عندما سيطر الإخوان على مصر.. سحبوا من الفرح الجنسية.. وسكبوا اللون الأسود على السماء الزرقاء.. وشطبوا اللون الأخضر من الحقول والشوارع وقلوب البنات.. وحولوا كل شىء فى حياتنا إلى كتل من اللحم والفحم.كل يوم قضوه فى الحكم يحتاج سنة للتخلص من جرائمه.. وكشف جواسيسه.. وتجاوز آثاره.. فهل كانت الحكومة التى جاءت على أنقاض الجماعة عند حسن ظن الملايين العريضة التى أزاحت آخر أجيال التتار؟.. هل كانت بنفس القدرة على الحسم والتغيير؟الحوار مع الدكتور حازم الببلاوى، رئيس الحكومة، يجيب عن هذا السؤال الصعب فى وقت تصاعد فيه الشياط والغضب والهجوم عليه وعلى وزرائه.وتنشر «المصري اليوم» الحوار الذي أجراه الكاتب عادل حمودة بالاتفاق مع جريدة «الفجر».(1)تبدو الشقة صغيرة.. أنيقة.. هادئة.. متجانسة.. بلا خدم.. فقد تفضلت سيدة المنزل بتقديم واجب الضيافة بنفسها.. فى حالة نادرة لم أجدها من قبل بيوت المسؤولين الكبار.. حيث تعبر السلطة عن نفسها بغرور وغطرسة وأرستقراطية زائفة.كان الدكتور حازم الببلاوى عائدا من الاجتماع الأخير لحكومته.. حيث انتهوا من قانون جديد للتظاهر.. ينظم احتجاجات الشوارع ويهدئ من صخبها ويخفف من آثارها.. وهو ما يعنى أن الحكومة حريصة على أن تمشى على حد سيف القانون.. وأنها نفسها لا تعترف بحالة الطوارئ التى فرضتها.. لتختصرها فقط فى حظر التجوال.. فلا هى قبضت واعتقلت وسجنت بالاشتباه.. ولا هى منعت الاجتماعات والتظاهرات بالإجبار.حسب تبرير الببلاوى: «لو استخدمت الطوارئ فى منع التظاهرات ونزل البعض إلى الشوارع سأجد نفسى مجبرا على استخدام القوة مما يزيد من عدد القتلى وهو ما لا نريد».إن من الصعب على رجل تخرج فى كلية الحقوق منذ 36 سنة وحصل على شهادت عليا فى القانون من جامعات مصرية وفرنسية مختلفة أن يتنكر لكل ما آمن به لمجرد أنه أصبح رئيس حكومة.. وربما كان هذا الحرص سببا- بجانب أسباب أخرى- فى اتهام حكومته بالضعف.. فالناس التى تشعر بالقلق على حياتها ورزقها تريد سيطرة أمنية مهما كان الثمن.بنفس الحرص على القانون يرفض الببلاوى التخلص من رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات هشام جنينة، بعد أن نهش سمعة وزير العدل دون موقف مساند من حكومته.قال الببلاوى: «شوف.. لا أستطيع وصف هشام جنينة بالخلية الإخوانية النائمة ولكن هناك شبهات.. وفى الوقت نفسه سيظل فى وظيفته مهما حدث.. فهو غير قابل للعزل».■ تصور الببلاوى أن «جنينة» محصّن بقانون يحميه من الإقالة فور تعيينه دون أن ينتبه إلى أن تلك الحماية كانت موجودة فقط فى الدستور الذى سقط.. مما يفتح الباب أمام الفرص السهلة للتخلص من جيوب الإخوان وطابورهم الخامس فى مفاصل الدولة المختلفة.. باختصار «شيلنا رئيس الجمهورية وعاجزين عن التخلص من رئيس المحاسبات؟».- قال: «شيلنا رئيس الجمهورية بثورة ولكن الحكومة تمشى على طريق القانون لا تحيد عنه».ولا يقتصر الأمر على رئيس المحاسبات، وإنما يمتد إلى مساعد وزير العدل لجهاز غسل الأموال، وهو شقيق زوجة القيادى الإخوانى عمرو دراج.. ولو كنا لا نتهم الرجل بشىء فإنه على الأقل كان عليه أن ينشط لمعرفة مصدر الأموال القذرة التى تمول بها تظاهرات الجماعة.. فحسبما سمعت من أحد رموزها فإن كل تظاهرة لا تضم أكثر من 16 إخوانيا أما الباقى فمستأجرون.. كل واحد وثمنه.إن العدو يرقد فى فراشنا ويأكل من طعامنا ويقبض راتبه من حكومتنا.(2)■ لم يعرف «الببلاوى» حقيقة الموقف القانونى لرئيس المحاسبات.. ولم يعرف حقيقة الموقف السياسى للمسؤول عن مكافحة غسل الأموال.. كانت إجابته المتكررة على كثير من الأسئلة «لا أعرف».. وهو أمر يستحق التوقف طويلا.. هل السبب غياب مستشارين ينبهون وينذرون؟.. هل السبب تراكم جداول الأعمال اليومية مما يبعد عن مزيد من الأمور المهمة والملحة؟- تكررت إجابة «لا أعرف» فى قضية شركات العلاقات العامة التى رصدت دولة الإمارات ملايين الدولارات للتعاقد معها لتوضح للغرب خاصة الولاياتالمتحدة حقيقة ما يجرى فى مصر بعد 30 يونيو.. ولكن لا أحد فى الحكومة امتلك الشجاعة للتوقيع مع تلك الشركات.. مما جعل البعض يصفها بأنها مرتعشة.. فكثير من الوزراء يتجنب تسهيل الأمور كى لا يجد نفسه متهما فيما بعد.. لذلك يؤثر السلامة ويبقى فى مكانه جامدا.هذه المرة تعجبت من جملة «لا أعرف».. فأثناء مداخلة تليفونية مع خيرى رمضان، وعد المتحدث الرسمى باسم الحكومة أن يستقبل مندوبى شركات العلاقات العامة الأمريكية الذين جاءوا إلى القاهرة على حساب رجال أعمال.. لكن.. من الواضح أن ما قيل كان «فض مجالس».. أو «فض تليفزيونيات».. فلم يصل الملف إلى رئيس الحكومة الذى قال لى: «لم يتصل أحد بى مباشرة أو بأحد الوزراء.. ليس لدىّ معلومات كافية عن هذا الموضوع».. والحقيقة أن هناك اتصالا جرى بأحد وزرائه.. وزيرة الإعلام.. لكنها.. ابتعدت عما يسبِّب لها الصداع.■ فى السياق نفسه سألت الببلاوى: «هل عندك فكرة عن المبادرة التى قام بها الدكتور أحمد كمال أبوالمجد والجماعة.. الرجل صرح بأن هناك مباركة حكومية للمبادرة.. ما مدى دقة ذلك؟».- أجاب: «من فى الحكومة وافق على وساطته؟.. المبادرة لم تطرح على ولم أسمع عنها إلا من الجرائد.. لكن.. لم يعرض على شىء».قلت: «لكنّ.. هناك وزراء فى الحكومة مصرين على التفاوض مع الإخوان مثل نائب رئيس الورزاء الدكتور زياد بهاء الدين».قال: «أفتكر أن الدكتور زياد لم يفهم بدرجة دقيقة، فقد كان يرى ضرورة وجود حل سياسى تنطوى تحته كل الفصائل والجماعات بشرط أن تلتزم بمعايير نضعها.. منها أن يتحدث الجميع عن المستقبل لا عن الماضى.. ومنها أن يكون الالتزام بخارطة المستقبل.. وفلسفة ذلك أنه كلما شارك عدد أكبر فى البناء فإن فرص نجاحه تزيد.. هذا هو جوهر ما قال زياد.. بدأ بمبادرة.. ثم تطورت المبادرة إلى برنامج حكومى لحماية المسار الديمقراطى.. والبرنامج من 11 نقطة.. منها نبذ العنف.. وعدم التداخل بين الدين والسياسة.. والإيمان بعدم التمييز بالجنس أو العقيدة.. واليقين بضرورة تشييد مؤسسات ديمقراطية لنصل إلى صندوق انتخابات صادق وحقيقى.. لابد للديمقراطية من مؤسسات تحميها مثل حقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدنى والنقابات القوية وغيرها.. هذه المؤسسات تدعم خارطة المستقبل التى اقتصرت على وضع الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية.. بجانب ذلك لا بد من وضع قوانين مهمة لمكافحة الفساد وتبادل المعلومات وميثاق شرف للإعلام».عدت لأسأل من جديد عن مبادرات الصلح بين الحكومة والجماعة..فقال موضحا: «أنت تعلم أن الحكومة لها أجهزة متعددة.. لا تتصل دائما مع بعضها البعض.. لكن فيما أعلم من القنوات الظاهرة لم أسمع عن أى اتصال بالجماعة.. هناك فى الحكومة من يقول «قابلنا فلان» أو «اتصلنا بفلان».. لكن.. ذلك بالصدفة.. وإن كانت هناك هواجس ولو ضعيفة من جانب جهات حكومية بأن الصر اع لا يكفى.. وأنه آن الأوان أن نبحث عن أرضية مشتركة.. فى الوقت نفسه لا أسمع صوتاً آخر من الإخوان.. كل ما أسمعه أنهم يتكلمون عن الماضى.. وعن تنازلات من جانبنا.. لا يزالون متمسكين بعودة محمد مرسى وإن لم يتمسكوا بعودة مجلس الشورى.. على أنهم وهذا هو الأهم لا يعترفون بالنظام الحالى ويصرون على أن ما جرى انقلاب.. ولم يطرحوا شيئا يدل على التقارب.«لكن.. ما رأيك الشخصى فى هذه القضية.. هل تؤمن بحقهم فى العودة بعد كل ما فعلوا؟».قال: «واضح أن الإخوان جماعة عبارة عن قيادات لها تاريخ تحكم أجيالا تؤمن بملاحقة العصر.. هناك من يقول إن بسبب ذلك التاريخ الطويل لا أمل فيهم.. ويصعب تصديقهم.. ولم يتراجعوا عما هم فيه.. لم يأخذ أحد منهم موقفا جريئا مثل فهمى هويدى واعترف بأنه مخطئ.. لكن.. ذلك لا يمنع من وجود أجيال أخرى ممكن تعيد التفكير وتعيد الحسابات وإن احتاج الأمر إلى شجاعة لم تفصح عن نفسها بعد».■ سألت: «وهل من حق شخص مثل أبوالمجد أن يتطوع بمبادرة دون أن يجد سندا من جهات رسمية؟».- أجاب: «لا تستطيع أن تمنع أحدا من المحاولة ولكن السؤال هنا: هل لديه فرصة للنجاح أم لا؟».وأضاف: «أنا أفتكر أن فرصة النجاح محدودة جدا.. فلست متأكدا من أن الإخوان أظهروا حتى الآن ما يمكننا القول بأنهم تجاوزوا فترة الإنكار والمقاومة».(3)ترتبط بهذه القضية قضية حل جمعية الإخوان المسلمين.. لماذا تأخرت الحكومة فى تنفيذ الحكم القضائى بحلها؟.. والسؤال الأهم: هل الجمعية غير الجماعة؟قال الببلاوى: «الجمعية شكل من أشكال التنظيم القانونى وتخضع لقانون الجمعيات الأهلية.. لكن.. ليس هناك كيان قانونى اسمه الجماعة.. الجماعة تنظيم غير شرعى.. لا تستطيع ضبطه أو تحديد أعضائه أو معرفة ميزانيته.. وعندما صدر الحكم بحل الجمعية كانت الحكومة واضحة أنها ستنتظر صورة الحكم لتنفذه.. لم يكن من الممكن تنفيذ حكم سماعى.. أو بمنطوقه.. أو من الجرائد».وأضاف: «أنا أرى إن عبدالله السناوى من أفضل المحللين السياسيين، ولكنه قال إن الحكومة غيرت رأيها عندما شافت ما جرى يوم 6 أكتوبر.. فسارعت بتنفيذ الحكم.. الحقيقة أن الصيغة التنفيذية للحكم لم تأت إلينا إلا فى بداية الأسبوع وفى أول اجتماع لمجلس الوزراء شكّلنا لجنة لتنفيذ الحكم.. فيها وزير العدل للجانب القانونى وممثل عن المالية فى الجانب الاستثمارى بجانب عضو من هيئة الرقابة المالية وعضو من الأمن القومى وعضو من الداخلية وعضو من البنك المركزى وعضو من وزارة التأمينات.. فالحكم واسع ومتعدد الجوانب.. ولو انتقدت الحكومة لأنها لم تبادر بحل الجمعية من نفسها فإنها فى اليوم الذى اجتمعت فيه لحل الجمعية صدر الحكم القضائى بحلها».(4)تضم حكومة الببلاوى ثلاثة نواب للرئيس.. وبها 35 وزيرا.. فى تشكيل ربما الأكبر فى تاريخ الوزارت المصرية.. وكانت التوقعات أن تكون محدودة العدد بسبب الظروف التى شُكِّلت فيها.ويصف البعض هذه الحكومة بعدم التجانس.. ففيها من يعيشون على النظريات الأكاديمية دون خبرة عملية.. وفيها من خرجوا من رحم التجربة العملية.. فيها من يملك حساً اجتماعياً.. وفيها من تأسره أرقام عجز الميزانية.. فيها من يملك شجاعة القرار.. وفيها من يخشى أن يجد نفسه متهماً لو تجاوز الروتين.لكن.. الببلاوى لا يرى فى ذلك عيبا.. وإنما ميزة..يقول: «الحكومة فيها تنوع.. تنوع يمنحها قوة وتكاملاً.. إن كل جزء من الجسم البشرى فيه جينات مختلفة وهذا سر الوجود.. الحكومة بها وجهات نظر متعددة بجانب خبرات وكفاءات بارعة».■ «هل معنى ذلك أنه لا أحد من الوزراء يجب أن يرحل فورا ويجب تغييره دون تردد؟».- أجاب الببلاوى: «سيكون من السذاجة أنك عندما تجمع 35 وزيرا فى حكومة واحدة وتجتمع معهم شهرين تلاتة أن تقول إن حصيلة ما رأيت هى بالضبط كما توقعت.. هناك وزراء فاقوا التصور.. ووزراء كما توقعت.. ووزراء أقل قليلا.. وإن كانوا فى إطار المعقول».■ سألت: «يعنى.. ألا تحتاج إلى تعديل وزارى قريب؟».- قال بحسم: «لا».■ سألت: «إذن.. لماذا تأخرت الحكومة فى إقرار الحد الأدنى للأجور.. وحسبما عرفت فإنها قبل أن تقره بصورة مفاجئة وجدت إصرارا من وزير الدفاع على عدم الخروج من الجلسة إلا بالموافقة عليه».- قال: «حكاية الحد الأدنى مطروحة منذ 25 يناير، وأذكرك بأننى كنت وأنا وزير للمالية أخذت على عاتقى تنفيذه بجانب الحد الأقصى.. وضعنا مشروع قانون عرض على الحكومة وقتها ووافقت عليه، ثم جاءت حكومة الدكتور كمال الجنزورى واعتمدته.. وكونه أنه لم يأخذ الاهتمام الكافى من جانبنا فهذا غير صحيح.. وإن اخترنا لحظة مناسبة لحسمه.. لحظة غلَّبنا فيها الجانب السياسى عن الآثار الاقتصادية السلبية.. فقد كان علينا أن نعطى للمصريين الذين طال صبرهم شيئا.. ولو تصبيرة».ويضيف: «الناس توقفت عند مبلغ 1200 جنيه واعتبرته رقماً سحريا لا يجوز النزول عنه ولو بخمسين جنيهاً.. فوافقنا على الرقم.. ولما نشأ أن نحبط أحداً.. فالاختلاف لا يساوى الكارثة السياسية التى ستأتى بسببه».■ لكن.. «هل حسبت الحكومة الآثار الجانبية التى ستترتب على الحد الأدنى للأجور وتجعل الموظفين الأقدم يطالبون بمزيد من الأجر تحقيقا للعدالة.. إذ كيف يتساوى أجر من يبدأ العمل بمن له أقدمية عدة سنوات؟».- قال: «عندك حق.. وهو ما يعنى زيادة التكلفة بعد تعديلات جزئية للموظفين الأقدم لكى يكون هناك فرق بينهم وبين الأحدث منهم.. وكان من الممكن أن نزود السلم الوظيفى كله ولكن التكلفة ستكون كبيرة جدا».■ سألت: «كم ستكون تكلفة الحد الأدنى حسب القواعد التى استقرت عليها الحكومة؟».- قال: «حوالى 18 مليار جنيه سنويا».(5)دون أمن، لا سياحة ولا استثمار.. يضاف إلى ذلك أن حياة الناس مهددة.. فكل من يخرج من بيته لا يضمن أن يعود إليه.. والأخطر أن الأسلحة الثقيلة وصلت إلى القاهرة.. فقد استخدمت قذائف «آر بى جى» فى ضرب محطة الأقمار الصناعية فى المعادى.قال رئيس الحكومة: «موقفك من الأمن يتوقف على رؤيتك الخاصة.. أنا شخصيا أعتقد أن نجاحنا الأمنى كان مشرفا ويجعلنا نقف تحية لرجال الشرطة.. إذا استخلصت هذه النتيجة فإنك ستشعر بالاطمئنان.. ولو استخلصت عكسها ستشعر بالقلق».واستطرد: «ولا تنس أنك أمام طرف عنده أهداف سياسة.. لا يهمه أن يفقد شعبيته بقدر ما يهمه تحقيق هذه الأهداف.. لكن تصرفاته العصبية العنيفة تؤكد أنه فى مراحله الأخيرة.. يقترب من النهاية.. وهو لم يصل إلى هذه الحالة القريبة من الانتحار إلا بسبب ما يتلقاه من ضربات أمنية.. هو فى حالة دفاع عن النفس والوجود والبقاء.. وهو ما يفسر شراسته.. وما يبرر فقدانه العقلانية.. دون حساب للآثار الجانبية السياسية».وأضاف: «ما يحدث لا يزيد عن تفجيرات عشوائية فى مقر شرطة أو مديرية أمن أو منشآت حكومية وهو ما يفقده تعاطف الناس بل يعتبر بالنسبة لهم عدواً بعد أن عطل بما يفعله مصادر رزقهم».■ «هل تعتقد أنه ينتحر أم يثبت وجوده أم عنده أمل فى استعادة ما فقد من سلطة وسيطرة؟».- قال: «عنده أمل بالطبع لكن ليس كبيرا والدليل على ذلك أنه محاصر وبيضرب فى كل الاتجاهات.. وصدقنى كنت سأشعر بالقلق لو تصرف الإخوان بهدوء وعقلانية.. ساعتها لابد أن نتوقع الأسوأ».(6)فى العدد الماضى من الفجر انفردت بحوار مع «ريتشارد هاس» مساعد الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الأب ورئيس مجلس العلاقات الخارجية.. المركز الأخطر فى التأثير على صانع القرار الأمريكى.. طلب الرجل عدم الثقة فيما قال أوباما عن مرسى أمام الأممالمتحدة.. وتنبأ بما حدث بعد أيام من النشر.. أن تتدهور العلاقات المصرية الأمريكية وأن تجمد المعونة العسكرية.■ عند إجراء الحوار مع الببلاوى لم تكن الصورة واضحة.. هل الخبر حقيقى.. أم تسريبات صحفية؟.. هل التجميد كلى أم جزئى؟.. هل يؤثر القرار على ما بين القاهرة وواشنطن من مودة استراتيجية وصلت إلى حد التحالف؟- قال الببلاوى: «الخبر بالقطع له أساس ولكن خروجه من خلال متحدثين رسميين يعنى أنهم لا يريدون منحه أهمية واضحة.. ولو كنا حتى الآن لا نستطيع أن نحكم بدقة على حدث أو نتوقع ما سيحدث، فإنه فى تقديرى الخاص حكومة أوباما مشت فى طريق طويل لدعم النظام السابق.. ثم بدأت تتراجع.. لكن ليس من المعقول أن تتراجع بنفس السرعة التى مشت بها.. واعتقد أنهم جمدوا بعض المزايا إلى أن تتغير الأوضاع».■ سؤال مكمل يا دكتور: «هل تعتقد أن رؤية العالم الخارجى لا تعكس حقيقة ما يحدث فى مصر؟.. وهل يؤثر ذلك علينا؟.. ولو كنا نجحنا بمساعدة السعودية والإمارات فى تحييد أوروبا فهل سيؤدى الموقف الأمريكى إلى مزيد من التآمر علينا؟».- أجاب: «الأساس فى النجاح هو ما يجرى على الأرض فى الداخل.. والخارج إذا كان قريبا أو بعيدا يدرك ذلك تماما.. البعض هناك عرف الحقيقة فى أسابيع والبعض الآخر يحتاج إلى شهور».«لكن.. من جانبنا.. نحن لا نفعل شيئا.. نترك القوى المضادة تضلل وتشوه.. لا أحد منا يواجه ويفسر ويشرح ويوضح.. رئيس هيئة الاستعلامات مثلا ظل 40 يوما بعد تعيينه فى مكانه فى جنيف ولم يعد فورا إلى القاهرة.. لم يستوعب أننا فى حالة حرب تحتاج التعبئة العاجلة والقوية.. وعندما عاد تحجج بضعف الإمكانيات والكفاءات».قال: «دعنا لا نبالغ.. الأساس هنا على الأرض.. وبعد ذلك يأتى التسويق السياسى ليلعب دوره.. لو لم تكن لديك بضاعة جيدة فلن يشتريها منك مهما كانت خبرة تسويقها».وأضاف: «وأنا أعتقد أن جماعة الإخوان لديهم تسويق درجة أولى، وكل يوم يضاعفون من براعتهم التسويقية ولكن على الأرض لا تمر ساعة إلا ويفقدون فيها الكثير.. الصورة عكسية الآن.. على أنك لو قلت لهم «تبادلوا».. تسيطرون على الداخل مقابل أن نحصل على الصورة فى الخارج لن يترددوا فى قبول الصفقة.. سيكونون سعداء جدا بهذا البدل».■ بمناسبة الخارج.. لماذا لم نشارك فى اجتماعات صندوق النقد الدولى.. الحكومة قالت إن الدعوة جاءت متأخرة.. والحقيقة أنها وصلت فى 30 سبتمبر والاجتماعات فى الثانى من نوفمبر؟».- أجاب: «هذا غير صحيح.. الحقيقة أن الصندوق أثار فى فترات سابقة بعض الشكوك حول مدى شرعية الحكومة القائمة.. وخشينا ألا نعامل معاملة غير كريمة.. شعرنا أن فى هذا الموقف عدم احترام كاف لمصر.. خاصة أن مصر إحدى الدول الأربع والأربعين التى وقعت على اتفاقية الصندوق قبل ألمانيا واليابان.. نحن دولة مؤسسة للصندوق لا يجوز أن تعامل هذه المعاملة».وأضاف: «من ناحية أخرى الدعوة جاءت متأخرة.. والوقت اللازم لحجز الطيران والفنادق بالذات لم يكن كافيا.. وأردنا أيضا أن نبعث برسالة.. أن تخفيض مستوى مصر فى أى مؤسسة دولية لن نقبله.. مهما كانت المكاسب المتوقعة».الشىء نفسه حدث فى مؤتمر دوفيل (فى بريطانيا) للاستثمار.. فقد طالبوا بأن يكون مستوى تمثيل مصر أقل من وزير على خلاف باقى المشاركين فى المؤتمر.. وواجهت حكومات السعودية والإمارات والكويت والأردن الموقف نيابة عنا.علق الببلاوى قائلا: «صندوق النقد مؤسسة تساهم فيها مصر ومؤتمر دوفيل مجرد مؤتمر ولا وجه للمقارنة».(7)■ هناك أسئلة كثيرة يسألها العالم جمعتها من حصيلة مقابلات لمؤسسات وشخصيات مختلفة التقيتها خلال رحلة أخيرة إلى الولاياتالمتحدة.. منها.. هل وفت الدول الخليجية بما وعدت به من مساعدات؟- قال: «الدعم الخليجى لمصر دعم قوى جدا وصادق وحقيقى.. هناك دعم مباشر للبنك المركزى يقترب من 12 مليار دولار.. فى الوقت نفسه تلتزم هذه الدول بمساعدات عينية.. وقود وغاز ونفط.. بجانب حديث طيب جدا عن حزمة استثمارات سريعة تأتى بعائد أسرع.. سواء بفك أزمات.. أو بتشغيل عمال.. مثل بناء مدارس ومستشفيات وإدخال الكهرباء والمرافق الأخرى فى عدد كبير من القرى.. يضاف إلى ذلك خدمات اجتماعية.. بل أكثر من ذلك سيشاركون فى إصلاح المزلقانات والأنفاق».وفى مصر لجنة من الإمارات وظيفتها دراسة ومراجعة المشروعات العاجلة وتمويلها ولكننى لم نقرأ عنها خبرا.قال: «نحن نتفق على عدد من المشروعات، لكن نحدد تكلفتها الحقيقة وسبل تنفيذها.. والحقيقة أن الإمارات لا تريد أن تعلن عن شىء قبل أن يتحقق.. وفى الوقت نفسه الحكومة تحافظ على كل مليم يأتى من هناك.. لينفق فى مكانه الصحيح.. دون تسريب».■ أيضا.. يسأل العالم الخارجى عن جماعات الإسلام السياسى هل سيكون لها نصيب فى الإنتخابات البرلمانية القادمة؟.. وهل إذا ما خاضت الانتخابات ستحصل على أغلبية مؤثرة فى ظل ضعف الأحزاب المدنية وتمزقها وتفرقها؟- قال: «نحن نريد أن نكون على أكبر درجة من الحرية التى تتاج للجميع ونؤمن بأن الثورة قامت لإثبات شعبية الحكم المدنى.. والمحك فى النهاية هو الانتخابات القادمة.. أنا أسعى لفتح الباب أمام كل الأطياف.. خاصة أن تجربة مرسى السابقة أضعفت إلى حد كبير فرص الاتجاهات والجماعات السياسية الملتحفة بالدين».لكنهم يستغلون الفقراء بكراتين الطعام.. والخدمات الصحية.. ويشترون أصواتهم بثمن بخس.. ففى الصعيد ما يقرب من مليون أسرة بلا عائل.. بلا دخل.. تؤثر فى الانتخابات مقابل لقمة خبز مغموسة فى الظروف الصعبة.. إن ذلك يشكك فى شرعية الصندوق ويجعله وسيلة ديمقراطية غير مأمونة.قال: «هذا صحيح.. ولكن لا تنس أن هذا الأمر موجود من قبل.. ونجحوا به فى تحقيق مكاسب مؤثرة فى الانتخابات الماضية.. بجانب أن كثيرا ممن صوتوا لهم عصروا على أصواتهم ليمونة بعد أن رفضوا مرشحين غيرهم وصفوهم بالنظام السابق.. لكن.. أعتقد أنه بعد حكم مرسى ودون شك انهارت شعبيتهم.. وبعد ما يقومون به الآن تضاعف الانهيار.. فى هذه الظروف لن يحصلوا على أغلبية.. لن يحصلوا على ما سبق أن حصلوا عليه».■ «من قبل فى الانتخابات الرئاسية حصلوا على نحو 52% هل لو خاضوا التجربة من جديد كم سيحصلون؟.. (15%).. (25%)؟».- قال: «بالكتير».■ سألت: «هل تستعدون من الآن للانتخابات البرلمانية بحيث تساعدون الأحزاب المدنية فى الائتلاف والتحالف فلا تتكرر مأساة التمزق والانقسام وتفقد الأغلبية قوتها وتمثيلها الصحيح؟».- أجاب: «هناك جانب عملى وجانب سياسى.. الجانب العملى أن يتأكد الناس أن الانتخابات ستكون سليمة.. لجنة الانتخابات التى أعلنت مؤخرا عليها مراجعة كشوف الناخبين ووضع شروط مناسبة لسلامة العملية الانتخابية.. وهذا ما تعمل عليه الحكومة الآن.. أما حكاية من سينجح ومن سيفشل فهذا شغل أحزاب.. ليس من حقنا أن ننشغل به.. ليس من مهامنا».(8)وأخطر ما تعانى منه مؤسسات الدولة فى هذه الفترة الحرجة هو عدم التنسيق فيما بينها.. ليس هناك التنسيق الكافى بين رئاسة الجمهورية والأجهزة السيادية.. والحكومة فمن الممكن أن يرعى جهاز ما مبادرة تفاهم مع الإخوان دون أن تعرف الحكومة.. ومن الممكن أن تعين الرئاسة مسؤولا مثل رئيس هيئة الاستعلامات دون أخذ رأى الحكومة.. أكثر من ذلك قد يأتى حكم قضائى واجب النفاذ يسبب أزمة للحكومة لا تستطيع مواجهتها.■ لقد أصدرت المحكمة الإدارية العليا على سبيل المثال حكما بإعادة شركة طنطا للزيوت والكتان إلى الدولة بعد أن قبض العمال قيمة المعاش المبكر وطرحت أسهم الشركة فى البورصة.. فكيف يمكن تنفيذ مثل هذا الحكم؟.. خاصة أن عدم تنفيذه قد يعرض رئيس الحكومة للسجن كما حدث مع هشام قنديل؟- قال الببلاوى: «هناك بالقطع أوضاع شاذة تحدث، عليك أن تتعامل معها بشكل أو بآخر.. وبحسن نية عليك تنفيذ الحكم لا عرقلته.. الطبيعة نفسها فيها ظواهر كثيرة متناقضة.. مثلا.. أطفال الشوارع بلا أب أو أم أحيانا.. ولكنك لا تجرؤ على التفكير فى قتلهم.. فعدم الشرعية لا تمنع حقهم فى الحياة».وأضاف: «أنا أتذكر أنه فى بعض الأحكام القاضى كان ينظر إلى الناحية القانونية دون أن يرى بدرجة كافية الواقع نفسه الذى يعكسه الوضع القانونى.. هذه الأمور كثيرا ما تحدث حتى فى الشريعة الإسلامية.. يتزوج شخص ثم يتبين أن زواجه غير صحيح لسبب أو لآخر.. هنا علينا معالجة الآثار التى تترتب على الخطأ.. مهما كان».■ بالمناسبة: «هل درست قضية المصانع المغلقة؟ وكم مصنعاً يحتاج لإعادة فتحه من جديد؟».- قال: «حوالى 450 مصنعا.. ووزارة الصناعة تعمل على حل مشاكها وأغلبها عنده مشاكل مالية مع البنوك.. على جانب آخر يمكن القول بأن الاقتصاد المصرى رغم مرور ما يقرب من سنتين ونصف السنة على ما يتعرض له من متاعب فإن لديه كثيراً من المناعة.. أكثر بكثير مما كنا نعتقد.. لكن لا ننكر أن لدينا متاعب وصعوبات اقتصادية كثيرة، ونحتاج إلى دعم مباشر وغير مباشر».■ هل ستحل مشاكل تلك المصانع المغلقة؟- قال: «الحكومة تبذل كل جهدها.. وتعطى هذه المصانع أولوية.. فأى إنفاق عليها سيجلب عائدا سريعا.. الاستثمارات التى تحظى بها تحتاج إلى إضافة قليلة كى تنتج لكن التمويل ليس مشكلتها الوحيدة.. فهناك نزاعات قانونية فى بعض هذه المصانع تعطل إنتاجها رغم توافر التمويل الذى تريده».■ وهل السياحة لا تزال فى أزمة؟- قال: «السياحة فى أزمة شديدة.. لكنها كما نعلم جميعا كنز ثمين.. مجرد أن يشعر السياح بالأمان سيعودون فورا ودون تردد.. يمكن تشبيه ذلك بنجم كرة موهوب فى تسديد الأهداف أصيب بانفلونزا.. قطعا كفاءته ستقل».قلت: «هنا يجب علاجه مما أصابه ليعود إلى لياقته.. خاصة أن شركات سياحية وفنادق ومراكب كثيرة تغلق أبوابها وتسرح عمالها لأنها غير قادرة على دفع رواتبهم فكيف نساعدها؟.. ألا يمكن أن يذهب جزء من الدعم الخليجى إليها أو إلى المصانع المغلقة».- أجاب: «كله وارد».(9)عندما أحاور مسؤولا فإنه عادة ما يبدأ فى أسئلة فور أن أنتهى من أسئلتى.. وهو نفس ما حدث مع رئيس الحكومة.. فقد سألنى عما يحدث فى البلد.. فقلت: «كل جهة فى واد».. وسألنى عن خارطة الطريق فقلت: «هناك محاولات من بعض الاتجاهات لتقديم الانتخابات الرئاسية عن الانتخابات البرلمانية وهو ما يرفضه رئيس الجمهورية الذى يرى أنه فى هذه الحالة سيجمع الرئيس الجديد بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.. فعلق الرجل قائلا: «عدم الالتزام بخارطة المستقبل سيفتح الباب أمام اجتهادات لا حصر لها وربما سبب خلافا وانشقاقا نحن فى غنى عنه».لكن المشكلة التى تؤرق الدكتور حازم الببلاوى: لماذا بدأ الهجوم يشتد على حكومته؟.. وكان رأيى أن الحكومة تترك الإعلام بعيدا عن معرفة ما يجرى.. وعندما تغيب الحقيقة فإن الكل يضرب بعشوائية وشراسة.. الحقيقة دائما تنير الطريق.. وعلى الحكومة أن تستوعب درس من سبقوها.. ولا تكرر أخطاءهم بالغرور والتجاهل.. لم تدخل حكومة فى حرب مع إعلام إلا وخسرت.. بل أكثر من ذلك خسرت السلطة الإخوانية وجودها ونفوذها عندما فشلت فى التعامل مع قوة الصورة والرأى والخبر.وأعتقد أن الرجل استوعب ما قلت.. وربما أجرى تغييرا عاجلا فى اتجاه ما نصحت به.