أثناء الحرب الإعلامية التى شنَّها السيد وزير التربية والتعليم ضد الكتب الخارجية على مدى الأشهر الماضية، أطلق سيادته عدة مزاعم لكى يبرِر بها الإجراءات غير المسبوقة التى إتخذها ضد ناشرى هذه الكتب. فتارة يصرِح بوجود ما أسماه «ماڤيا الكتب الخارجية»، وتارة يصرِح بأن الكتب الخارجية هى سبب فساد التعليم فى مصر، ومرة يصرِح بأن الوزارة لن تتنازل عن حقها فى مقابل إنتفاع الناشرين بأملاكها الفكرية، ومرة يصرِح بأن كتب الوزارة تتفوَق على الكتب الخارجية فى الشكل والمحتوى، إلى غير ذلك من التصريحات الكثيرة، ولعل أشهرها وصف الناشرين بأنهم مصاصو دماء. أما عن زعمه بوجود ماڤيا تتعمد تأخير إصدار كتب الوزارة إلى ما بعد صدور الكتب الخارجية، فإن هذا الزعم مردود بما فعله مؤخرًا عندما أعلن منح التراخيص لأكبر دار نشر كانت مطابعها تجمع بين كتب الوزارة والكتب الخارجية والتى تحمل نفس أسماء مؤلفى كتب الوزارة. وأنا الآن أُطالب السيد وزير التعليم بالإفصاح عن أسماء أولئك الذين زعم فيما مضى أنهم أعضاء فى تلك الماڤيا لنرى هل عوقب المسىء بذنبه، أم أن المسىء نجا وعوقب غيره بذنبه، أم أن المسىء كوفئ وعوقب البرىء. وإذا كان هناك وجود لتلك الماڤيا المزعومة، فإن رأس تلك الماڤيا لا بد أن تكون داخل أسوار وزارة التربية والتعليم؛ لأن وزارة التعليم لها كامل السلطة على إدارة أمور طباعة كتبها، وهى التى تختار مطابعها، وهى التى تستطيع وضع ما تشاء من شروط جزائية للتأخير عند توقيع تعاقداتها مع تلك المطابع. وأنا الآن أسأل: هل تم استئصال رأس تلك الأفعى؟ وأُطالب السيد وزير التعليم بالإفصاح عن أسماء أعضاء تلك الماڤيا الذين تم إبعادهم عن مناصبهم داخل وزارة التعليم بعد أن ثبت أنهم يؤلفون الكتب الخارجية؛ لنرى هل كوفئ أحد هؤلاء وتم منحه ترخيصًا بنشر كتبه الخارجية دون غيره. وأما عن قول السيد وزير التعليم إن الكتب الخارجية هى سبب فساد التعليم فى مصر، فما أكبر هذا الغلط! إن تلك العبارة « فساد التعليم فى مصر » عبارة غير لائقة، وما كان ينبغى للسيد وزير التعليم أن ينطق بها؛ لأن فيها إساءة إلى سمعة مصر، وكان الأجدر به أن يقول « مشاكل التعليم ». والحقيقة أن أكثر مشاكل التعليم فى مصر ترجع إلى ضعف الميزانية المخصصة للتعليم من أموال الدولة، ولا شأن للكتب الخارجية بشىء من ذلك. فتلك الكتب - كما هو واضح من اسمها - خارجية، ولا دخل لها بما يحدث داخل المدارس من إهمال وتقصير إدارى، ولا دخل لها بضعف رواتب المعلمين بكل ما له من آثار سلبية، ولا دخل لها بعجز كتاب الوزارة عن أداء دوره، ولا دخل لها بشحة الوسائل التعليمية والأدوات المعملية وأجهزة الكمبيوتر داخل المدارس، ولا دخل لها بما يملأ قلوب التلاميذ من نفور من المدارس. إن الكتب الخارجية هى بكل بساطة مجموعة من المراجع العلمية التى يلجأ إليها بعض التلاميذ بمحض إختيارهم فى الساعات التى يقضونها خارج المدرسة تعويضًا عما فاتهم من المعرفة داخل المدرسة أو إستزادة من المعرفة عن طريق البحث فى مصادرها المتنوعة. وكون تلك الكتب خارجية ينفى عنها تهمة التعدى على إختصاص وزارة التربية والتعليم بالإشراف على التعليم قبل الجامعى داخل مدارسها. ولعل أدمغ حجة تدفع تهمة إفساد التعليم عن الكتب الخارجية أن يتنازل المدعى عن إتهاماته مقابل مبلغ من المال، وكأن مجرد الامتناع عن دفع ذلك المبلغ يفسد التعليم. وقد زعم وزير التربية والتعليم أن لوزارته حقوقًا مالية على ناشرى الكتب الخارجية نتيجة استغلالهم لممتلكاتها الفكرية، وقد بُنى هذا الزعم على فهم خاطئ لأحكام قانون الملكية الفكرية؛ لأن كتاب الوزارة يوضع وفق المنهج الوطنى الذى تقرره وزارة التربية والتعليم سلفًا، ثم يسير مؤلف كتاب الوزارة ومؤلف الكتاب الخارجى كلاهما وفقًا لهذا المنهج الوطنى المعد سلفًا. وبناء على ذلك لا يكون لوزارة التربية والتعليم فى كتابها من حقوق الملكية الفكرية إلا الأسلوب وطريقة التعبير اللتان تمت بهما صياغة ذلك المنهج فى صورة كتاب. وما دامت الكتب الخارجية لا تنقل أسلوب كتاب الوزارة كما هو، فإن أصحابها يتمتعون بنفس حقوق الملكية الفكرية التى تتمتع بها الوزارة على مصنفاتها. أما عن زعم السيد وزير التعليم بأن كتاب الوزارة أفضل من الكتاب الخارجى، فإن الهيئة القومية لضمان جودة التعليم قد ردت عليه هذا الزعم بوصفها لكتاب الوزارة بالركاكة وضعف المستوى . أما أنا فأرى أن كتاب الوزارة ليس سيئًا بالدرجة التى يصفه بها كثير من الناس، ولكن به قصور وعيوب. وترجع عيوب كتاب الوزارة إلى أمرين: الأمر الأول هو ضعف ميزانية وزارة التربية والتعليم، والذى أدى بالضرورة إلى ضعف الحصة المخصصة للكتاب من تلك الميزانية. وأنا أزعُم أن ضعف الميزانية هو سبب كل مشاكل التعليم، بداية من المدرس الذى لا يكفى راتبه الشهرى نفقات أسرته ليوم واحد أو يومين، مرورًا بتردى أوضاع الأبنية التعليمية وعدم كفايتها، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة الكثافة فى الفصول الدراسية إلى حد يستحيل معه الوصول إلى الحد المعقول من الإلقاء والتلقى، إلى ضعف الميزانية المخصصة لتجهيزات المعامل وأجهزة الكمبيوتر. تلك المشاكل جميعًا ترجع إلى ضعف الميزانية المخصصة لوزارة التربية والتعليم من أموال الدولة فى ظل العمل بأحكام الدستور القاضية بأن يكون التعليم قبل الجامعى بالمجان حقًّا مكفولاً لجميع المواطنين دون تفرقة بين القادرين منهم وغير القادرين. وهذا الضعف فى الميزانية أدى بطريقة مباشرة إلى القصور الموجود حاليًّا بكتاب الوزارة. فالكتاب الذى يفوز فى المسابقة التى تنظمها وزارة التربية والتعليم لتأليف كتاب الوزارة يكون فى غالب الأمر بغير الصورة التى يخرج بها إلى التلاميذ، وإنما تتم عليه عملية تعديل بما يتوافق مع حصة هذا الكتاب من الميزانية ، ويتم حذف أجزاء كثيرة منه لهذا السبب. ولأن عملية التعديل هذه يكون الهدف الأول منها اقتصاديًّا وليس علميًّا، تخرج النتيجة كتابًا مشوَهًا مقطع الأوصال يحتاج من التلميذ إلى ما يفوق وقته وجهده فى محاولة توصيل ما قطَّعه الحذف، فى عمل هو أشبه بحل لغز الكلمات المتقاطعة التى ليس من واجبات التلميذ أن يقوم بها. والضعف فى الميزانية يؤدى كذلك عدم وجود ذلك الكم من التدريبات والأسئلة على غرار ما يوجد فى الكتاب الخارجى، إذ لو كان بالإمكان زيادة الحصة المقررة للكتاب من الميزانية، لكان الأولى معالجة الشق الأهم فى الكتاب وهو جزء الشرح. فإذا كان يتم التوفير لصالح الميزانية على حساب الشرح، فإنه من باب أولى أن يتم توفير جزء الأسئلة برمَّته. أما الأمر الثانى فهو الطريقة التى يتعمد بها السادة مؤلفو كتب الوزارة بِبتر جزء من المعلومة مع توجيه السؤال عنها إلى التلميذ. وفى هذا الأمر قولان: يقول المسئولون بوزارة التربية والتعليم إن عدم تقديم المعلومة كاملة يدعو الطالب إلى إعمال عقله فى إستنباطها، أو يدعوه إلى اللجوء إلى المراجع العلمية حتى يتعوَّد البحث. بينما يرى التلاميذ هذا الأسلوب فى بتر المعلومات ضربًا من الألغاز المحيرة ونوعًا من التعجيز. ولذلك يقول بعض التلاميذ إن كتاب الوزارة عبارة عن طلاسم غير مفهومة، وإنه من سبيل إضاعة الوقت أن يقوموا بأنفسهم بحل تلك الألغاز. بينما يقول آخرون أن البحث والاستنباط شىء ممتع ولكن ما يدرينا أن ما توصلنا إليه بالبحث الحر معلومات صحيحة؟ لو كان نظام التقويم بالامتحانات يثيب الطالب على قدر ما بذل من البحث لاستقام الأمر. ولكن ما دام التقويم يعتمد على الإجابة الصحيحة فقط، فالكتاب الخارجى هو خير وسيلة لتجاوز ذلك النوع من التقويم. أما ناشرو الكتب الخارجية فيقدمون المعلومة كاملة، ولا يرون فى ذلك حرجًا أو مخالفة لما تسعى وزارة التعليم إلى تحقيقه، ويرون أن مصنفاتهم هى المراجع العلمية التى ينبغى أن يرجع التلاميذ إليها، لا سيما وأن كتاب الوزارة لا يضع قائمة بالمراجع التى يمكن أن يلجأ إليها التلاميذ للحصول على المعلومة بطريقة ميسَرة أو شبه ميسَرة. وأما المدرس فإنه فى الغالب ليس معدًّا إعدادًا كافيًا للتعامل مع هذه الطريقة التى يراها كما يراها الناشرون بترًا للمعلومات، ولا يقدِّم له «كتاب المدرس» أى مساعدة فى هذا الشأن، فيلجأ إلى الكتب الخارجية ليتعلَّم منها أولاً، ثم ينقل إلى تلاميذه ما تعلمه ثانيًا. حتى إذا ما أصبح المدرس خبيرًا بكل صغيرة وكبيرة فى المنهج، وإستطاع الاستغناء عن الكتب الخارجية، وكادت العملية التعليمية داخل الفصل تنتظم، وصار سوق الكتب الخارجية ضعيفًا بسبب ذلك، يتغير وزير التعليم، وتُستبدل المناهج بمناهج أخرى، ويصير المعلم تلميذًا مرة أخرى، ويلهث الناشرون وراء المناهج الجديدة، محاولين أن يسدوا الثغرة بتوفير المراجع التى يرجع إليها المعلم والتلميذ كلاهما للتعامل مع المناهج الجديدة. وإننى أعجب من سعى وزارة التربية والتعليم وراء التغيير المطرد للمناهج بحجة التطوير. وهل لا يجوز التطوير مع ثبات المناهج؟ إن ثبات المناهج فيه فائدة كبرى، إذ يظل المدرس محتفظًا بمهاراته فى تدريس هذا المنهج، حتى وإن كان هناك تطوير فى وسائل عرضه وتدريسه. إننى أرى أن التغيير المطرد فى المناهج الدراسية هو أصح مناخ لسوق الكتاب الخارجى. ويقينى أنه لو ثبتت المناهج الدراسية دون تعديل جوهرى لمدة عشر سنوات متتالية لماتت جميع الكتب الخارجية بالتدريج، ولحلَّ محلَّها مُدرِس الفصل. وأما ردًّا على الإهانات التى وجهها السيد وزير التعليم إلى ناشرى الكتب الخارجية، فأقول لقد أحسن هؤلاء الناشرون العمل من خلال تلك المهنة الشريفة، مهنة نشر العلم، وقد وعد الله الذين أحسنوا أن تكون لهم الحسنى وزيادة. وقد كان هؤلاء الناشرون فيما مضى يجازون بالإحسان إحسانًا، ويُكرَّمون على ما أفنوا فيه أعمارهم خدمة لأبناء الوطن. أما الآن، وبعد تصريحات السيد وزير التعليم، فقد بلغ بهم الأمر أنهم لا يتطلعون إلى التكريم، ولا ينتظرون الحسنى، بل يستجدون العدل على أبواب المحاكم. شريف جاد الواحى مؤلف وناشر