فى الأسبوع الماضى تحدثت عن أمناء وضباط الشرطة الصغار الذين تحولوا إلى ورش لصناعة الخراب النفسى وتدمير الأمان الاجتماعى. وطلبت من القراء أن نفكر معًا فى الوصول إلى تصور يحمى الأبرياء من هذا التلفيق المتواصل للتهم، والذى لا تستطيع النيابات العامة عادة أن تتحقق منه أو تكشفه، وإذا حدث واكتشف وكيل نيابة جريمة التلفيق فإنه لا يفعل أكثر من حفظ القضية وصرف المتهم من سراى النيابة. ولم أندهش من حجم الرسائل الإلكترونية، التى جاءتنى على بريدى الخاص، ولا من عدد الاتصالات التى تلقيتها من مواطنين كل منهم لديه فاجعة تلفيقية أحالت حياته إلى جحيم، وجعلته يتمنى لو لم يولد فى هذا البلد الموبوء بهذا الصنف من أمناء وصغار ضباط الشرطة. أقول لم أندهش، لأننى أعرف مسبقًا أن التلفيق أصبح فى السنوات الأخيرة عملاً أصيلاً وأساسيًا من أعمال الشرطة، وأعرف أيضًا أن أجهزة العدالة المنوط بها اكتشاف هذه الجريمة تعانى من الترهل والضعف والإرهاق، فضلاً عن عوار من المنبع أصاب بعض أفراد هذه الأجهزة، وتحالفت كل هذه العوامل لتجعل العدل من المستحيلات، والكفاءة المهنية القادرة على الفرز والتصنيف الدقيق مثل لبن العصفور، وأصبح المواطن البرىء الذى يشقى لتدبير قوت يومه مكشوفًا تمامًا فى مواجهة قطعان هائجة تعيث فسادًا وإرهابًا وتلفيقًا دون رادع. ما هو الحل إذن للخروج من هذه الدائرة الجهنمية؟ هذا ما طرحته على القراء الأسبوع الماضى، وقد ذهب عدد كبير منهم إلى حد المطالبة بإلغاء وزارة الداخلية، وتكليف القوات المسلحة بحفظ الأمن الداخلى إلى جانب المهام الأخرى المنوطة بها، واقترح آخرون أن يكون وزير الداخلية مدنيًا من القضاء مثلاً أو من أساتذة كليات الحقوق، وأن يكون كل أعضاء جهاز التفتيش الداخلى - المكلف بالتحقيق فى تجاوزات وجرائم أفراد الشرطة - من رجال القضاء، شرط استبعاد القضاة الذين كانوا فى الأصل ضباط شرطة وانتقلوا منها إلى النيابة العامة التى أوصلتهم إلى منصات القضاء! قراء كثيرون اقترحوا حلولا من نوعية: «ينفع نسيب البلد ونمشى؟».. وتساءل آخر ماذا تنتظر من أفراد التحقوا بالشرطة عن طريق المحسوبية والواسطة والرشوة؟، وفى مقابل ذلك طرح أحدهم حلا بديعًا: أن يكون الالتحاق بأكاديمية الشرطة عن طريق مكتب التنسيق وأن يكون المجموع وليس الواسطة هو العامل الحاسم فى القبول أو عدم القبول. كثيرون أيضًا عبروا عن يأسهم المطلق من أى إصلاح فى ظل قانون الطوارئ البغيض الذى أتاح لضباط الشرطة احتجاز أى شخص فى أى وقت ودون سبب.. وأعطى لضابط صغير فى مديرية أمن الإسكندرية كل جبروت الطغاة فاقتحم المحكمة واختطف متهمًا من القفص وضربه وسحله على البلاط أمام الجميع، والقاضى منكفئ على أوراقه فى غرفة المداولة، وحتى يمنع هذا الطاغية الصغير كل أجهزة العدالة من التحرك، سارع بتحرير قرار اعتقال للمتهم، ولم نسمع حتى الآن أن جهة قضائية أو هيئة محكمة رأت فيما حدث اعتداء على هيبة القضاء أو إهدارًا لكرامة القاضى. أعرف أن جهاز الشرطة يضم ضباطًا كثيرين يخشون الله ويحترمون القانون، ولكن الفئة القليلة التى انتظمت فى قطعان متوحشة تجوب الشوارع وتفتش المقاهى وتقتحم البيوت وتبتز المواطنين علانية، وتلفق التهم لأبرياء، وتضم المجرمين لجيش المرشدين والمساعدين، هذه الفئة جعلت جهاز الشرطة كله عدوا للشعب، وأعادت إلى الأذهان نصيحة الفقيه سفيان الثورى: «إذا رأيتم شرطيًا نائمًا عن صلاة فلا توقظوه لها.. فإنه يقوم يظلم الناس».. وإلى الأسبوع المقبل. [email protected]