تعاطفهم معنا بشدة و سماحهم بدخول النساء و الأطفال لداخل مبنى المطار هربا من برودة الجو القارسة و الأمطار الغزيرة...بل و رعايتهم لنا خلال الليلة التي قضيناها بداخل المطار ..!!
* الشعب الليبي شعب طيب....لديه الكثير من القيم و الأخلاقيات....يحترم المرأة بشدة...فالمرأة في ليبيا لها (حرمة) و لا يمكن المساس بها او التعرض لها...شعب لا يزال يحتفظ بالكثير من القيم و الأخلاقيات التي بدأت تدريجيا تختفي من مجتمعنا المصري...!!
* لقد تركنا كل شيء خلفنا في ليبيا....ممتلكاتنا...سياراتنا...وظائفنا....ذكريات جميلة....و مستقبل كان واعدا...!!
* اذا كنت قد انتقدت اداء البعثة الدبلوماسية المصرية بطرابلس فلابد ان اشيد بإستجابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة السريعة لإستغاثات المصريين بليبيا و الذي لم يتوان في اقامة جسر جوي بين القاهرة و طرابلس و بري بين بنغازي و السلوم من اجل سرعة عودة المصريين العالقين بطرابلس و بنغازي...فلا احد يعلم ماذا سيكون الحال في الساعات او الأيام القليلة القادمة و لكنها عادة القوات المسلحة دائما ان تكون على مستوى الحدث.
* علمت فيما بعد ان اجراءات السفر تم الغاءها تماما فيمكن للمصري ان يعود الى بلده بدون وجود جواز سفر او حتى الوثيقة...حدث هذا بعد ان استحكمت الأزمة و زاد تدفق الألاف الى المطار بحثا عن الأمان...!!
هل كان علينا ان ننتظر كل هذه الساعات في هذه الأجواء الرهيبة من أجل ان تصدر تعليمات بتسهيل سفر المصريين و إجلائهم...؟!!
لماذا لا توجد خطط طوارىء يتم تنفيذها فورا و أليا في حال حدوث كارثة انسانية مثل التي كنا نعيشها بالفعل...؟!
لماذا لا توجد لدى الموظف المصري ثقافة (ادارة الأزمة) بدون انتظار تعليمات سيادته ...؟!
خاصة اذا كان سيادته (هرب) و أغلق تبفوناته كلها...؟!!!
* اسألكم جميعا الدعاء و الصلاة لكل من في ليبيا من ليبيين و مصريين و جميع الجنسيات....فالوضع سيء للغاية...و الأزمة مرشحة بقوة للتعقد...و لا أحد يمكن ان يتنبأ بما قد يحدث..فقط الدعاء...!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.