غير صحيح أن الأرصفة منفعة عامة للناس، ولا يجوز التصرف فيها، فقد أصبح الآن بإمكانك أن تحصل رسميًا على الرصيف الذى يقع أمام بيتك نظير «إكرامية» زهيدة تدفعها للحى الذى تسكن به، فيصبح الرصيف لك وحدك وتمنع المشاة من المرور فوقه باعتبار أن الشوارع بها متسع للمشاة والسيارات معا، ولا ينبغى أن يظل الرصيف حكرًا على المشاة دون غيرهم. طبعًا يمكن أن يقال إن هذا ليس بجديد وإن موظفى الحى معروفون عادة بالعبقرية، وأنهم طالما ابتدعوا وسائل جديدة لتسهيل حياة المواطنين ولزيادة أبواب الرزق أمام أنفسم، من أكبر مدير إلى أصغر غفير، لكن الحقيقة أن ذلك كان فى الماضى يتم على استحياء، لذا لم يكن يلقى منا الإشادة الواجبة، والمثال على ذلك هو حى المعادى الذى ظل لسنوات تابعًا لمحافظة القاهرة، حيث كان يخضع لرقابة المحافظ المتزمت عبدالعظيم وزير. أما الآن فحال الحى أفضل بكثير بعد أن أصبح بإمكان السكان أن يفعلوا ما يشاءون بالتفاهم مع موظفى الحى دون أن يسببوا أى إزعاج فى منفاه البعيد فى حلوان، والأمثلة على ذلك كثيرة، ففى شارع 216 قام أحد السكان بالبناء بشكل غير قانونى ليضيف لشقته مطبخًا جديدًا ملاصقًا لشباك غرفة نوم جاره، وحين تقدم هذا الجار بشكوى للحى حضروا على الفور وحرروا المخالفة الواجبة للساكن المخالف لكنهم لم يزيلوا التعديات كما يحدث مع من لا يتفاهمون معهم. وقد بدأ أخيرًا مسؤولو الحى برنامجًا إصلاحيًا جديدًا لا يكتفى بتلك الإنجازات المتواضعة التى كانت تمر فى الماضى دون أن يلتفت إليها أحد إلا الجار المتضرر من ساكن شارع 216، الذى أصبح لا ينام الآن إلا على رائحة تقلية البصل وعلى صوت طشة الملوخية، ولا تغفل عيناه إلا بعد أن يطمئن إلى منظر دخان الشواء الكثيف الذى يتسلل برفق إلى غرفة نومه. أما فى شارع 17، فقد شكت لى زوجة أحد السفراء الغربيين من أنها لم تعد تفتح شباك غرفة نومها لأن رائحة أكوام القمامة المتراكمة على الرصيف أصبحت لا تطاق، وحين تقدمت بشكوى للحى قيل لها إن القمامة مسؤولية شركة خاصة تم التعاقد معها، وليست مسؤولية الحى. لكن يبدو أنه حدث اتفاق بين شركة القمامة المذكورة والحى كى تترك الشركة القمامة على الأرصفة ثم يعرض الحى على السكان شراء الرصيف نظير مبالغ معينة لا تذهب لخزينة الدكتور يوسف بطرس غالى، فقد شاهدت بنفسى أحد الأرصفة فى شارع 85، وآخر فى شارع 13 والتى طبق عليها هذا النظام بنجاح كبير فاختفت تمامًا من الوجود، وبعد أن كانت فى الماضى مقالب قمامة أصبحت الآن حدائق فيحاء، وإن كان أحد لا يراها لأنها أصبحت تابعة للمنازل المحظوظة فى تلك الشوارع، وأصبح المشاة يزاحمون السيارات فى الشوارع، بينما تغط المحافظة فى شخير عميق فى مدينة الحديد والصلب. ومن أهم إنجازات هذا البرنامج الجديد الذى يقال إنه قد يتم تعميمه على بقية الأحياء بعد أن ثبت نجاحه فى المعادى بتلك السرعة الفائقة التى ينفذ بها مشروع بيع الأرصفة، وهذه الكفاءة المتناهية التى يجرى بها بناء الأسوار التى تخفى الرصيف داخل المنزل، حيث ينام الناس وقد شاهدوا الرصيف ليستيقظوا فى الصباح وقد اختفى الرصيف فيتشكك سكان الشارع فى أنه كان هناك رصيف أصلا فى ذلك الشارع حين قام الإنجليز بتخطيط الحى، متصورين أنهم فى لندن، حيث المشاة لا يسيرون إلا على الأرصفة والسيارات لا تسير إلا فى الشوارع. أما أنا فإلى جانب إعجابى بالسرعة والكفاءة التى يتم بها البرنامج الجديد لحى المعادى، فإنى إبدى إعجابى أيضًا بجمال تلك الأسوار الحديثة التى تخفى الأرصفة القديمة القبيحة، وإن كان قد وصلنى أن المسؤول عن شكل هذه الأسوار هم أصحاب المنازل الذين اشتروا الرصيف، وليس الحى الذى كثيرًا ما تفتقر منشآته إلى أبسط مبادئ الذوق والجمال، والدليل على ذلك هو الأرصفة القديمة التى اختفت الآن والحمد لله ببلاطها المهدم، وبقمامتها المتراكمة. وقد اقترحت على حى المعادى، كى يسرع فى إتمام مشروع الألف رصيف هذا، أن يعلن عنه فى الصحف فى إعلان صريح يقول «رصيف للبيع فى المعادى»، لكن موظفى الحى قالوا لى إنهم يخشون أن تذهب أموال الأرصفة فى هذه الحالة إلى خزينة الدولة التى أصبحت تنافسهم فى الاستيلاء على أى أموال تقع عينها عليها.