كانت العامية المصرية سفيراً لنا فى الدول العربية عن طريق السينما. كنت فى العراق عام 1964 وجاءت طفلة تتعرف علىّ وجعلت أحدثها فأسألها عن مدرستها وبلدها ولكنها لم تتكلم فقلت لشقيقتها: - لماذا لا تتكلم؟ فانتحت بأختها جانباً وقالت لها: - خليها تحكى (بتتكلم) مثل السينما!! كانت السينما المصرية همزة وصل بيننا وبين الدول العربية، فقد حدث معى نفس الشىء فى اليمن عام 1976 ولكن مع النسوة اللاتى تحلّقن حولى وطالبننى بالكلام وكذلك فى الجزائر عام 1987 حيث كنت فى منزل الصديق الجزائرى المخرج أحمد راشدى وكانت تزورهم جارتهم فقلت لها: كلامى مفهوم؟ قالت طبعاً.. كلامك مثل السينما، وتقهقرت وتدهورت السينما المصرية.. لم تعد تحمل بصمات مصر ولم تعد ثانى سلعة فى الاقتصاد المصرى بعد القطن، ويكافح مهرجان القاهرة الدولى للسينما كل عام ليثبت أن مصر عاصمة السينما فى المنطقة العربية، كما كانوا يطلقون عليها هوليوود الشرق ويعسكر سكان معسكر السينما الشهير بمقر المهرجان 17 شارع قصر النيل ويصبح بقيادة السيدة سهير عبدالقادر، نائب رئيس المهرجان فى حالة استعداد قصوى منذ نهاية المهرجان الماضى وحتى إعلان مهرجان العام الجديد. وكل مرة يعلنون علينا فى اللجنة العليا فعاليات جديدة ومحاور جديدة وتكريمات جديدة وأضحك فى نفسى ورئيس المهرجان المسكين الفنان عزت أبوعوف يقرأ علينا الجديد والأحداث والأفلام والتواجد العالمى والتواجد العربى ويعد كل منا سؤالاً أو مداخلة لطلب إضافة أو وجهة نظر. أما النقاد- كما تقول الزميلة الغالية الناقدة الكبيرة حسن شاه- فهم يعدون الجنازير والسلاسل والخناجر استعداداً لتشريح المهرجان.. وقبل أن يبدأ- وأخاف عليهم من فراغ الجعبة بعد أن يبدأ فكيف يكتبون وكيف يذبحون؟.. وأنا أؤكد أن النقد عندنا يصل إلى حد الإجهاز على أى جديد وهو نابع أصلا من حب المصريين لجلد الذات، الذى أرجعنى إلى ماضيهم العريق وتاريخهم التليد وتراكمات الرفعة القديمة والمجد الرفيع والذى أصبح ليس بيننا وبينه أى صلة!! إلا جلد الذات لأننا لا يعجبنا العجب ولا الصيام فى رجب- ما أعرفش رجب ليه! وأنظر بشفقة لكتيبة العاملين تحت امرأة جنرال واضعة خريطة المعركة وهى السيدة سهير عبدالقادر وجنرال آخر قائد طابية هو الدكتور عزت أبوعوف، ويعملون مثل خلية النحل، يجمعون الرحيق من كل الاتجاهات حول العالم. ولكن يبدأ الجلد قبل الافتتاح بأيام كثيرة حتى يصل الجمهور إلى ليلة الافتتاح وكأنه ينتظر كارثة قومية وليس مهرجاناً لدولة تترجى السينما الرضا والعودة لقاطرة الاقتصاد والعودة للوصول إلى كل بيت عربى بالأفلام القوية التى كانت تخاطب الوجدان وتقوم بدور الموصل الجيد لما يحدث بين البشر من تغييرات وجدانية وتطور عاطفى، مع الحفاظ على التراث والموروثات من التقاليد والعادات. واتصفح أوراق المهرجان فأجد أن السياسة لم تفوت الذين يدبجون المهرجان ونحن نضرب من كل الاتجاهات أجد قسماً بالمهرجان تحت عنوان «مصر فى عيون العالم» يرصد الأفلام التى تناولت مصر سواء تاريخياً أو إنسانياً أو جغرافياً. ولوجود تركيا فى بؤرة الضوء منذ أردوجان سلط المهرجان جزءا من الأضواء على السينما التركية الجديدة وكأنه يشارك فى الوجود التركى على الدرب السياسى فى المنطقة العربية ويعرض لها فى المهرجان سبعة أفلام. ولم ينس المهرجان السينما الأفريقية- ولو أنى كنت أتمنى بعد فضيحة شح مياه النيل وإسرائيل تعمل بمعولها منذ ثلاثين عاماً فى المنابع- كنت أتمنى أن يرصد المهرجان الأفلام التى تصور حوض النيل ومنابعه ومناقشتها فى ندوة. ونجح المهرجان فى جذب أربع دول أفريقية منها الكونغو من حوض النيل، وفى بادرة لرأب الصدع العربى قدم المهرجان ملتقى القاهرة السينمائى الأول لدعم السيناريوهات العربية والتى تقدم لها 28 سيناريو تتسابق للحصول على مائة ألف جنيه جائزة وزارة الثقافة. وفى رأيى أن مجرد لقاء كتاب السيناريو العرب سوف يولد أفكاراً جديدة وينشط الفكر العربى فى خلق مناخ سينمائى، ربما ينجح فى تغيير وجه السينما للأفضل. هناك ثلاثة أفلام مرشحة للافتتاح، واحد من إنجلترا والثانى من إيطاليا والثالث مصرى للمخرج إبراهيم البطوطى والذى أرجو أن يكون فى مستوى يليق بالافتتاح، وهذا مهم جداً لمهرجان دولى يقام فى القاهرة منذ أربعة وثلاثين عاماً. وللأسف الشديد وللتراجع العربى فى كل شىء فإن المهرجان عانى فى جذب أفلام من الدول العربية لإلقاء الضوء على السينما العربية الجديدة، فلم تتقدم إلا ثلاث دول هى المغرب والإمارات والعراق. تماماً كما حدث منذ شهر فى مسابقة إبداع الطفل فلم تتقدم سوى 13 دولة بأعمال أطفالها، وللأسف الشديد فإن لدينا مهرجانات سينما عربية ولدت من عباءة مهرجان القاهرة الدولى، وهى دمشقوالجزائر وتونس والمغرب وأبوظبى ودبى ثم أخيراً الأردن ومن قبل بيروت، فكان لابد أن تشارك هذه المهرجانات بأفلام فى مهرجان القاهرة الدولى والذى ولدت من رحمه.. لكن نقول إيه الشرخ الذى يتسع كل يوم بين الدول العربية والذى يجعل من إسرائيل تستمد قوتها من هذا الضعف فالسينما فن شديد الأهمية، فهى فن وصناعة ومقدرة على التغيير وقدرة على التقارب، وللأسف لم ننجح فى إنتاج عربى مشترك، كأن تتناغم الدول.. من يملك الفن يقدم فنه ومن يملك المال يقدم ماله، وتمنيت أن تقوم ورش عمل لاكتشاف العناصر المشتركة بين الدول العربية من قصص تراثية وتاريخ مشترك وتراث يكون الشخصيات وكذلك عنصر التشابه فى الحياة. أحلام كثيرة يمكن أن يحققها المهرجان ولكننا أصبحنا دولاً تفرق ولا تجمع، تتباعد ولا تتلاقى، أذكر فى إحدى حفلات افتتاح مهرجان القاهرة الدولى للسينما فى مرحلة الراحل الكاتب الكبير سعد الدين وهبة أن ألقى خطبة قصيرة جداً ولكنها كانت معبرة عن الأحلام فى ذلك الحين ختمها بقوله: «نحن نريد السلام لا مشاريع السلام». لعل موقف مهرجان القاهرة الدولى من التطبيع يظل أحد عناصر قوته، وقد بذلت إسرائيل جهوداً جبارة للمشاركة فى هذا المهرجان ولكن الحمد لله أنه بقى سداً منيعاً أمام العدو الإسرائيلى الذى لديه المقدرة على الدخول من ثقب الإبرة مهما كانت الاحتياطات. فى مهرجان القاهرة الدولى لسينما الطفل فى العام الماضى وأنا رئيسة لجان المشاهدة شاهدت فيلماً لا يزيد على خمس دقائق فى مسابقة من الطفل إلى الطفل، وفوجئت فى لقطة لا تتعدى ثوانى تظهر حوض البحر الأبيض المتوسط وكلمة إسرائيل تفترش خريطتى مصر وفلسطين، واستطاعت إدارة المهرجان أن ترسل الفيلم إلى البلدة المشاركة قبل المهرجان بثلاثة أيام حيث كنا فى مرحلة المشاهدة لاختيار أفلام المسابقة والعرض الإعلامى ومنعت الدولة من المشاركة فى آخر لحظة. إن المهرجان حينما يصل إليكم خلفه مجهودات جبارة، يستحق كل البشر فى مقر المهرجان التحية منا جميعاً رغم الجلد الذى بدأ بالفعل قبل أن يبدأ المهرجان. قبل الطبع اختفت كلمة جائزة من القاموس العربى وأصبح بدلاً منها «أوورد» حتى الأردن أصبحت الجوردن حيث كتبت خبر حصول الفنان العظيم يحيى الفخرانى على جائزة أفضل ممثل تليفزيونى عربى على جائزة الجوردن أوورد!!! وما لها جائزة الأردن يعنى؟ حاجة عيب؟ وبالمناسبة ميوزيك أوورد بدلاً من جائزة الموسيقى!! ولا عزاء فى اللغة العربية!! [email protected]