سيظل عام 1922م عاماً مهماً فى تاريخ مصر، ففى 28 فبراير من ذلك العام صدر التصريح البريطانى الشهير بإلغاء الحماية التى سبق أن أعلنتها بريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى على مصر، وقد أعلنت بريطانيا استقلال مصر وأنها «سيدة نفسها» واعترفت بحقها فى أن تحكم دستورياً، بواسطة حكومة مسؤولة أمام البرلمان والشعب. والغريب أن مصر بكاملها استقبلت هذا التصريح بفتور لافت، لأن الشعب اتخذ سعد باشا زغلول رمزاً لكل آماله، ولما كان سعد منفياً تمهيداً لإعلان هذا التصريح الذى رأى فيه محاولة لخداعه، رأى الشعب أن التصريح يتعارض مع نفى سعد زغلول، وأنه ينطوى على تناقض فأى استقلال هذا والاحتلال مازال جاثماً على صدر مصر؟ رأى الشعب فى التصريح خطوة للوراء وليس للأمام، ورغم كل هذا فإن هذا التصريح يُعد إحدى ثمار ثورة 1919م، لكنه كان أشبه بالمماطلة والمراوغة، وما يكاد يُذكر هذا التصريح إلا وكان مقترناً باسم عبدالخالق ثروت باشا، الذى علق قوله للوزارة على صدور مثل هذا التصريح، وطبعاً كان للورد اللنبى الدور الرئيس فى صدور التصريح الذى صار سلطان مصر فيه ملكاً، وقد أشار شفيق باشا فى حولياته إلى تفاصيل التصريح وردود فعله فى أكثر من مائة صفحة. بعد نجاح اللنبى فى استصدار التصريح قام السلطان أحمد فؤاد «الملك لاحقاً بمقتضى التصريح» فى 15 مارس بإرسال خطاب إلى رئيس الحكومة يطلب منه إبلاغ الشعب المصرى أولاً ودول العالم ثانياً باستقلال مصر وأنه أصبح ملكاً عليها، وجاء فى هذه الرسالة «لقد مَن الله علينا بأن جعل استقلال البلاد على يدنا، وإنا لنبتهل إلى المولى عز وجل بأخلص الشكر وأجمل الحمد على ذلك، ونعلن على ملأ العالم أن مصر منذ اليوم دولة متمتعة بالسيادة والاستقلال، ونتخذ لنفسنا لقب صاحب الجلالة ملك مصر، ليكون لبلادنا ما يتفق مع استقلالها من مظاهر الشخصية الدولية وأسباب العزة القومية وها نحن نُشهد الله وأمتنا فى هذه الساعة العظيمة أننا لن نألو جهداً فى السعى لخير بلادنا المحبوبة والعمل على إسعاد شعبنا الكريم.. صدر بسراى عابدين فى 15 مارس سنة 1922.. فؤاد». واعتبر عبدالخالق ثروت يوم 15 مارس عيداً للاستقلال سيحتفل به كل عام، ودعا لما عرف باسم لجنة الثلاثين لوضع الدستور، وهى اللجنة التى أطلق عليها سعد زغلول، فى منفاه «لجنة الأشقياء»، كما يصف تصريح 28 فبراير بأنه «نكبة» وطنية»، والغريب أنه بعد عودة سعد زغلول وترؤسه البرلمان لم يعد يرى أن هذه اللجنة لجنة أشقياء. كان على رأس المقدمات التى أدت إلى صدور التصريح استقالة عدلى باشا يكن، حيث ظل مكانه شاغراً أكثر من شهرين إلى أن تم تكليف عبدالخالق ثروت باشا بتأليف الوزارة الجديدة من قبل الحكومة البريطانية، فوضع شروطاً لقبوله تأليف الوزارة. كان من شروط ثروت باشا إلغاء الحماية والاعتراف باستقلال مصر والدخول فى مفاوضات جديدة بواسطة هيئة يعتمدها البرلمان بما لا يتنافى مع استقلال البلاد وحل مسألة السودان. لم تكن هذه الشروط مرضية بشكل كاف، ففى 2 فبراير 1922 هاجم الوفد هذه الشروط مقتدياً بالحزب الوطنى فى تمسكه بالجلاء فأصدر بياناً يتضمن الآتى: «من أخطر الأمور فى شروط ثروت باشا أنه أغفل أهم المطالب المصرية وعلى رأسها الجلاء، ولم يذكرها فى الشروط المحققة فوراً ولا فى المسائل المؤجلة للتفاوض وإن مثل هذه الشروط لا يقبل معها إغفال طلب الجلاء فى برنامج وطنى، لذلك أيها المواطنون لا تحيدوا عن المقاومة، ولا تلقوا هذا السلاح من أيديكم فإن المقاطعة وعدم المعاونة هما الطريق للاعتراف بحقوقكم كاملة ولتحيا مصر وليحيا الاستقلال التام».